بعد التحية: بقلم - د.عبدالله العوضي

ت + ت - الحجم الطبيعي

لماذا يهرب الطلاب المواطنون من القسم العلمي؟ الموضوع بحاجة الى استطلاع كبير مع الذين هربوا فعلا من هذا القسم الدراسي الهام . وحتى يتم هذا الاستطلاع سنركز على احد الاسباب الجوهرية في سياق العملية التربوية في مجال المسارات المتاحة. وهو ما يتعلق بالمدرس ذاته, تصور مدرس يندب حاله امام تلاميذه وطلابه ويعبر عن تذمره بأنه اضطر لتدريس المواد العلمية اضطرارا وليس رغبة, بل مكرها ولو ان الامر كان بيده والظروف متاحة لطلق هذه المهنة من حياته منذ سنوات بالثلاث. ومما تختزنه الذاكرة من سني الدراسة الاولى كيف ان أحد مدرسي الأحياء يحث الطلاب على الهروب الى القسم الادبي بحجة ان مادته لا تصلح لمن لا يتقن رياضيات التكامل والتفاضل مع ان الطلبة لم يكونوا بالفعل قد بدأوا دراسة هذه المواد بعد. تحدث أحد قدامى المدرسين مرة عن طالب قام بتأليف كتاب قيم وهو في مرحلة التلمذة, فعندما عرض على الاستاذ قراءته, استشاط غيظا وحنقا على التلميذ المجتهد والمسكين فرد عليه قائلا: كيف تجرؤ على عمل كهذا دون ان تأخذ رأيي ؟ او تعلمني بالامر مسبقا؟! فتناول الكتاب من بين يديه ثم رماه في النار الموقدة فأحرقه امام ناظريه وكأن شيئا لم يكن. المادة العلمية التي يقوم أي مدرس بتدريسها للطالب لا تنفصل ابدا عن شخصية المدرس ذاته, فبقدر ارتباط الطالب بمدرس المادة يكون ارتباطه بالمادة ان لم يكن اكثر. فالمدرس عنصر حاسم وهام في تأصيل مفاهيم التعلم لأي مجال سواء كان المسار يتعلق بالقسم العلمي أو الادبي. هناك في بعض الاحيان انطباعات مسبقة لدى الطالب المتردد في اختيار أي القسمين فيجعل من تجربة اسبوع او اسبوعين في احد الاقسام الدراسية الحد الفاصل للاختيار الامثل او التنقل بين قسم وآخر. وهنا كذلك يبرز دور المدرس في فك رموز هذه المعادلة للطالب المحتار او الحيران بين الاختيارين وفي تخفيف حدة الخوف المبدئي وازالة وقع التردد عنه. ولقد مرت علينا مثل هذه الظروف ولم نجد في ذلك الوقت عونا من احد على حسن الاختيار فكان للحظ دور بارز في الاستمرار او الرضى بالنصيب ولو لم تكن القناعة الفكرية متيسرة. ومازال الطلاب والطالبات يعانون المشقة في اتخاذ القرار المناسب وصعوبة في تحديد القسم الذي يودون الاستمرار فيه لبناء مستقبلهم العلمي.

Email