التطوع في العبادات

ت + ت - الحجم الطبيعي

من فضل الله علينا ونحن الخطاؤون المقصرون، أن يسّر لنا مع ما أوجب من الفرائض المتحتمات، نوافل من جنسها وسنناً مستحبات، تكمل نقصنا، وتتم تقصيرنا، وترفأ خللنا، ونفرح بها (يوم ينظر المرء ما سعى) يوم يتمنى المفرط أن يعود إلى الدنيا ليعمل صالحاً، فلا يجاب إلى هذا ولا يمكن منه.

كان السابقون من الصحابة والتابعين، يحرصون على النوافل كما يحرصون على الفرائض، حتى إنه كان يكفي أحدهم أن يعلم أن النبي - عليه الصلاة والسلام - أمر بعمل أو سنه بقول أو فعل، فتراه بعد لا يفرط فيه ولا يتركه، ولا يتهاون به ولا يدعه، وما ذاك إلا لعلمهم ويقينهم أن الخير كل الخير والبركة كل البركة، في اتباعه - صلى الله عليه وسلم - والسير على هديه.

إن للنوافل فضائل متعددة، كل واحدة منها كفيلة بأن تبعث في نفس المسلم الصادق من الهمة والنشاط والرغبة، ما يدعوه لأن يحافظ عليها ويواظب على فعلها، أولها وهو أعظمها أنها سبب لنيل محبة الله - تعالى - ففي الحديث القدسي الذي رواه البخاري قال الله - تعالى -:

«من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإنْ سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه» ما أعظمه من فضل!

الرحمن الرحيم يتحبب إلى عباده وهو غني عنهم، ويدلهم بفضله على ما يرفع قدرهم، فهل تخيلت يا عبد الله جمال الفضل وكمال الشرف وعلو المنزلة؟! بل هل تصورت كم ستكون حياتك هانئة وسعادتك بالغة، حين تحرص على النوافل وتؤديها مخلصا لربك، فيحبك الذي خلقك وبيده كل أمرك! ماذا تتوقع إذا أحبك ربك؟!

أتراه يصيبك منه حينئذ إلا كل خير؟! إنه - تعالى - ليحسن إلى كل عباده حتى المعرضون منهم، فكيف بمن يحبهم؟! إن أولئك الذين يحبهم الله لمحافظتهم على النوافل موفقون سائر جوارحهم، فلا يسمعون إلا خيرا، ولا ينظرون إلا إلى ما يسر، ولا يتناولون إلا ما ينفع، ثم هم موعودون من ربهم ومن نبيهم بجوائز عظيمة، جوائز لو أعطيت لأحدنا في دنياه لبذل من أجلها كل غال ونفيس، فكيف وهي في الجنة؟! ألا فتعال واسمعْ بقلبك قبل أذنك قول نبيك - صلى الله عليه وسلم -:

«ما من عبد مسلم يصلي لله - تعالى - في كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة، إلا بنى الله - تعالى - له بيتا في الجنة، أو إلا بني له بيت في الجنة» رواه مسلم، وعن ربيعة بن كعب - رضي الله عنه - قال:

كنت أبيت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأتيته بوضوئه وحاجته، فقال لي: «سلْ» فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة. قال: «أو غير ذلك؟!» قلت:

هو ذاك. قال: «فأعني على نفسك بكثرة السجود» رواه مسلم. أفلا تحب يا عبد الله أن يبني الله لك بيتا في الجنة، الدار التي كتب الله على أهلها البقاء أبد الآباد، في نعيم لا يحول ولا يزول، والجار محمد - صلى الله عليه وسلم - ومن كتب الله له السعادة وأنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين؟!

ألا تفعل كما فعل العقلاء الأتقياء وقد سمعوا هذا الفضل وعرفوه؟! روى مسلم عن أم حبيبة زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «ما من عبد مسلم يصلي لله كل يوم ثنتي عشرة ركعة تطوعا غير فريضة، إلا بنى الله له بيتا في الجنة» قالت أم حبيبة: فما برحت أصليهن.

 

Email