جدة وأبناء وأحفاد يجمعهم شغف المعرفة

عائلة فتحية النمر تُبحر في 1000 كتاب

ت + ت - الحجم الطبيعي

إن تلتفت يميناً ويساراً، لتجد الكتب تحيطك من كل جانب، فأنت حتماً في بيتِ أسرةٍ قارئة، تستنشقُ روعةَ الحياةِ مع عبقِ الكلمات، ولا تكتمل متعتُها إلا في أحضانِ المعرفة.

من منزل الكاتبة والروائية فتحية النمر الكائن في منطقة السويحات بالشارقة تبدأ الحكاية، فمنذ اللحظة الأولى التي تدخل فيها المنزل، تجد نفسك محاطاً بكتبٍ موَزَّعةٍ على زوايا المجلس، وما أن تصل إلى الطابق العلوي، حتى تفاجئكَ المكتبةُ بما تحمله بين طياتِها من كتبٍ وموسوعات، تصل إلى أكثر من 1000 عنوان، تأخذُك في رحلةٍ إلى عوالمِ القصةِ والرواية، وتَجولُ بكَ بين ثنايا النقد، لتجد نفسكَ بين أهم الكتّاب، تصافح ماركيز ونجيب محفوظ، وتُجري حديثاً شيقاً مع صالح هويدي وهدى بركات، وتلتقي دون موعدٍ مُسبق بشكري المبخوت وعلي أبو الريش وباسمة يونس وغيرهم، ولا يعيدكَ إلى أرضِ الواقع سوى صوت خطوات الطفل خالد (6 سنوات) - حفيد فتحية النمر- يَجُرُّ كرسياً نحو المكتبة، في محاولةٍ للوصول إلى موسوعات الفضاء والمجموعة الشمسية والحيوانات بكل شغف.

«البيان» زارت فتحية النمر في منزلها، لتجد نفسها أمام أمٍّ وجدة، غرست في أبنائها وأحفادها حبَّ القراءة، حتى بات الكتابُ رفيقهم على اختلاف مراحلهم العمرية، التي تتأرجح بين الجامعة والروضة.



أدب وإبداع
من مكتبتها الأنيقة بدأ الحوار، إذ أكدت النمر أن شغفَها بالقراءةِ جعلَ مكتبتَها تحفل بجميعِ أنواعِ الكتب، وقالت: تضمُّ مكتبتي باقةً متنوعةً تغوصُ في جميع المجالات، لا سيما أن اهتماماتي تتغيرُ من مرحلةٍ لأخرى، إذ لاحظتُ تعلقي في فترةٍ ما بالكتب الدينية والتاريخية، لتشغلني بعدها كتب التربية وعلم النفس والفلسفة وتطوير الذات، أما الآن فأشعر بانجذابٍ كبيرٍ نحو الكتبِ الأدبيةِ الإبداعيةِ وتحديداً في مجالات الروايةِ والقصةِ والنقد، وقد وصلتُ اليوم لمرحلة أصبحتُ أختار فيها كتبَ النخبة من الكُتَّاب لأقرأ لهم، إضافةً إلى كتبٍ كثيرة قمت بتوزيعها ليستفيد منها غيري، وأخرى أهديتها لبعض الأصدقاء لقيمتها الكبيرة، هذا إلى جانب الكتب التي أضعها في غرفتي بترتيب معين، لأُنهي قراءة مجموعةٍ وأبدأ مجموعةً أخرى، بالإضافة إلى المكتبات الصغيرة التي تتوزع في غرف أبنائي وتضم كتباً علمية وروايات، كلٌّ حسب اهتمامه وميوله.

جلسات قرائية
شارَكَنا الحديث ابنا فتحية النمر، محمد عقيل إبراهيم (15 عاماً)، وعبدالرحمن عقيل إبراهيم (13 عاماً)، وحفيدها خالد عبدالرحمن النمر (6 سنوات)، الذين عبروا عن حبهم للقراءة، وحرصهم على شراء الكتب أسبوعياً من المكتبة، لافتين إلى المتعة الكبيرة التي ترافقهم في الجلسات القرائية التي تجمعهم بأفراد العائلة.

https://media.albayan.ae/inline-images/2616401.jpg

وذكر محمد أنه يميل لكتب الفضاء، لافتاً إلى أنها طريقه لتحقيق حلمه في أن يكون مخترعاً ومبتكراً ورائد فضاء، كما أشار عبدالرحمن إلى شغفه بالكتب الدينية والإنسانية، ومعبراً عن حلمه في أن يصبح محامياً في المستقبل.

ولم تقتصر القراءة على أبنائها الذكور، بل كانت ابنتا فتحية أكثر شغفاً من أشقائهما بالقراءة، وعن ذلك قالت فتحية: ابنتي عائشة (18 عاماً) تعشق قراءة الروايات، وعادةً ما تجذبها القصص والحكايا العاطفية التي تلامس المشاعر والأحاسيس، كما تشاركها أختها خولة (21 عاماً) حب القراءة، وتستمتع بكتب ياسر حارب، ويسعدني كثيراً إقبالهما على القراءة، إلا أنني دائماً ما أنصحهما بضرورة تنويع قراءاتهما ما يساهم في توسيع مداركهما، وفتح آفاقهما على عوالم أوسع وأغنى.

https://media.albayan.ae/inline-images/2616399.jpg

وعي مستنير
وأشادت النمر بمبادرة (2016.. عام القراءة)، لافتة إلى رؤية القيادة الحكيمة في الإمارات، التي تفاجئ العالم بمبادرات غير مسبوقة تهدف لبناء الإنسان، وتسعى دوماً إلى ملء عقول الشباب بما ينير وعيهم وفكرهم، فلا ينجرفون وراء الأفكار الظلامية.

https://media.albayan.ae/inline-images/2616397.jpg

خطة 2016
وعن خطتها للقراءة، أكدت النمر أنها واكبت مبادرة عام القراءة بمشروع هادف، وعنه قالت: جمعتُ بعض الإصدارات الأولى لبعض الكتاب والكاتبات المحليين من الشباب، التي لم تحظَ باهتمام إعلامي، وبحثتُ فيها وتناولتها بعينٍ نقدية لأقدمها في إصدارٍ جديد كنوع من القراءة والنقد الذي ربما يساعدهم في مشوارهم الأدبي، أما بالنسبة للخطة التي وضعتُها لأبنائي، فخصصت يوم السبت من كل أسبوعٍ لاصطحابهم إلى المكتبة، وأترك لهم حرية انتقاء الكتب التي يرغبون بقراءتها، وأراقبهم من بعيد، لأقدم لهم بعض الملاحظات التي تساعدهم في الاختيار، ما يعزز جعل القراءةِ عادة يومية لديهم.



استسهال
ذكرت فتحية النمر موقفاً واجهته مع ابنها عبدالرحمن، فتَّح عينيها على ضرورة الالتفات لذكاء الأبناء، بغض النظر عن الفئة العمرية المذكورة على الكتاب، إذ قالت: كنت حريصةً على شراء كتب تناسب عمر ابني، وفي إحدى المرات اشتريتُ مجموعة له، لكني فوجئتُ بتجاهله إياها ورفضه قراءتها، وحين سألته عن السبب أخبرني أن هذه الكتب لا تحتوي على أية معلومة جديدة بالنسبة له، ولا يرى فيها أي إبهارٍ. وأضافت: هذا الأمر جعلني أفكر في مدى الاستسهال الذي يعتمده الكثيرون في الكتابة للطفل، ومدى خطورة هذا الموقف وتأثيره في إبعاد أطفالنا عن القراءة، رغم أن الكتابة للطفل مسألة خطيرة، تحتاج إلى شروط ومواصفات خصوصاً يجب أخذها في عين الاعتبار، وراودني سؤال مهم، لماذا يضخ كُتَّاب الطفل هذا الكم الهائل من كتبٍ لا تلفت انتباههم؟

لذة الكتاب الورقي في حضرة الإلكتروني
يميل أبناء الروائية فتحية النمر لقراءة الكتب الإلكترونية، ويفضلونها على نظيرتها الورقية، وهو أمر لا يُشكل بالنسبة لها أي هاجسٍ، فالأهم هو اتجاههم إلى القراءة كهواية وعادة، بغض النظر عن الوعاء والقالب الذي يقدم المعلومة.

https://media.albayan.ae/inline-images/2616400.jpg

وذكرت فتحية في الخصوص، أن أبناءها دائماً ما يبحثون عبر محركات البحث عن كتبٍ تثير اهتمامهم وتروي شغف المعرفة في دواخلهم، على عكسها تماماً، إذ تجد لذةً من نوع خاص في الكتاب الورقي، وتصفُ علاقتها به بالحميمة، ولكن ذلك لا يمنعها من اللجوء إلى الكتب الإلكترونية بين وقتٍ وآخر.

وأشارت فتحية النمر إلى أن تعويد الأبناء على القراءة في العصر الجاري، أصبح مُهمةً صعبة في ظل المؤثرات التي تحيط بهم من كل جانب، لافتةً إلى ضرورة مضاعفة الجهود وبناء علاقة طيبة مع الأبناء لتحبيبهم بالقراءة.

https://media.albayan.ae/inline-images/2616398.jpg

«مئة عام من العزلة».. تساؤلات وملاحظات
لأن لكل قارئ كتاباً مؤثراً، تحدثت فتحية النمر عن «مئة عام من العزلة» لغابرييل غارسيا ماركيز، صاحب التأثير الأقوى عليها، وقالت: عشت مع كل سطر من أسطر هذا الكتاب لحظات خصوصاً، رحلتُ فيها مع إبداع كاتبه، وتعرفتُ إلى أميركا اللاتينية وأجوائها، وطريقة تفكير الناس هناك، لدرجة أن أسئلة كثيرة باغتتني، وملاحظات حول مدى تقصير الكُتاب العرب في حق بلدانهم، إذ يُفترض التركيز على ما تتمتع به أوطانهم من مميزات، وتقديمها للقارئ كما هي، والغوص في تفاصيل الأمكنة. وتابعت: لاحظتُ تعمُّد الكُتاب العرب الابتعاد عن تلك الأماكن التي يُحرِّكون شخصياتهم فيها، على عكس ماركيز وغيره من الكُتاب، الذين تفوق معلوماتهم حول بلدانهم ما قرأناه في كتب الجغرافيا والتاريخ.

الكتابة للطفل

ذكرت فتحية النمر موقفاً واجهته مع ابنها عبدالرحمن، فتَّح عينيها على ضرورة الالتفات لذكاء الأبناء، بغض النظر عن الفئة العمرية المذكورة على الكتاب، إذ قالت: كنت حريصةً على شراء كتب تناسب عمر ابني، وفي إحدى المرات اشتريتُ مجموعة له، لكني فوجئتُ بتجاهله إياها ورفضه قراءتها، وحين سألته عن السبب أخبرني أن هذه الكتب لا تحتوي على أية معلومة جديدة بالنسبة له، ولا يرى فيها أي إبهارٍ.

وأضافت: هذا الأمر جعلني أفكر في مدى الاستسهال الذي يعتمده الكثيرون في الكتابة للطفل، ومدى خطورة هذا الموقف وتأثيره في إبعاد أطفالنا عن القراءة، رغم أن الكتابة للطفل مسألة خطيرة، تحتاج إلى شروط ومواصفات خصوصاً يجب أخذها في عين الاعتبار، وراودني سؤال مهم، لماذا يضخ كُتَّاب الطفل هذا الكم الهائل من كتبٍ لا تلفت انتباههم؟ 

Email