لقاء غير متوقع!

ت + ت - الحجم الطبيعي

اقترب مني بينما كنت في الطابور الذي ينتظر خارج الصالة، قبل دقائق من عرض الفيلم الفرنسي: «نساء الطابق السادس».

قال: «سمعتك تتحدث بلغة لا أعرفها، ما هي؟». قلت: العربية. رد: آه، هل تدري، كان يتوجب عليّ ان أتحدث العربية أيضاً. سألته: لما، هل سبق لك أن عشت في بلد عربي. قال: لقد ولدت في مصر. قلت: آه، هذا يعني انك مصري. قال: ليس بعد الآن. في تلك اللحظة، كان كل شيء لا يزال عادياً، إلا أن «فأراً صغيراً بدأ يلعب في صدري»، على ما يقول المثل الشعبي. إذ إنني توقعت أن عبارة «ليس بعد الآن»، قد يكون لها ارتباط ما بالأحداث الجارية في القاهرة هذه الأيام: هل يكون الرجل من المقربين إلى دائرة رجال الأعمال المصريين الفاسدين، وقد منح الجنسية من أجل تسهيل أعمالهم ونقل أموالهم إلى أوروبا، ثم انتهى دوره اليوم.. لكن احتمالاً واحداً لم يخطر على البال.

سرد لي بعد ذلك القصة الغريبة: هل تعرف أنني، وأنا صغير، كنت ألعب في ذات المكان الذي كان يقيم فيه الرئيس المخلوع حسني مبارك، أي قصره. استغربت، أوضح: إلا تصدقني، بوسعك أن تزور موقعي على الانترنت، ستجدها غالباً بالألمانية، لكن هذه القصة مكتوبة بالإنجليزية. منذ ثماني سنوات، كنت ضمن وفد ألماني رفيع المستوى زار القاهرة، وحضرت أمسية في قصر مبارك وكان معنا الرئيس الألماني أيضاً. قلت لمبارك: صغيراً كنت ألعب في قصرك، وحين استغرب، أخرجت شهادة ميلادي العربية من جيبي، فقال: نعم، ‬10 شارع إبراهيم، هذا يعني في مكان قريب جداً من هنا.

«هل أنت حزين أم سعيد لرحيل مبارك إذاً؟»، أسأله، يرد باقتضاب: «لا نعرف». ثم يصر: «من أي مكان أنت؟». أجيبه بأنني لبناني وأعيش في دبي منذ زمن. يكشف: أنا يهودي، أهلي عاشوا في مصر منذ زمن بعيد، لكننا رحلنا في العام ‬1952 بعد الثورة على الملكية. هل تعرف أن البارون الذي بنى فندق هيليوبوليس، حيث قصر الرئاسة اليوم، كان صديقاً مقرباً من أهلي آنذاك. ثم: أعيش في برلين منذ زمن طويل، إذا رغبت بأن تعرف القصة الكاملة عن عائلتي بوسعك أن تتردد على الانترنت، العنوان مكتوب على بطاقتي. «لا شكراً، لا أعتقد أنني مهتم»، قلت له، بينما ندخل الصالة، حيث انتظرت أن يجلس على مقعده، وتقصدت الجلوس في مقعدي بعيداً عنه بمسافة كبيرة. مسافة لا أتخيّل أنها في يوم من الأيام قد تضيق، حتى لو كنت من الذين بالإمكان إغراءهم بالحكايات والأساطير!

Email