جولة فرنسية

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعدما حسم الفرنسيون أمرهم في انتخابات شغلت العالم مدة لا بأس بها، يتساءل المرء أي ثقل سياسي تمثله فرنسا مقابل الثقافة، وأي ثقل يمثله الاقتصاد مقابل السياحة، خاصة أن بلداً مثل فرنسا يزوره أكثر من سبعين مليون سائح سنوياً، تجد من الصعوبة بمكان التعرف إلى وجوه فرنسية صرفة تجري في عروقها دماء بلاد الغال. راقبوا ركاب المترو، مرتادي المقاهي، متسكعي الشانزليزيه، فناني الطرقات، عشاق الأقفال على جسور الحب.. ولعلكم ستتساءلون: أين الجدائل الشقراء، الثياب الأنيقة، الشوارع النظيفة، العطور الفواحة..

فرنسا اليوم ليست فرنسا الحلم، ولكنها لا تزال عالقة في تلابيب عشاقها حول العالم، هؤلاء العشاق الذين لا تكتمل دورة إبداعهم دون المرور في باريس، هنا عاش أزرا باوند، ماركيز، ألبير قصيري، أرنست همنغواي، وليم سارويان، هانريش بول.. وغيرهم الكثير من الذين سحرتهم الحياة الفرنسية فاختاروا باريس وقتاً لعيشهم وكتبوا فيها بعض أروع أعمالهم.

لذلك انشغل العالم بهذه الانتخابات رغم أن الرئيس المنتخب من حديقة بيضاء! حيث لا حزب أنجبه ولا مؤسسة عريقة تحميه، فقط نادى بحركة وسطية (إلى الأمام) فانتخبه الفرنسيون لأنهم لا يريدون العودة إلى يسار خائب أو إلى يمين متعصب، أرادوا شكلاً جديداً بمذاق معاصر لفرنسا جديدة، فكان إيمانويل ماكرون الشاب (39) عاماً، دون البحث في مستقبل البلاد، لأنهم يدركون أن بلداً قوياً مثل فرنسا لا يمكن تغيير مزاجه السياسي لأن الرئيس تغير، بلاد المؤسسات يصبح الرئيس فيها موظفاً رفيع المستوى لا يتخذ قراراً دون العودة إلى (مجلس الإدارة).

في فرنسا أكثر من ثمانين جامعة حكومية ومثلها من الجامعات والمعاهد الخاصة، وفيها أعرق مؤسسات العلوم وأعظم الآثار التي تعود للقرون الوسطى ولديها ثروة زراعية تفوق النظر على امتداد جغرافيتها، وقد قدمت للعالم حركة تنوير بعد الثورة عام 1789، حيث ألهمت العالم لصناعة قرارات الحرية، لم يكن هناك خوف من فوز ماري لوبن، الخوف الأكبر كان في حصولها على نسبة 34 بالمائة من الأصوات. وهذا يعني أن اليمين يتقدم، ولربما ستكون له جولة بعد خمس سنوات.

Email