للحد من نشر أفكار متطرفة وتدمير المجتمعات وترهيب الناس

منتدى أمن الخليج: مواجهة الإرهاب تتطلب نهجاً شمولياً

ت + ت - الحجم الطبيعي

أوصى المشاركون في أعمال المنتدى الثاني لمستقبل أمن دول مجلس التعاون الخليجي الذي نظمه مركز «تريندز» للبحوث والاستشارات، أمس، بأهمية دراسة ظاهرة الإرهاب الإلكتروني، وتفعيل كل الإجراءات للحد من نشر أفكار الجماعات والمنظمات المتطرفة، وإلقاء مزيد من الضوء على نشاط تلك التنظيمات، وما تقوم به من دور في تدمير المجتمعات وترهيب الآمنين.

ورفع المشاركون برقية شكر إلى قيادات دولة الإمارات، لدورها في مكافحة الإرهاب والتطرف، والتصدي للأفكار الهدامة، مشيدين بمشاركتها في «إعادة الأمل» التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن. وشدد المشاركون في الملتقى على ضرورة اتخاذ نهج شمولي في مكافحة الإرهاب، وتعزيز كل السبل حول الممارسات الدولية، للتعامل مع مكافحة تمويل الإرهاب وتجفيف منابع هذه التمويلات.

ودعا المشاركون إلى إقامة وتنظيم الفعاليات والاجتماعات التي تستعرض مخاطر التنظيمات الإرهابية، والآليات التي تستخدمها في استقطاب وتجنيد الشباب بين صفوفها، وفضح ممارساتهم في تجنيد الأطفال والنساء للقيام بعمليات إرهابية.

قاعدة نقاش

وأوضح الدكتور أحمد ثاني الهاملي، رئيس مركز تريندز للبحوث والاستشارات، في كلمته الافتتاحية للملتقى، أهمية إنشاء قاعدة للنقاش والحوار البناء حول تغير طبيعة الحروب الحديثة، ووضع آليات فعالة للتصدي لخطر الجماعات الإرهابية.

وقال: «جميعنا يعلم أن الحرب، برغم حقيقتها وطبيعتها المأساوية، مثلت، على مَر التاريخ، ظاهرة وجودية رافقت الإنسان منذ القدم. ولو عدنا إلى التاريخ العسكري، لوجدنا فيه أن الحرب بسبب طبيعتها المتغيرة، خرجت عن سياقها التقليدي في عصرنا الراهن، فبعد أن كانت تمثل واقعة يشتبك فيها جيشان متكافئان، فإن عدداً كبيراً مما نشهده اليوم من نزاعات مسلحة لا تنطبق عليه قاعدة الدول المتماثلة في جيوشها ومعداتها».

إطار عسكري

وأضاف الدكتور الهاملي: «هذه المكونات من اللاعبين غير الحكوميين الذين لا ينطبق عليهم وصف الدولة ويفتقرون إلى العديد من مقوماتها، سيكونون أعداء غير تقليديين من نوع جديد يتمتعون بالمرونة والترابط الشبكي الذي لا تحكمه هياكل تنظيمية، أو بنية مؤسسية محدودة ومعلومة.

كما لا يعملون في إطار نسق عسكري واضح، ولا يمكن توقع أفعالهم أو ردود أفعالهم، ولا تدور عملياتهم على مسرح محدد، هذا فضلاً عن استخدامهم طاقة الحرب النفسية وما يصاحبها من شحنات الصدمة وتوظيف وسائل مستحدثة وتشكيلات غير تقليدية، وهي جميعها تمثل سياقاً يختلف تماماً عن السياق التقليدي المعتاد للحرب النظامية، بدءاً من الاستراتيجية إلى التخطيط للعمليات».

وتابع: «هذا النمط من الحروب هو الذي نطلق عليه مسمى «الحروب غير المتماثلة»، تلك الحروب التي أحدثت تغيراً نوعياً في طبيعة الحروب التقليدية، وأخرجها من مسارها النمطي، لتكون واحداً من مصادر المرجعية الفكرية التي سيبنى عليها الفقه الاستراتيجي العسكري في التخطيط لحروب المستقبل».

قواعد الاشتباك

وقال الدكتور أحمد ثاني الهاملي: «انطلاقاً من هذه التصورات، يعقد مركز «تريندز للبحوث والاستشارات» منتداه السنوي الثاني لمناقشة موضوع الحرب غير المتماثلة ودور اللاعبين غير الحكوميين فيها، ومدى تأثيرهم فيها، وخصوصاً في ظل منطقة الشرق الأوسط، والمنطقة العربية تحديداً، من نزاعات مسلحة تؤدي فيها المنظمات والجماعات الإرهابية دوراً كبيراً في التحكم بمساراتها».

ولفت إلى أن المجتمع الدولي يشهد حالياً عدداً كبيراً من النزاعات المسلحة التي غيرت من المفهوم السائد لأساليب الحرب التقليدية وطرائق مواجهتها، من أهم تلك المتغيرات دخول جماعات غير نظامية في نزاعات مسلحة مع الدول، وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، حيث أضفت هذه المجموعات غير النظامية تعقيداً على فهمنا لقواعد الاشتباك التقليدية.

جلستا نقاش

وشهد الملتقى عقد جلستين نقاشيتين، استعرض المشاركون خلالها 5 أوراق عمل تناولت التحديات التي فرضها وجود الجماعات غير النظامية على المجتمع الدولي، ودورهم في تغيير الشكل النمطي للحروب، وكيفية التعامل مع الجماعات غير النظامية ذات الطابع الديني والطائفي في مرحلة ما بعد النزاع.

وشهدت الجلسة الأولى التي ترأسها الدكتور ريتشارد بيرتشل، مدير قسم البحوث بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، تقديم 3 أوراق علمية، تناولت الدروس المستفادة من الحرب الأميركية على أفغانستان، ومخاطر التنظيمات الإرهابية.

وأشار البروفيسور ثيو فاريل، رئيس دائرة علوم الحرب في جامعة لندن، خلال الورقة التي قدمها بعنوان «إنهاء التمرد: دروس من أفغانستان»، إلى وقوع أكثر من 250 نزاعاً مسلحاً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي أسهم في تهديد الأمن والسلام الدولي، مشيراً إلى دور تلك النزاعات في ترويع وتهجير السكان.

تجنيد الأطفال

وانتقد قيام بعض المنظمات الإرهابية، وفي مقدمتها الحوثيون في اليمن، بتجنيد الأطفال والنساء في عملياتها القتالية، فضلاً عن استخدامهم دروعاً بشرية لصد هجمات قوات التحالف.

وقدم الدكتور دايفيد بيتز، من جامعة كينجزكولج البريطانية، ورقة عمل بعنوان «كيف ولماذا سيطر خطر الجماعات غير النظامية على جدول أعمالالأمن الدولي»، تطرق خلالها إلى أهم القوانين والإجراءات الواجب اتباعها في الحروب لحماية المدنيين العزل، ودور الحوكمة والحوار في كسب عقول الناس وإخراجهم من مستنقع فكر التنظيمات المتطرفة.

ونوه الدكتور دايفيد بيتز بأن التقدم الحضاري والتكنولوجي أسهم في إيجاد حروب تأخذ طابع العولمة، فهي لا تعترف بحدود أو عوامل جغرافية، فهي قابلة للانتقال بشكل سريع وتؤثر بين دولة ودولة حول العالم، كما حدث أخيراً في فرنسا وقبلها في لبنان، والعديد من الأمثلة الأخرى.

حروب دعائية

وأكد أن عدداً من الحروب التي شهدها العالم في العقود الأخيرة كانت حروباً دعائية، قامت بها حكومات معروفة عالمياً، لترويج بطولات لأشخاص يسعون للحصول على مكاسب دعائية وترويج شخصي، مشيراً إلى أن المجتمع الدولي والنظام العالمي يدفع ثمن تلك الحروب غير المحسوبة اليوم، وأن تلك الحروب أسهمت في تعزيز قدرات المنظمات الإرهابية، وتعزيز قدراتها التسليحية والعقلية الحربية.

أما الورقة الثالثة التي قدمها إلياس دياب، المتخصص في الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة، فكانت تحت عنوان «المجموعات غير النظامية في العالم العربي: تحديات قانونية جديدة»، فقد أكدت أهمية الاعتدال الديني، والقيام بدور فاعل لحماية المجتمع من الأفكار الهدامة التي تتعارض مع الدين الإسلامي الحنيف والسنة النبوية المشرفة.

ولفت إلى أن تجنيد الحوثيين للأطفال تسبب في وفاة 398 طفلاً وإصابة 605 آخرين خلال العام الجاري، مشيراً إلى تجنيد الحوثيين دفعة جديدة من الأطفال بلغت نحو 377 طفلاً خلال العام الجاري، وتراوح أعمارهم بين 11 و16 عاماً.

وقال إلياس دياب: «إن هناك هدفاً عالمياً لدوافع اللجوء إلى القوة والتصدي إلى عدد من المنظمات والجماعات الإرهابية في منطقة الخليج، فالوقوف ومراقبة نمو تلك الجماعات لن يكونا مقبولين استراتيجياً، خاصة أن تلك الجماعات باتت تشكّل تهديداً للأمن الإقليمي الخليجي الذي يعد متماسكاً».

وأشار إلى أن حرب الوكالات التي اعتمدتها إيران بتوكيل حزب الله وحماس والميليشيات الحوثية ودورها في سوريا شكّلت انتهاكاً للصمت والثبات الانفعالي الخليجي، ما يبرر التغييرات الكبيرة في المواقف الخليجية من تلك التدخلات.

إنجازات سياسية

وأكد أن ميليشيات الحوثي تسعى لكسب إنجازات سياسية بالضغط بورقة المدنيين، مشدداً على أن الفصائل والقوى اليمنية تتحمل جزءاً كبيراً من المسؤولية في استهداف المدنيين.

أما الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور ريتشارد بيرشل، مدير قسم البحوث بمركز تريندز للبحوث والاستشارات، فقدم المشاركون خلالها ورقتين علميتين، تناولتا موضوعات القضايا السياسية والإقليمية، والحروب غير المتماثلة، ودور بعض دول الجوار في دعم التنظيمات المتطرفة، حيث أكد الدكتور دايفيد روبرتس، محاضر في جامعة لندن، أن دخول أطراف إقليمية في عمليات تسليح وتقوية ميليشيات قائمة على أسس مذهبية أسهم في تعزيز المناخ المضطرب في المنطقة.

تحديات المنطقة

من جانبه، لفت البروفيسور عبد القادر فهمي، باحث ومتخصص في العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة بغداد والجامعة الأردنية، إلى دور الملتقى في فهم التعقيدات التي برزت عند تطبيق قواعد الاشتباك التقليدية في مواجهة الجماعات المسلحة غير النظامية كطرف في الصراع المسلح، والأطر القانونية والسياسية الحاكمة للنزاعات المسلحة التي يكون أحد أطرافها جماعات مسلحة.

كما استعرض التحديات التي تواجهها دول المنطقة من انتشار خطر التنظيمات الإرهابية المتطرفة، وأساليب مواجهتها، والإفرازات التي أنتجها الغزو الأميركي على العراق.

وقال البروفيسور عبد القادر فهمي: «تثير الحروب الحديثة تحديات مختلفة فيما يتعلق بتطبيق قواعد القانون الدولي الإنساني، خصوصاً من حيث التزام المجموعات المسلحة غير النظامية باحترام وتطبيق تلك القواعد، فعلى سبيل المثال جماعات مثل داعش والحوثيين تعلن أنها غير ملتزمة بقوانين الحرب الدولية المتعارف عليها، ومن ثم هي لا تخضع لأحكامها، بل تمادى بها الأمر لانتهاك تلك القوانين مراراً وتكراراً، من خلال قيامها بأعمال وحشية من قتل وترهيب وترويع للمواطنين العزل والزج بالأطفال في دائرة الصراع، مستغلةً عدم قدرة الجيوش النظامية على الرد بالمثل نتيجة لالتزامها الكامل بالقوانين الدولية الإنسانية للحرب».

%80

قال الدكتور دايفيد بيتز إن السبب في ارتفاع سقف المخاوف من التنظيمات الإرهابية يعود إلى التطور التكنولوجي الذي يشهده العالم، حيث أصبح بإمكان تلك التنظيمات نشر فكرها المتطرف وإيصاله إلى جميع أنحاء العالم بضغطة زر واحد، موضحاً أن التقنية ودورها في نشر الفكر المتطرف شكّلا 80% من خطر تلك التنظيمات الإرهابية على المجتمع، فيما يشكّل خطرها العسكري 20%.

Email