لبى نداء الوطن للدفاع عن الحق والعدل ونصرة الأشقاء

حمود العامري.. حياة عسكرية توجت بالشهادة

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما جاء الخبر، بأن حمود بن علي صالح العامري، قد ارتقى شهيداً إلى وجه ربه، عم أرجاء منزل الأسرة صمت وهدوء، وما هي إلا لحظات كانت كافية كي يكون الخبر برداً وسلاماً لتؤكد الأسرة أن الله قد أكرمهم بشرف الشهادة، فهم يدركون معنى الشهادة ومنزلتها عند علي مقتدر.

وحدها وسط هذا الموقف والمشهد الرهيب كانت «وديمة» طفلة الشهيد ابنة السنوات الست، بثوبها المشجر، ذي الألوان الزاهية وخصلات شعر تناثرت تتدلى على استحياء، لم تكن تدرك ما جرى، وماذا حدث.

جالت بعينيها الصغيرتين تتفقد أفراد أسرتها فرداً فرداً، علها تجد جواباً، علها تعرف بفطرتها ماذا يجري، ذاك جدها الحاني على عصاه متكئاً عليها بأحمال ثمانين عاماً، وجدتها وأمها وعمومتها، جميعهم في حركة دؤوبة لم تعتد وديمة على مشاهدتها من قبل.

وسمعت كلمات لم تسمعها من قبل، فمفرداتها ومعارفها اللغوية، لا تكاد تتجاوز أحرف أبجديتها لغتها العربية الأولى، قفزت أمام الكاميرات وأمام الجميع، والبسمة تعلو محياها، وهي تردد بغلة طفولية، أنا فرحة باستشهاد أبي الذي أصبح في الجنة، أنا ابنة الشهيد، سوف أكون فخورة بذلك أمام أصحابي، كلمات فاجأت الجميع.

ولادة بطل

وفي تفاصيل الحكاية، التي باتت سفراً في كتاب الشهداء الخالدين، أنه وفي صبيحة يوم الخامس من شهر أغسطس للعام 1986، انطلقت سيارة العائلة من منطقة اليحر، في ضواحي مدينة العين باتجاه مشفى الواحة.

وهناك كان الموعد بإعلان ولادة حمود، ليحتل الترتيب الرابع بين إخوته، محمد «متوفى» وناصر، وأحمد، وحمود، ومسلم، ليعيش طفولة هادئة، مليئة بالنشاط والحيوية ويتابع تعليمه الابتدائي في مدرسة اليحر.

فيما أنهى الثانوية العامة في مدرسة شخبوط، ليلتحق بعدها في العام 2007 في كلية زايد العسكرية، ويتخرج فيها ضابطاً، كما أتم نصف دينه وهو في الكلية العسكرية، حيت تزوج، وأنجب طفليه، الكبرى وديمة والثاني محمد، ليكونا قرة عين والدهما، يحنو عليهما ويرسم لهما صورة مستقبل واعد ومشرق.

حيث كان يحرص على إسعادهما وتلبية رغباتهما، كما أنه يشهد له أنه كان باراً بوالديه، وحريصاً على متابعة طلباتهما وشؤونهما الصحية، وذهب معهما لأداء فريضة الحج، وكذلك حرصه على بناء مساكن الأسرة وتوفير متطلباتها ومتابعتها.

وقد استولت هواية تربية الإبل والمشاركة في سباقاتها على حيز كبير من اهتمامه. ولم يكتف حمود بالكلية العسكرية، ولأنه صاحب طموحات في حياته اليومية والعملية، أتم دراسته في كليات التقنية العليا أثناء خدمة العسكرية وتخرج فيها بتخصص موارد البشرية، ثم التحق بدورة تدريبية في الأردن عاد بعدها للوطن ليستكمل حياته العملية.

وعندما نادى المنادي لتلبية نداء الوطن، والمشاركة في صفوف القوات المسلحة في عاصفة الحزم، ضمن قوات التحالف إلى جانب الشقيقة المملكة العربية السعودية، للوقوف إلى جانب الأشقاء في اليمن، وإحقاق الحق وعودة الشريعة، لبى حمود نداء الواجب، وكان من أوائل المشاركين.

تلبية النداء

وبعد مرور قرابة الشهر على وجوده في اليمن، كان على اتصال شبه يومي بأسرته إلى أن جاءت الأخبار تنبئ عن وقوع تفجير مأساوي في مأرب، طال عدداً من أبناء الإمارات البواسل، تلقت العائلة خبر إصابته بجروح عبارة عن حروق في جسده، نقل على أثرها إلى مستشفى الرياض لتلقي العلاج، ونظراً لصعوبة الحالة تم نقله في يوم التاسع من سبتمبر إلى ألمانيا للعلاج هناك.

وكان بصحبته عدد من إخوته وابن عمه، حيث لازموه طيلة الفترة التي شهدت تحسناً ملحوظاً، إلا أنه وفي مساء يوم 29 أكتوبر تعرض لفيروس بالدم أدى إلى وفاته وارتقائه لوجه ربه شهيداً.

حيث تلقت الأسرة الخبر مؤمنة بقضاء الله وقدره، وإن ابنهم قضى شهيداً، وعلى الفور تم نقل الجثمان الطاهر إلى أرض الوطن، ملفوفاً بعلم الإمارات، رمز الانتماء الوطني، الذي ضحى بدمه، من أجل أن يبقى عالياً عزيزاً خفاقاً.

وكما كل الشهداء الخالدين، سجل اسم الشهيد حمود في سجل الشرف، بأحرف من نور، كي تبقى شاهدة على مر الزمان، أن وطناً روّي ثراه بالدم الطاهر، يستحق الحياة والبقاء شامخاً، كي ينعم أطفال بالأمن والأمان.

وفيما يروي شيبه وشبابه ملاحم البطولة والفداء التي تجسدت، وهذا ما كان بادياً على محيا والده ذي الثمانين عاماً، والذي وقف شامخاً منتصباً متكئاً على عصاه، يردد بهدوء وسكون وطمأنينة، الحمد لله الحمد لله، فيما قفزت طفلته وديمة وكأنها في ليلة العيد، فرحة وبشعور البراءة تردد أنا ابنة الشهيد الذي سوف يدخل الجنة.

وها هو يرقد راضياً مرضياً بعد أن روى الثرى الذي تفوح من بين ذرات ترابه رائحة دم الشهيد الزكية.

Email