اعتبر مجالس رمضان مدارس مفتوحة

أحمد العسم: الصيام يولد الإبداع الشعري

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

للمبدع خاصة صاحب الرؤية الأدبية قدرة استثنائية على التعمق في الفكرة، وفلسفة الموقف للوصول إلى حيثيات لا يستطيع الإنسان العادي التوصل لها، خاصة تلك التي يعتاد المرء على التعامل معها بصورة يومية، فنظرة الفنان العميقة للأمور تجعله يبحر في المعاني ليستخرج منها عبراً وفكراً يوثق للأجيال.

الشاعر والأديب أحمد العسم غاص في هذا البحر خلال اللقاء معه للتحدث عن ذكرياته وحياته خلال شهر رمضان الكريم، فشهر رمضان له وقع حميم على نفسه، يرتبط بالأحباب والأصدقاء والحبيب الأكبر والأوحد الخالق عز وجل وحبيبه المصطفى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فرمضان لدى العسم تراحم وتواصل مع الخالق والمخلوق في جمالية فلسفية يبدع في وصفها الشاعر العسم.

الجار العشرين

يقول أحمد إن رمضان لديه لا يرتبط بسابع جار فقط بل يتصل بالجار العشرين، فالمنطقة التي ولد وترعرع فيها فريج «هل ميان» والتي تتوسط فريج «العلي» وفريج «المحارة»، كانت مثالاً جميلاً لروعة الماضي تحت عنوان التراحم والتواصل، سفرة رمضان تتكون من عشرين طبقاً، وإن نقص طبق في إحدى الليالي الثلاثين من الشهر، استنفر أهل الحي كله ليعرفوا سبب القصور هل هو الفقر أو المرض، ويسدون النقص إن وجد لصاحب البيت.

عشق الثريد

ويؤكد العسم أن قصة عشقه لطبق «الثريد» لا تنتهي، فقد كان والده، رحمه الله، محباً لهذا الطبق بكل أنواعه، وكانت والدته، رحمها الله، تبدع في طبخه وتوزيعه على الجيران، وكان بدوره ينتظر طبق «البرياني بالسمك» التي تعده بتميز جارتهم من عائلة «المصلي» التي كانت تربطهم بها إضافة إلى أهالي المنطقة علاقات وثيقة، وكان لدى والدته أسلوب جميل تحبب من خلاله الأطفال في الصيام، عبر طبخ طبق اللقيمات صغيرة الحجم للأطفال الذين يصومون، تشجيعاً لهم وترغيباً لهم بهذه العبادة المهمة.

المجالس مدارس

وعن أهمية المجالس في شهر رمضان المبارك، يبين أبو محمد أن كل ما تعلمه كان مصدره المجالس التي يحرص والده على أخذه لها مع شقيقه إبراهيم، وكانت المجالس تعج بالروحانيات وقصص الأنبياء والشعر والفكر، إضافة إلى أنها مدارس مفتوحة لتعلم السنع والأخلاق الحميدة، فالنظام بها صارم، وكان والده يحرص أن يلقنه هذه الأخلاقيات ويحثه على احترام الكبير وتبجيله والسلام على الصغير والكبير، وتعلم التحدث وعدم مقاطعة المتكلم وعدم الثرثرة.

مبادرات دائمة

ومن هذا المنطلق حرص أحمد العسم على أن ينظم عبر اتحاد كتاب وأدباء الإمارات فعاليات ثابتة خلال شهر رمضان المبارك، تقوم على تجميع الشباب خلال شهر رمضان يومياً لزيارة مجلس من مجالس الشخصيات المعروفة في رأس الخيمة، وذلك إحياءً وتأكيداً على ضرورة التمسك بالعادات الحميدة من الماضي، وقد سجل الاتحاد زيارات مثمرة للعدد من الشخصيات الرائدة في رأس الخيمة أمثال صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، والشيخ طالب بن صقر القاسمي والشيخ محمد بن صقر القاسمي والمغفور له جمعة الطنيجي، ورجل الأعمال محمد عبد الكريم، علي الدباني ونجيب الشامسي وغيرهم الكثير.

الألعاب الشعبية

ويذكر أحمد أن من أجمل الأوقات التي يذكرها خلال شهر رمضان قديماً، كان اللعب مع الأصدقاء بالألعاب الشعبية القديمة مثل لعبة «الصوير» والتي تقوم على الركض السريع، ولعبة «الحلة» والتي تقوم على رسم دائرة كبيرة يركض الأطفال داخلها ويلقون بأحدهم خارجاً، وكان غالباً ما يكون هو الفائز في هذه اللعبة، حيث يتميز بقوته وسرعته الفائقة، كما أنه وفي رمضان تهيأ من قبل بعض الأهالي منطقة للعب كرة القدم وكرة الطائرة، تزود بمصابيح كي يتجمع الشباب فيها خلال الفترة المسائية، بعد الصلاة والتجمعات الدينية التي يؤمهم خلالها عدد من المطوعين القدامى أمثال عبد الله الوهابي وغيرهم.

عدوى الأدب

ويبين رئيس اتحاد كتاب وأدباء رأس الخيمة، أنه قد تأثر كثيراً في البدايات بالعادات الجميلة التي نمت فيه روح الموهبة مع الكثير من زملائه الذين أصبحوا رواداً في الإبداع خاصة الأدبي أمثال نجيب الشامسي، وحبيب غلوم، والفنان عبيد سرور، والوزير عبد الله الشرهان، فقد كان أهالي الحي يحاولون أن يهيئوا لنا فعاليات رغم بساطتها لكنها كانت تفرغ طاقاتنا وتشعل الإبداع فينا، حيث يوجهنا الشباب المثقف للقراءة والمطالعة.

رمضان اليوم

ويؤكد أحمد أن رمضان اليوم له جمالياته لتواصلها مع الماضي الذي يعيد نفسه، فزوجته أم محمد تسير على نهج والدته في التمسك بإعداد طبق الثريد الذي يصل يومياً إلى جيرانه القدامى رغم ابتعاد المسافات، كما أن تجمعاته مع أصدقائه وأهله ما زالت مستمرة، شاكراً ربه على نعمة الزوجة الطيبة والمتدينة التي تعتني به وبأبنائه وتحثهم دائماً على التواصل الإيجابي مع الآخر والصلاة والصيام ووصل الأرحام، فرمضان مع العائلة مليء بالروحانيات.

مواقف لا تنسى

من المواقف التي لا ينساها في حياته خلال شهر رمضان، يقول العسم إنه في صغره كانت والدته ترسله إلى خالته بصحن الطعام قبل الإفطار، إلا أن رائحة الطعام كانت تغريه، فيتوقف لتناول البعض من صحن خالته، وعند الوصول إلى منزل خالته، تفضحه رائحة فمه فتضحك خالته وتطلب من والدته أن ترسل الطعام مرة أخرى مع أخيه إبراهيم، مؤكداً أنه لا ينسى أبداً «العلقة الساخنة» التي استقبلته والدته فيها.

Email