الجــزء الـتـاسع عـشر

الإعراض عن القرآن عواقبه وخيمة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء من القـرآن الكريم، من الآيـة [21] من سورة الـفـرقـان، وحتى الآيـة [55] من سورة الـنـمـل، ومـمـا ورد فيـه:

(وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً) [الفرقان 30]:

إن الإعراض عن القرآن فقـط وليس هجـره، لـه عواقب وخيمـة في الدنيـا قبل الآخرة، ففي الدنيـا: (ومـن أظـلـم مـمـن ذكـر بآيات ربه فأعـرض عـنهـا ونسـي مـا قدمـت يداه إنا جـعـلـنا عـلـى قلـوبهـم أكـنة أن يفقهـوه وفي آذانهـم وقـراً وإن تدعـهـم إلـى الـهـدى فلـن يهـتدوا إذاً أبداً) [الكهف 57]، أما في الآخرة: (وآتيناك مـن لـدنا ذكـراً مـن أعـرض عـنه فإنه يحـمـل يوم الـقيامـة وزراً خـالـدين فيه سـاء لـهـم يوم الـقيـامـة حـمـلاً) [طـه 99]، وزراً: حمـلاً ثقـيلاً جـداً، ويجب هجر هذه الفئة: (فاعـرض عـن مـن تولـى عـن ذكـرنا ولـم يرد إلا الـحـياة الـدنيـا ذلـك مـبلـغـهـم مـن الـعـلـم إن ربك هـو أعـلـم بمـن ضـل عـن سـبيلـه وهـو أعـلـم بمـن اهـتدى)[النجم 29 / 30]، (ولا تطـع مـن أغـفلـنا قـلـبه عـن ذكـرنا واتبع هـواه وكـان أمـره فـرطـاً)[الكهف 28]، (وهـذا ذكـر مـبارك أنزلـناه فأنتـم لـه مـنـكـرون)[الأنبياء 50]، وقد أسـرفوا في تصديهم للنص القـرآني: (أفنضـرب عـنـكـم الـذكـر صـفحـاً أن كـنتم قومـاً مـسـرفين)[الزخرف 5]، وبالغوا في حربهم لأصحاب القرآن الكريم: (وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات تعرف في وجوه الذين كفروا المنكر يكادون يسطون بالذين يتلون عليهم آياتنا)[الحج 72]، يسـطـون: يبطشـون، (تلـك آيات اللـه نتلـوهـا عـلـيك بالـحـق فبأي حـديثٍ بعـد اللـه وآياته يؤمـنون)[الجاثية 6].

(أخــاه هـارون وزيراً)[الفرقان 35]:

الأوزار: هي الأثقال بشكل عام: (حـمـلـنا أوزاراً مـن زينة الـقوم)[طه 87]، (حـتى تضع الـحـرب أوزارهـا)[محمد 4]، ومنه الوزيـر الذي يساعد الحاكم في حمل عبء مسؤولية السلطة: (واجـعـل لـي وزيـراً مـن أهـلـي هـارون أخـي)[طه 25]، (وجـعـلـنـا مـعـه أخــاه هـارون وزيراً)[الفرقان 35]، (ووضـعـنـا عـنـك وزرك الـذي أنقض ظـهـرك)[الشرح 2]، والـوزر: هو الملجـأ: (يقول الإنسـان يومـئـذ أين الـمـفـر كـلا لا وزر)[القيامة 10].

(وأصـحـاب الـرس)[الفرقان 38]:

(كـذبت قـبلـهـم قـوم نوح وأصـحـاب الـرس وثـمـود وعـاد وفـرعـون وإخـوان لـوط وأصـحـاب الأيـكـة وقوم تبع كـل كـذب الـرسـل)[ق 12]، أصـحـاب الـرس: أصحاب البئر الذي يجمع فيه الماء، ولم يوضح القرآن المزيد عنهم.

(الـقرية الـتي أمـطـرت مـطـر الـسـوء)[الفرقان 40]:

هم قوم لوط الذين سـكنوا في قريـة [سـدوم] التي تقع حالياً تحت جنوب البحـر الميت بفلسـطين، وقد ابتكروا للمرة الأولى اللواطـة [نسبة لقـوم لـوط] وهي معاشـرة الذكور جنسياً دون الإناث: (ولـوطـاً إذ قال لـقـومـه أتأتون الـفـاحـشـة مـا سـبقـكـم بها مـن أحـد مــن الـعـالـمـين أئـنكـم لـتأتون الـرجـال شـهـوة مـن دون الـنسـاء بل أنتـم قـوم مـسـرفون)[الأعراف 81]، (ولـوطـا إذ قـال لـقـومـه إنكـم لـتأتون الـفـاحـشـة مـا سـبقـكـم بها أحـد مــن الـعـالـمـين إنكـم لـتأتون الـرجـال)[العنكبوت 28]، (أتأتون الـذكـران مـن الـعـالـمـين)[الشعراء 165]، ومارسوا اللواطة علناً في ناديهم: (وتأتون في ناديكـم الـمـنكـر)[العنكبوت 29]، لذلك أهلكهم الله بعقاب متميز في شدته وقسوته إذ قلب قريتهم رأساً على عقب: (والـمـؤتفـكـة أهـوى)[النجم 53]، الـمـؤتفـكـة: المنقلبة، وهي قرية سدوم، ثم أحرق الجثث بحجارة حارقة من السماء، وبعد ذلك غطى المنطقة بمياه شديدة الملوحة [البحر الميت]، وربما كان ذلك بسبب إصابتهم بأمراض معدية حتى بعد الوفاة، ولم تنفع شفاعة إبراهيم عليه السلام لهم، فقد عاشوا على زمن إبراهيم حوالي 1700 قبل الميلاد: (فـلـمـا ذهـب عـن إبراهـيم الـروع وجـاءته الـبشـرى يجـادلـنا في قـوم لـوط يا إبراهـيم أعـرض عـن هـذا إنـه قـد جـاء أمـر ربك وإنهـم آتيهـم عـذاب غـير مـردود ولـمـا جـاءت رسـلـنا لـوطـا سـيء بهـم وضـاق بهـم ذرعـاً وقال هـذا يوم عـصـيب وجـاءه قومـه يهـرعـون إلـيه ومـن قبل كـانوا يعـمـلـون الـسـيئـات قال يا قوم هـؤلاء بناتي هـن أطـهـر لـكـم فاتقوا اللـه ولا تخـزوني في ضـيفي ألـيس مـنـكـم رجـل رشـيد قالـوا لـقد عـلـمـت مـا لـنا في بناتك مـن حـق وإنـك لـتعـلـم مـا نريد قالـوا يا لـوط إنا رسـل ربك لـن يصـلـوا إلـيك فأسـر بأهـلـك بقـطـع مـن اللـيل ولا يلـتفـت مـنكـم أحـد إلا امـرأتك إنه مـصـيـبهـا مـا أصـابهـم إن مـوعـدهـم الـصـبح ألـيس الـصـبح بقـريب فـلـمـا جـاء أمـرنا جـعـلـنا عـالـيهـا سـافـلـهـا وأمـطـرنا عـلـيهـا حـجـارة مـن سـجـيل مـنضـود)[هود 74]، (قالـوا إنا أرسـلـنا إلـى قـوم مـجـرمـين لـنرسـل عـلـيهـم حـجـارة مـن طـين)[الذاريات 32 / 33]، (ولـمـا جـاءت رسـلـنا إبراهـيم بالـبشـرى قـالـوا إنـا مـهـلـكـو أهـل هـذه الـقـرية قال إن فيهـا لـوطـاً قالـوا نحـن أعـلـم بـمـن فيهـا لـننجـينـه وأهـلـه إلا امـرأته)[العنكبوت 31]، (فجـعـلـنا عـالـيهـا سـافـلـهـا وأمـطـرنا عـلـيهـم حـجـارة مـن سـجـيل)[الحجر 76]، (وأمـطـرنا عـلـيهـم مـطـراً فسـاء مـطـر الـمـنذرين)[الشعراء 173][النمل 58]، (الـقرية الـتي أمـطـرت مـطـر الـسـوء)[الفرقان 40].

(إلى ربـك كـيف مـد الـظـل)[الفرقان 45]:

عند الصـباح يتداخـل النهار مع الليل، ولا يزيحـه ليحل محله بشكل كامل، أما عند المساء فإن النهار ينسـلخ من الليل ليبقى الليل فقط بشكل كامل 100%، (وآيـة لـهـم اللـيل نسـلـخ مـنـه الـنهـار فـإذا هـم مـظـلـمـون)[يس 37]، وفي هذه الحالة يبدو الليل وكأنه يتبـع النهـار: (يغـشـي اللـيل الـنهـار يطـلـبه حـثيـثاً)[الأعراف 54]، لذلك: (ولا اللـيل ســابق الـنهـار)[يس 40]، فاللـيل يتبـع النهـار، ولا يسـبقه.

إذاً يوجد ليـل بشـكل كـامل ولا يوجد نهار بشكل كامل، فالنهـار يوجد فيه ليـل نسـبي: (واللـيل إذا يســر)[الفجر 4]، وهذا ما يسبب حدوث الـظل، فالظـل هـو ليـل نسـبي، أي: بالمفهوم الفيزيـائي، والذي كشـفه القرآن الكريم: ضـوء النهـار [بكل أطيافـه اللونيـة]، ما عـدا الأمواج الحمراء وما تحت الحمراء، وهي الأمواج المسؤولة عن حمل الحرارة، فقد قال تعالى: (ومـا يسـتوي الأعـمـى والـبـصـير ولا الـظـلـمـات والـنور ولا الـظـل ولا الـحـرور)[فاطر 19 / 21]، فنلاحظ بوضوح كيف قـارن الظل مع الحـرور، أي أن الظل ضده الحـرور، [فالظـل إذاً: هو ألوان طيف الشمس مـا عدا الأشـعة الحمراء والأشعة ما تحت الحمراء]: (أولـم يروا إلـى مـا خـلـق اللـه مـن شـيء يتفـيـئـوا ظـلالـه عـن الـيمـين والـشـمـائل)[النحل 48]، (واللـه جـعـل لـكـم مـمـا خـلـق ظـلالاً)[النحل 81]، فالظلال عمل إلهي مباشـر: (ألـم تـر إلـى ربـك كـيف مـد الـظـل ولـو شـاء لـجـعـلـه سـاكـناً ثـم جـعـلـنا الـشـمـس عـلـيه دلـيلاً ثم قـبضـناه إلـينا قبضـاً يـسـيراً)[الفرقان 45 / 46]، سـاكـناً: مهما تحـرك المصدر الضوئي، الـشـمـس عـلـيه دلـيلاً: فالشمس كاشـفة للظل وليست صانعة.

الحرب في الإسلام لدفع العدوان فقط

اللـغـو: الكـلام عديم الفائـدة

(وجاهدهم بـه جهـاداً كبيراً)[الفرقان 52]:

إن الجهاد الكبير في الإسلام هو: [جهـاد فكري]، قال تعالى عن القرآن الكريم: (وجاهدهم بـه جهـاداً كبيراً)[الفرقان 52]، أي جاهدهم بالقرآن وبالفكر والحوار جهاداً كبيراً، أما الحرب في الإسلام فهي حالة [استثنائية] لـدفع العدوان فقط، لذلك قال تعالى: (وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين)[البقرة 190]، نلاحظ أن الآية الكريمة بدأت بكلمة (قاتلوا) وليس [اقتلوا]، أي (قاتلوا) الذين يقاتلونكم فقط، ولا تعتدوا على أحد أبداً، لأن الله (لا يحب المعتدين) أياً كانوا، وقد أوضح سبحانه ذلك فقال: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله)[البقرة 194]، أما باقي الناس فيجب معاملتهم بكل احترام ومحبة لقوله تعالى: (لا ينهاكم الله عن الذين لـم يقاتلوكم في الدين ولـم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم)[الممتحنة 8]، وبذلك يوضح الإسلام أن أصل العلاقات مع الآخرين هي [السلم العادل] سواء على مستوى الأفراد أم على مستوى الشعوب والدول، وقد حذر القرآن الكريم عدم التقيد بالأوامر التي مرت في الآيات السابقة، فقال تعالى: (فإن زللتم من بعـد ما جاءكم البينات فاعلموا أن الله عزيز حكيم)[البقرة 209]، أي إذا زللتم عن هذه التعليمات بعدما أوضحناها لكم، فإن الله (عزيز) عنكم وليس بحاجة لكم، لأن هذه الأوامر فيها الحكمة والمنطق ويجب أن تطبق.

أما مـا يقال إنها [آية السيف] والتي هي قوله تعالى: (قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يـد وهم صـاغرون)[التوبة 29]، فنلاحظ أنها أيضاً بدأت بكلمة: (قاتلوا) أي قاتلوهم فقط إذا قاتلوكم وكانوا هم البادئين، وفي هذا المجال نجد الحديث الشريف: [أمـرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إلـه إلا الله ........]، فهذا الحديث وردت فيه كلمة [أقاتل] وليس [أقتل]، أي أقاتلهم إذا قاتلوني، وأرغمهم على الجزية، ولذلك فإن الرسول الكريم صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، لم يشـن أي حملة عسكرية على القبائل الكافرة المجاورة له، لأن الله قد أمره صراحة أن لا يكره أحداً على الإيمان: (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين)[يونس 99]، أي تكفي المشيئة الإلهية كي يؤمن كل الناس ولا داعي للمعارك من أجل ذلك، فالإرادة الإلهية تقضي أن يبقى الناس مختلفين في معتقداتهم، قال تعالى: (ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم)[هود 118]، إن الدين الإسلامي هو دين: [السلام عليكم]، وبهذا أمر الله المؤمنين: (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة)[البقرة 208].

(مـرج الـبحـرين هـذا عـذب فرات وهـذا مـلـح أجـاج)[الفرقان 53]:

البحـران: النهـر والبحـر: (مـرج الـبحـرين يلـتـقـيان بينهـمـا برزخ)[الرحمن 19]، (ومـا يسـتوي الـبحـران هـذا عـذب فرات ... وهـذا مـلـح أجـاج)[فاطر 12]، (وجـعـل بين الـبحـرين حـاجـزاً)[النمل61]، (وهـو الـذي مـرج الـبحـرين هـذا عـذب فرات وهـذا مـلـح أجـاج وجـعـل بينهـمـا برزخاً وحـجـراً مـحـجـوراً)[الفرقان 53]، عـذب فرات: مـاء النهـر، مـلـح أجـاج: مـاء البحـر المالح جـداً، برزخاً وحـجـراً مـحـجـوراً: حاجز يمنع الاختلاط وتغيير المواصفات.

(للـمـتـقين إمـامـاً)[الفرقان 74]:

لكي يصبح الإنسان إمامـاً للمتقـين: (وعـباد الـرحـمـن الـذين يمـشـون عـلـى الأرض هـوناً وإذا خـاطـبهـم الـجـاهـلـون قـالـوا سـلامـاً والـذين يبيتون لـربهـم سـجـداً وقـيامـاً والـذين يقـولـون ربـنا اصـرف عـنـا عـذاب جـهـنـم إن عذابها كان غراماً إنها ساءت مستقراً ومقاماً والـذين إذا أنفـقـوا لـم يسـرفوا ولـم يقـتروا وكان بين ذلك قواماً والـذين لا يدعـون مـع اللـه إلهـاً آخـر ولا يقـتـلـون الـنفـس الـتي حـرم اللـه إلا بالـحـق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً، يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً إلا من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسناتٍ وكان الله غفوراً رحيماً، ومن تاب وعمل صالحاً فإنه يتوب إلى الله متابا والـذين لا يشـهـدون الـزور وإذا مـروا باللـغـو مـروا كـرامـاً والـذين إذا ذكـروا بآيات ربهـم لـم يخـروا عـلـيهـا صـمـاً وعـمـياناً والـذين يقولـون ربنا هـب لـنا مـن أزواجـنا وذرياتنا قـرة أعـينٍ واجـعـلـنا للـمـتـقين إمـامـاً)[الفرقان 63 / 74]، هذه شروط [إمـام المتقـين]، باللـغـو: الكـلام عديم الفائـدة، لـم يخـروا: بالسجود في الصلاة، أي يفهمون معنى الآيات التي يقولونها في صلاتهم.

والتقـوى هي درجة عليـا في الطاعـة والتقرب إلى اللـه، لذلك أمـر رسـوله الكريم بها: (يا أيهـا الـنبي اتق اللـه)[الأحزاب 1]، فنفذ صلى الله عليه وسلم الأمر، فأصبح الأتقى [صيغة المبالغة من التقي]: (الأتقى الـذي يؤتـى مالـه يتزكـى وما لأحـد عـنده مـن نعـمـة تجـزى إلا ابتغـاء وجـه ربه الأعـلـى ولـسـوف يرضـى)[الليل 17 / 21]، فحصل بحق على هـذه الميزة: (ولـسـوف يعـطـيـك ربك فترضـى)[الضحى 4]، وحصل بحق على الوسـيلة [المقام المحمود].

 

كـل هـذا واللـه أعلـم.

Email