الجزء الـسادس عـشر

" تَسْطِـعْ".. تدل على القِلَّة والاستحالة

6666_38

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبـدأ هـذا الجـزء منَ القرآن الكريم، منْ الآيـة [ 75 ] من سورة الكهـف، وحتى الآيـة [ 135 ] من سورة طـه، ومـمّـا ورَد فيـه :

( تَسْـتَطِـيعَ، تَسْـطِـعْ )[ الكهف 72 / 82 ] :

تَسْتَطيعُ: بِوُجُودِ تـاء بَعْدَ حَرْفِ السينِ، تَدُلّ ُعلى كَثْرَةِ الأمور، تَسْطِعْ : بِدونِ تـاء بَعْدَ حَرْفِ السينِ، تدل على القِلَّةِ وَالاسْتحالَة، لأنّ زيادة المبنى في الكلمة يدلّ على زيادة المعنى، فَقَدْ قالَ العَبْدُ الصَالِحُ لمُوسـى عليه السلامُ في بِدَايَةِ لِقَائِهِمَا: ( إنَّكَ لَـنْ تَسْـتَطِـيعَ مَـعِـيَ صَـبْراً )[ الكهف 67 ]، فَهُوَ لَدَيْهِ أُمُـورٌ كَثيرَةٌ وَصَعْبَةٌ عَلى مُوسى، وَكَذَلِكَ قالَ لَـهُ في المَرَّةِ الثَانِيَةِ: ( أَلَـمْ أَقُلْ إنَّكَ لَـنْ تَسْـتَطِـيعَ مَـعِـيَ صَـبْراً )[ الكهف 72 ]، أمَّا في المَـرَّةِ الثَالِثَةِ فَقَالَ :

 ( أَلَـمْ أَقُـلْ لَـكَ إنَّكَ لَـنْ تَسْـتَطِـيعَ مَعِـيَ صَـبْراً )[ الكهف 75 ]، وَحينَمَـا لَمْ يَصْبِرْ مُوسى عَلى ثَلاَثة أُمُورٍ فَقَطْ، قالَ لَـهُ العَبْدُ الصَالِحُ، وَبَعْدَ أنْ شَرَحَ لَهُ مُبَرِّراتُ أعْمالِهِ : ( ذَلِـكَ تَأْويلُ مَـا لَـمْ تَسْـطِـعْ عَـلـيْهِ صَـبْراً )[ الكهف 82 ]، وَفي سُورَةِ الكَهْفِ أيْضَاً عَنْ سَدِّ ذِي القَرْنَيْنِ: ( فَمَـا اسْـطَـاعُـوا أنْ يَظْـهَـروهُ وَمَـا اسْـتَطَـاعُـوا لَـهُ نَقْبَاً )[ الكهف 97 ]، يَظْـهَـروهُ: يَصْعَدوا على ظَهْرِ السَدِّ، وَالصُعُودُ أسْهَلُ مِنْ نَقْبِهِ، بينمـا قال:

وَمَـا اسْـتَطَـاعُـوا لَـهُ نَقْبَاً، وهو أصعب من الصعود على ظهره لذلك أضاف حرف التاء بعد حرف السين، وَعَنْ صَاحِبِ الجَنَّةِ الأَرْضِيَّةِ: ( أوْ يُصْـبِحَ مَـاؤُهَـا غَـوْراً فَـلَـنْ تَسْـتَطِـيعَ لَـهُ طَـلَـبَاً )[ الكهف 41 ]، تَسْـتَطِـيعَ: بِوُجُودِ تـاء بَعْدَ حَرْفِ السينِ، وَتَدُلّ ُعلى الاسْتِـحَالَةِ، وَكَذَلِكَ: ( فَإنْ كَـانَ الـذي عَـلَـيْهِ الـحَـقُّ سَـفيهَـاً أوْ ضَـعِـيفَاً أوْ لاَ يَسْـتَطِـيعُ أنْ يُمِـلَّ فَلْـيُمْـلِلْ وَلِـيُّهُ )[ البقرة 282 ] .

( يَسْـأَلُـونَكَ عَـنْ ذِي الـقَرْنَيْنِ )[ الكهف 83 ] :

كَانَ السائلون عن [ ذي القرنين ] يَنْقُصُهُمْ الكَثِيْرُ مِنَ المَعْلُومَاتِ عَنْهُ، فَأرادُوا مِنْ سُؤالِهِمْ هَذَا اسْتِكْمالَ تِلْكَ المَعْلُومَاتِ، لَكِنَّ القُرْآنَ الكَرِيْمَ أبى إعْطاءَهُمْ كُلَّ المَعْلُومَاتِ، بَلْ أعْطاهُمْ جِزْءَاً مِنْهَا : ( مِنْهُ ذِكْراً ) وَليْسَ الكُلَّ، خَاصَّةً أنَّ الرَجُلَ كَانَ عادِلاً وَلَمْ يُدَلِّلهم كَثِيْراً كَمَا يَدَّعُونَ: ( وَيَسْـأَلُـونَكَ عَـنْ ذِي الـقَرْنَيْنِ قُلْ سَـأَتْلُـو عَـلَـيْكُـمْ مِـنْهُ ذِكْـراً إنّا مَـكَّـنَّا لَـهُ في الأرْضِ وَآتَيْناهُ مِـنْ كُـلِّ شَـيْءٍ سَـبَباً فَأتْبَعَ سَـبَبَاً )[ الكهف 83 / 85 ]، فَعْنْدَما وَصَلَ إلى مَديْنَةِ [ بـابِلْ ]، عَلى مَشَارِفِ مُسْتَنْقَعَاتِ [ الأهْـوارِ ] في العِراقِ عِنْدَ شَـطِّ العَرَبِ :

( حَـتّى إذَا بَلَـغَ مَـغْـرِبَ الـشَـمْـسِ وَجَـدَهَـا تَغْـرُبُ في عَـيْنٍ حَـمِـئَـةٍ وَوَجَـدَ عِـنْدَهَـا قَوْمَـاً قُلْـنَا يَا ذَا الـقَرْنَيْنِ إمَّـا أنْ تُعَـذِّبَ وَإمَّـا أنْ تَتَّخِـذَ فِيْهِـمْ حُـسْـنَاً قَالَ أمَّـا مَـنْ ظَـلَـمَ فَإنَّا نُعَـذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إلـى رَبِّهِ فَيُعَـذِّبُهُ عَـذَابَاً نُـكْـراً وَأمَّـا مَـنْ آمَـنَ وَعَـمِـلَ صَـالِـحَـاً فَلَـهُ جَـزَاءً الـحُـسْـنى )[ الكهف 86 ]، حَـمِـئَـةٍ: الحَمـأُ هُوَ نَوْعُ الطَمي عَلى ضِفافِ الأنْهارِ وَمُسْتَنْقَعَاتِهَا، مِثْلَ مُسْتَنْقَعاتِ [ الأهْوارِ ] عِنْدَ الْتِقاءِ نَهْرَيْ دِجْلَةَ وَالفُراتِ في العِراقِ، وَجَـدَ عِـنْدَهَـا قَوْمَـاً: جَاءَتْ بِصِيْغَةِ النَكِرَةِ، لأنَّهُمُ منَ القَوْمُ السَائِليْن، عَـذَابَاً نُـكْـراً: يَسْتَغْرِبُهُ أهْلُ جَهَنَّمَ.

( وَإنّي خِـفْتُ الـمَـوالِـيَ مِـنْ وَرائِي )[ مَريَم 5 ]:

هُمُ [ الأسِـيْنيُّون ] الذيْنَ كانُوا أتْقِياءً وَذَوي أخْلاقٍ عَالِيَة، وَكانُوا يَسْكُنُونَ في أمَاكِنَ مَعْزولَةٍ، وَكانَ رَئِيْسُهُمْ [ زَكَريّا عليه السلام ]، وَحِيْنَمَا بَلَغَ الكِبَرَ خَافَ عَلى هَذِهِ المَجْمُوعَةِ مِنَ الضَيَاعِ، فَطَلَبَ مِنَ اللّهِ وَلَدَاً ذَكَراً يَخْلفُهُ عَلى رِئَاسَةِ هَؤلاَءِ المَوالي، فَرَزَقَهُ اللّهُ يَحْيى عليه السلام: ( ذِكْـرُ رَحْـمَـة ِ رَبِّـكَ عَـبْدَهُ زَكَـرِيّا إِذْ نَادى رَبَّـهُ نِدَاءً خَـفِيّاً قَالَ رَبِّ إنّي وَهَـنَ الـعَـظْـمُ مِـنّي وَاشْـتَعَـلَ الـرَأسُ شَـيْباً وَلَـمْ أكُـنْ بِدُعَـائِـكَ رَبِّ شَـقِيّاً وَكَـانَتِ امْـرَأتي عَـاقِراً فَهَـبْ لـي مِـنْ لَـدُنْكَ وَلِـيّاً يَرِثُني وَيَرِثُ مِـنْ آلِ يَعْـقُوبَ ... يَا زَكَـرِيّا إنّا نُبَشِّـرُكَ بِغُـلامٍ اسْـمُهُ يَحْـيى )[ مَريَم 2 / 7 ]، وَقَدْ قَتَلَ شَلُومُ زَكَريّا لِيَحْكُمَ مَكَانَهُ عَلى الأسِيْنيّينَ، وَمَقامُ زَكَرِيّا في المسجد الأموي في مدينة حَلَبْ بسوريا.

( عَصِـيّاً، شَـقِيّاً )[ مريم 14 / 32]:

نُلاَحِظُ في يَحْيَى عليه السلام قال تعالى: ( وَلَـمْ يَكُـنْ جَـبَّارَاً عَـصِـيّاً )[ مريم 14 ]، عَـصِـيّاً: عِنْدَ وُجُودِ الأبِ يَكُونُ الوَلَدُ عَصِيّاً لأوامِرِ وَالِده، بَيْنَمَا في قَوْلِ عِيسى عليه السلام : ( وَلَـمْ يَجْـعَـلْـني جَـبَّارَاً شَـقِيّاً )[ مريم 32 ]، شَـقِيّاً: عِنْدَ عَدَمِ وُجُودِ الأبِ يَكُونُ الوَلَدُ شَقيّاً، وهذا دليلٌ لغويٌ مذهل أنّ عيسى عليه السلام ليس لـه أب.

( يَا أُخْــتَ هَـارونَ )[ مـريَم 28 ] :

إنّ أسـرة عمـران كانت مؤلفة من ثلاثة أولاد هُـم: [ هارون + مـرْيَم + إليزابيت ] وهـارون أخو مـريم، يختلف عن هارون أخي موسى عليهم السلام، وقـد انجبت مريم عيسى عليهمـا السلام بدون أب، بينمـا تزوّجت إليزابيت بزكـريّا وأنجبـا النبي يحيى، لذلك فإنّ عيسى ويحيى أولاد خالة، عليهم السلام جميعاً : ( يَا أُخْــتَ هَـارونَ مَـا كَـانَ أبوكِ امْـرَأَ سَـوْءٍ وَمَـا كَـانَتْ أُمُّـكِ بَغِـيَّـاً )[ مـريَم 28 ] .

( أَراغِـبٌ أَنْتَ عَـنْ آلِـهَـتي يَا إبْراهِـيْمُ )[ مريم 46 ] :

رَغِبَ عَنْ: رفَضَ وامْتَنَـعَ، رَغِبَ بِـ: قَبِـلَ وَأرادَ: ( وَمَـنْ يَرْغَـبُ عَـنْ مِـلَّـةِ إبْراهِـيْمَ إلاّ مَـنْ سَـفِهَ نَفْسَـهُ )[ البقرة 130]، ( قَالَ أَراغِـبٌ أَنْتَ عَـنْ آلِـهَـتي يَا إبْراهِـيْمُ ) [ مريم 46 ]، ( أَنْ يَتَخَـلَّفُـوا عَـنْ رَسُـولِ اللّـهِ وَلاَ يَرْغَـبُوا بِأَنْفُسِـهِـمْ عَـنْ نَفْسِـهِ )[ التوبة 120 ]، وَالرَغْبَـةُ: بِمَعْنى القَبُولِ وَالرِضَى: ( وَيَدْعُـونَنَا رَغَـبَاً وَرَهَـبَاً وَكَـانُوا لَـنَا خَاشِـعِـيْن )[ الأنبياء 90 ]، ( وَإلى رَبِّكَ فَارْغَـبْ )[ الشرح 8 ]، ( وَتَرغَـبُونَ أَنْ تَنْكِحُـوهُـنَّ) [ النساء 127 ]، ( إنَّا إلـى رَبِّنَا رَاغِـبُون )[ القلم 32 ]، ( إنَّا إلى اللّهِ رَاغِـبُون )[ التوبة 59 ].

(واصْـطَـبرْ لـعبادته)[مـريَم 65]:

( يَا أَيُّهَـا الـذينَ آمَـنوا اصْـبِروا وَصَـابِروا وَرابِطُـوا )[ آل عمران 200 ]

مَراتِبُ الصَبْرِ هيَ :

1_ التَصَبُّـرُ: وَهُوَ الصَبْر بِتَكَلُّفٍ، وَهُوَ أدْنى المراتِبِ .

2_ الصَبْـرُ: وَهُوَ الصَبْرُ دونَ مَلَلٍ، وَهُوَ الحَالَةُ الوُسْطى .

3_ الصَبْرُ الجميلُ: وَهُوَ السِمَةُ الأسَاسيَّةُ للشَخْصِ، كَصَبْرِ يَعْقُوب : ( فَصَـبْرٌ جَـمِـيْلٌ)[ يوسف 18 ] .

وَالصَبْرُ شَرْطٌ أَسَاسيٌّ لِدُخُولِ الجَنَّةِ: ( وَمَـا يُلَـقَّـاهَـا إلاَّ الـذينَ صَـبَروا وَمَـا يُلَـقَّـاهَـا إلاَّ ذُو حَـظٍّ عَـظِـيمٍ )[ فصلت 35 ]، ( وَمَـا يُلَـقَّـاهَـا إلاَّ الـصَـابرونَ )[القصص 80 ] .

(تَؤُزُّهُـمْ أَزَّاً )[ مريم 83]:

الأَزّ: هُوَ التَحْريضُ بِإصْـرارٍ عَلى الكُفْرِ، وَالاسْـِتمْرارِ بِهِ، عِقابَـاً مِنَ اللّهِ لِلكَافرينَ: (أَنَّا أَرْسَـلْـنَا الـشَـيَاطِـينَ عَـلـى الـكَـافِرينَ تَؤُزُّهُـمْ أَزَّاً)[ مريم 83 ]، تَؤُزُّهُـمْ: تُحَرِّضُهُمْ، أَزَّاً: تَحْريضَاً.

أحْـصَـاهُـمْ: عرِف كل شـيء عنهم بكل دقة

(أحْـصَـاهُـمْ وَعَـدَّهُـمْ عَـدَّاً )[مريم 64 ] :

إنَّ الإحْصَاءَ هُوَ: العَدُّ مِنْ أجْلِ هَدَفٍ مُعَيَّنٍ مَعَ المَعْلومَاتِ الدقيقة عَنِ المَعْدودِ، كَأنْ نحصي المُهَنْدِسينَ مِنْ أجْلِ مَعْرِفَةِ الاخْتِصَاصَاتِ لِكُلٍّ مِنْهُمْ وَمَعْرِفَةِ النَقْصِ في كُلِّ اخْتِصَاصٍ، أمَّا العَـدّ: فَهُوَ الحُصُولُ عَلى العَدَدِ بِشَكْلٍ مُجَرَّدٍ فَقَطْ: ( وَإنْ تَعُـدُّوا نِعْـمَـةَ اللّـهِ لاَ تُحْـصُـوهَـا)[ إبراهيم 34 ]، تَعُـدُّوا نِعْـمَـةَ اللّـهِ: فوائِدَ كُلَّ نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللّهِ، لاَ تُحْـصُـوهَـا: لَنْ تَعْرِفوا الغاياتِ مِنْ هَذِهِ النِعْمَةِ، ( لَـقَدْ أحْـصَـاهُـمْ وَعَـدَّهُـمْ عَـدَّاً )[ مريم 64 ]، أحْـصَـاهُـمْ: عَرِفَ كُلَّ شَـيْءٍ عَنْهُمْ بِكُلِّ دِقَّـةٍ، عَـدَّهُـمْ عَـدَّاً: عَرِفَ عَدَدَهُمْ أيْضَـاً بِكُلَّ دِقَّـةٍ، ( وَأحْـصَـى كُـلَّ شَـيْءٍ عَـدَدَاً )[ الجن 28 ]، ( وَكُـلَّ شَـيْءٍ أحْـصَـيْنَاهُ كِـتَابَاً ) [ النبأ 29 ]، كِـتَابَاً :

 في إمامٍ مبين: ( وَكُـلَّ شَـيْءٍ أحْـصَـيْنَاه ُفي إمَـامٍ مُـبينٍ )[ يس 12 ]، لِذَلِكَ : ( وَيَقُولُـونَ يَا وَيْلَـتَنَا مَالِ هَـذَا الـكِـتَابِ لاَ يُغَادِرُ صَـغِـيرَةً وَلاَ كَـبيرَةٍ إلاَّ أَحْصَاهَا) [ الكهف 49 ]، وَلِذَلِكَ: ( إذَا طَـلَّـقْـتُمُ الـنِسَـاءَ فَطَـلِّـقُـوهُـنَّ لِـعِـدَّتِهِـنَّ وَأحْـصُـوا الـعِـدَّةَ ) [ الطلاق 1 ]، أحْـصُـوا الـعِـدَّةَ: فالعِدَّةُ ليْسَتْ عَدَدَ أيَّامٍ فقط، فَيَجِبُ مَعْرِفَةُ الغَايَةِ مِنَ العِدَّةِ [ إحصَاءَهَا ]، وَهيَ إمْكَانِيَّةُ الرُجُوعِ عَنِ الطَلاَقِ، ( يَوْمَ يَبْعَـثُهُـمُ اللّـهُ جَـمِـيعَـاً فَيُنَبِّئُـهُـمْ بِمَـا عَـمِـلُـوا أحْـصَـاهُ اللّـهُ وَنَسُوهُ )[ المجادلة 6 ] .

(الوادي الـمُـقَـدَّسِ طُـوى)[طـه 12] :

طـوى: هُوَ اسم الوادي الذي تَمَّ فيهِ نِـدَاءُ مُوسَى مِنَ الخَالِقِ تَعالى: ( وَهَـلْ أتَاكَ حَـديْثُ مُـوسَـى إذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بالـوادِ الـمُـقَدَّسِ طُـوىً )[ النازعات 15 / 16 ]، نَادَاهُ: النِـداءُ هُوَ الحَديثُ عَنْ بُعْـدٍ، ولَيْسَ اهْتِزاز طَبْلَةِ الأُذُنِ مُباشَرَةً، وَكَلاَمَـهُ مَعَهُ: ( وَكَـلَّـمَ اللّـهُ مُـوسَـى تَكْـلِـيمَـاً )[ النساء 164 ]، وَكَانَتِ النَـارُ التي رآهَا مُوسى تَخْرُجُ مِنَ الشَجَرَةِ المُبارَكَةِ المُوْجُودَةِ عَلى شَاطِئ الوادي الأَيْمَنِ : ( فَلَـمَّـا أتَاهَـا نُودِيَ مِـنْ شَـاطِـئ الـوادِ الأَيْمَـنِ فـي الـبُقْعَـةِ الـمُـبَارَكَـةِ مِـنَ الـشَـجَـرَةِ )[ القصص 30 ]، ( فَلَـمَّـا جَـاءَهَـا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَـنْ فِـي الـنَارِ وَمَـنْ حَـوْلَـهَـا )[ النمل 8 ]، وَالوادي واقِعٌ في الجِهَةِ الغَرْبِيَّةِ مِنْ جَبَلِ الطُورِ :

( وَنادَيْنَاهُ مِـنْ جَـانِبِ الـطُـورِ الأيْمَـنِ )[ مريم 52 ]، ( وَمَـا كُـنْتَ بِجَـانِبِ الـغَـرْبِيِّ إذْ قَضَـيْنَا إلـى مُـوسَـى الأَمْـرَ )[ القصص 44 ]، وَتَمَّ تَكْليفُ مُوسى بالرِسَـالَةِ إلى فِرْعَـون، بَعْدَ أنْ اخْتَارَ اللّهُ هَذَا التَوْقِيْتَ وَهَذَا المَكَانَ بالذَاتِ: ( فَلَـبِثْتَ سِـنينَ فـي أَهْـلِ مَـدْيَنَ ثُمَّ جِـئْـتَ عَـلـى قَدَرٍ يَا مُـوسَـى )[ طـه 40 ]، وَتَمَّ إعْطَاؤهُ تَعْليمَاتِ الرِسَالَةِ مِنَ اللّهِ مُباشَرَةً: ( فَلَـمَّـا أتَاهَـا نُودِيَ يَا مُـوسَـى إنِّي أنَا رَبُّكَ فاخْـلَـعْ نَعْـلَـيْكَ إنَّكَ بِالـوادِ الـمُـقَدَّسِ طُـوى وَأنَا اخْـتَرْتُكَ فَاسْتَمِـعْ لِـمَـا يُوحَـى إنَّني أنَا اللّـهُ لاَ إلَـهَ إلاَّ أنَا فَاعْـبُدْني وَأقِمِ الـصَـلاَةَ لِـذِكْـري إنَّ الـسَـاعَـةَ آتِيَةٌ )[ طه 11 ]، إنَّني أنَا اللّـهُ : إشَارَةً للعَقَائِدِ العَقْـليَّةِ، فَاعْـبُدْني: إشَارَةً للعَقَائِدِ الفرْعيَّة، إنَّ الـسَـاعَـةَ آتِيَةٌ :

إشَارَةً للعَقَائِدِ السمعيّة، وَهَذَا مُجْمَلُ الدينِ، ثُمَّ كَلَّفَهُ بالرِسَـالَةِ: ( اِذْهَـبْ إلـى فِـرْعَـوْنَ إنَّهُ طَـغَـى ) [ طه 24 ][ النازعات 17 ]، ( وَإذْ نَادى رَبُّكَ مُـوسـى أَنِ اِئْـتِ الـقَـوْمَ الـظَـالِـمِـينَ قَـوْمَ فِرْعَـوْنَ ألاَ يَتَّقُونَ )[ الشعراء 10 ]، فَطَلَبَ مُوسَى عَدَدَاً مِنَ الطَلَباتِ: ( قَالَ رَبِّ اشْـرَحْ لِـي صَـدْري وَيَسِّـرْ لـي أَمْـري وَاحْـلُـلْ عُـقْـدَةً مِـنْ لِـسَـاني يَفْقَهُـوا قَوْلـي وَاجـعَـلْ لـي وَزيراً مِـنْ أَهْـلـي هَـارونَ أخَي اُشْـدُدْ بِهِ أَزْري وَأَشْـرِكْـهُ فـي أَمْـري )[ طه 25 / 32 ]، ( وَأخِي هَـارونَ هُـوَ أَفْصَـحُ مِـنّي لِـسَـانَاً فَأرْسِـلْـهُ مَـعِـي رِدْءاً )[ القصص 34 ]، رِدْءاً :

مُؤازرةً وَمَشَاركَةً بالرسَالَةِ، ( وَيَضِـيقُ صَـدْري وَلاَ يَنْطَـلِـقُ لِـسَـاني فَأرْسِـلْ إلـى هَـارونَ )[ الشعراء 13 ]، فَأجَابَ اللّهُ جَميعَ طَلَباتِ مُوسى: ( قَالَ قَدْ أُوتِيْتَ سُـؤْلَـكَ يَا مُـوسَـى )[ طه 36 ]، ( قَال سَـنَشُـدُّ عَـضُـدَكَ بِأخِـيكَ )[ القصص 35 ]، عَـضُـدَكَ: عَضَلَةُ العَضُدِ هيَ عَضَلَةُ أعْلى الذِراعِ وَفيهَا القُوَّةُ، ( وَجَـعَـلْـنَا مَـعَـهُ أخَـاهُ هَـارونَ وَزيراً ) [ الفرقان 35 ]، وَهَكَذَا جَعَلَ مُوسى أَخَاهُ رَسُولاً، وَذُكِرَ هارون في القُرْآنِ / 20 / مَرَّةً، ( سَـلاَمُ عَـلـى مُـوسَـى وَهَـارونَ )[ الصافات 120 ].

 

كـل هـذا واللـه أعـلـم.

Email