السهر عادة مستحدثة تُثقل نهار الصائمين

ت + ت - الحجم الطبيعي

بحكم أن محيط عمله منفتح على جنسيات عدة، ويتعامل مع الأجانب باستمرار، يجد الشاب خالد النعيمي، صعوبة وحرجاً في الرد على استفسارات أصدقائه من غير المسلمين، عن حالة الركود والكسل وظروف العمل المخففة، أو كثرة الإجازات في رمضان، وسر هذا الخمول.

هذه الحالة لا يقبلها الشرع ولا يجيزها العرف أيضاً، ففي السابق يؤكد ابراهيم حسن، اختصاصي اجتماعي، أن السكان كانوا يعيشون ظروفاً أصعب بكثير، لكن يومهم كان مفعماً بالعمل منذ الصباح وحتى ما قبل الإفطار. السر من وجهة نظر إبراهيم أن الظروف المعيشية اختلفت، فالسهر أصبح القاسم السلبي المشترك في كل ما يلقيه على النفس من كسل وتعب وإرهاق، وهو ما أحدث الفارق كما يرى حسن.

أما من وجهة نظر الدكتور أحمد بن عبد العزيز الحداد كبير المفتين مدير إدارة الإفتاء في دبي، فإن شهر رمضان يدعو إلى العمل ويطرد الملل والكسل، فالتهاون في العمل في شهر الصوم يتنافى وتعاليم الإسلام، الذي أوجب على الأجير أن يؤدي ما عليه مما استؤجر لأجله على وجه الكمال والتمام، وإلا كان محاسباً على ذلك أمام الله تعالى..

ففي الحديث الصحيح المتفق عليه: «.. والخادم راع في مال سيده وهو مسؤول عن رعيته». والخادم اسم شامل لجميع الأُجَراء، وهم الذين يعملون مقابل أجر معلوم، فيشمل المدير والمدار، والضابط والجندي، والرجل والمرأة، لأن الجميع يستحقون أجراً على عمل معلوم، فإذا أدوا عملهم استحقوا الأجر الذي اتفقوا عليه، فإن لم يقوموا بعملهم ثم أخذوا الأجر سألهم الله تعالى عن ذلك المال: كيف استحلوه وهم لم يقوموا بمقتضاه.

وفي الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع... ومنها: وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه»، فيوم يقف العبد بين يدي ربه وقد وجه إليه هذا السؤال فلم تكن عنده إجابة شافية فكيف سيكون حاله؟ والله تعالى لا يظلم العباد أو يتركهم يتظالمون من غير مجازاة، بل يقتص لبعضهم من بعض، ويأخذ من الظالم الحق للمظلوم، لأن هذه من حقوق العباد التي بنيت على المشاحَّة. لذلك يجب على المسلم أن يراعي الله تعالى ويحاسب نفسه، ويحذر من يوم العرض على الله تعالى، فيؤدي الحق الذي عليه كما يحب أن يأخذ الحق الذي له، لا وكسل ولا شطط.

وقال الحداد إن الإسلام بنى العمل لدى الغير على قاعدتين، لا يصلح العمل إلا بهما، ولا يصلح وضع المجتمع إلا معهما، هما: القدرة على التنفيذ، والأمانة فيه، كما يشير إلى ذلك قول الحق سبحانه حكاية عن ابنة الرجل الصالح التي خاطبت أباها في شأن موسى عليه السلام قائلة: «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين».

وهو ما يشير إليه قوله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر في شأن الاستعمال في الإمارة: «يا أبا ذر إني أراك ضعيفاً وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها وأدى الذي عليه فيها». ومعلوم أن حمل الأمانة ثقيل، فيجب على من تصدى لها أن يبذل جهده في أدائها، وإلا كان ظالماً لنفسه لاسيما إذا جاء العباد الذين ظُلموا في تضييع حقوقهم، أو الاستخفاف بشؤونهم، وقد استؤجر أولئك الموظفون لقضاء مصالحهم، والنهوض بالمجتمع إلى أوج العلا.

شهر التوبة والإنابة

قال الدكتور أحمد الحداد: على المسلم أن يكون رقيباً لنفسه غير مفرط فيما استُرعي فيه، إلا ما عجز عن فعله وخرج عن قدرته وطاقته. لا سيما في هذا الشهر الكريم الذي هو شهر التوبة والإقبال على الله تعالى ومحاسبة النفس، والتخفف من حمل الأوزار، فإذا لم يقم العبد بواجبه فيه، فمتى إذاً يقوم؟ وإذا فرط في حق نفسه وحق مجتمعه فمتى يصلح؟!

وأضاف: إن هذا الشهر هو شهر المراقبة والإنابة إلى الله تعالى في كل أمر جليل أو حقير، حتى يخرج وقد حطت عنه الأوزار، وسمت النفوس إلى رحمة الملك الغفار، فإن لم يدرك ذلك في هذا الشهر، فهو بلا شك من الخاسرين. وقد أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «... ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له». ومن الذي لا يُغفر له؟ إنه ذلك الذي لا يبالي بواجباته، ولا ينتهي عن تقصيره وتفريطاته.

Email