المصريون والعيد.. البحث عن فرحة غائبة

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

يأتي عيد الفطر محملاً بأجواء الفرحة والسعادة على المسلمين في أنحاء العالم كافة، ولعل احتفال المصريين به هذا العام يحمل كثيراً من المظاهر ذات الطعم والنكهة المختلفة عن أي بلد آخر، فهو مناسبة يختلط فيها الموروث العقائدي مع التراث الوطني والتقاليد والعادات المتناقلة عبر الأجيال.. والسؤال الذي يفرض نفسه هل لعبت المتغيرات الاقتصادية دوراً في تراجع تلك الموروثات؟

البحث عن فرحة، ذلك هو حال المواطن في مصر، فبرغم أحزانه ومعاناته الاقتصادية، إلا أنه يرى في عيد الفطر نكهة ومذاقا خاصا، تحددها عادات عبر الزمن، فتزدان الشوارع بالمصابيح الكهربائية والزينات الملونة التي تجعلها تعيش كرنفالاً مبهجاً تتناثر فيه الفوانيس والمصابيح.

ومع انتصاف الشهر المبارك تعلن ربات البيوت حالة الطوارئ، استعدادا لاستقبال العيد،بحملة نظافة تطال كل شيء، السجاد، الستائر، الأرضيات والحوائط، فضلاً عن الثياب. وتنطلق الأسر لشراء الجديد من الثياب والأحذية والحقائب في ضوء الإمكانات المتاحة، ومن أبرز الأماكن الشعبية التي يتسوق فيها الناس منطقة العتبة ووسط البلد في قلب القاهرة التي تشهد ازدحاما رهيبا في مثل هذه المناسبات.

ليلة العيد

وفي ليلة العيد يسهر الجميع إلى الفجر، وقد رتبوا ثيابهم واطمأنوا على حاجاتهم، ويبدأ الأطفال في إخراج مدخراتهم الشخصية لإحصائها انتظارا لما سيضاف إليها من عيديات، وبعد الانتهاء من صلاة الفجر ينطلق الجميع إلى الساحات المفتوحة مثل ساحة مسجد مصطفى محمود بمنطقة المهندسين لأداء صلاة العيد، التي تحرص الأسرة المصرية كلها رجالاً ونساءً وأطفالاً على المشاركة فيها.

وما أن ينتهي الإمام من خطبة العيد حتى يقوم الجميع بمصافحة بعضهم البعض، وفرقعة الألعاب النارية، وتوزيع الهدايا على الأطفال، فضلاً عن «العيدية» التي لا تقتصر على الأطفال وحدهم، بل يحصل عليها بعض الكبار أيضا، فالمرأة المتزوجة يحرص أهلها عند زيارتها على إعطائها «العيدية» التي تشعرها بأنها لم تنفصل عن أسرتها الأصلية، كما ترتفع من معنوياتها لدى زوجها وأسرته.

وبعد الزيارات العائلية، تتباين احتفالات الأسرة بالعيد، فالبعض يحرص على زيارة المقابر لتذكر موتاهم، على الرغم من علمهم بعدم جواز ذلك يوم العيد، والبعض يذهبون إلى الحدائق والمدن الترفيهية والمتنزهات والشواطئ، وهناك من يفضلون السفر إلى مواطنهم الأصلية سواء في الصعيد أو الدلتا لجعل فرحة العيد فرحتين، فرحة العيد وفرحة لقاء الأهل والأسرة.. ويحرص معظم المصريين على أن يفطروا في أول أيام العيد بالأسماك المملحة، كالفسيخ أو الرنجة والملوحة.

الطريف أن توقف اتمام الزواج خلال شهر رمضان المبارك، يعوضه كثير من المصريين في يوم العيد، الذي يشهد آلاف الزيجات في مختلف المدن والقرى المصرية، حتى يرتبط الزواج في ذاكرتهم بالعيد المبارك.

الطقوس والغلاء

وحول طقوس استقبال عيد الفطر يقول خالد عبد الله 35 عاما: ارتبط قدوم العيد منذ صغري بعدد من العادات والطقوس والتي تكتمل بها فرحتي، وهي زيارة والدتي وقضاء اليوم معها، فقد تعودت أن أقضي أول يوم معها منذ تزوجت، فنجتمع أنا وأخواتي لتناول الكعك الذي أعدته بنفسها، ثم نتناول الرنجة والفسيخ ويلعب أبناؤنا جميعا معا بعدما يأخذون العيدية، ثم نختم اليوم بالخروج ليلاً للتنزه في الحدائق العامة.

 أما هناء حسن 31 عاما فتقول: تعودت منذ صغري أن تجتمع أسرتنا في النادي لتناول الكعك ثم الأسماك المملحة بعد صلاة العيد، لكن بصفة عامة، تراجعت هذه العادات كثيرا بفعل الأزمات الاقتصادية الطاحنة التي يعاني منها المواطنون في ظل حالة الغلاء الفاحش.

وتتابع: على الرغم من الأوضاع الصعبة فإننا نحرم أنفسنا من كل شيء من أجل أن يشعر أطفالنا ببهجة العيد؛ خاصة من خلال شراء الثياب الجديدة.

في الاتجاه ذاته، قالت سعاد أشرف 40 عاما: تعودت أن أخصص ميزانية لاستقبال العيد، تشمل شراء ملابس جديدة لأطفالي.

وأخيرا يؤكد أشرف سعد 47 عاما: للأسف الاحتفال بالعيد هذه الأيام لم يعد كما كان سابقا، في ظل الغلاء الشديد، فشراء الكعك ومستلزماته مكلف جدا، الأمر الذي لم تعد كل الأسر قادرة على شرائه، كذلك الملابس أصبحت باهظة الثمن، وبالتالي لم يعد بمقدور كثير من المواطنين شراء ثياب جديدة للعيد ولا إعداد أو شراء الكعك.

"الكعك".. طقوس لا تهزمها الظروف

لا عيد في مصر دون «كعك»، ومليون خناقة عائلية قد تحدث إن تقاعس الأزواج عن تلبية طلبات زوجاتهم بشرائه أو إعداده منزليا. ورغم الغلاء الذي يُعاني منه المواطنون؛ إلا أن غالبية الأسر تتمسك بالعادة المتوارثة عن الفراعنة والتي شهدت طفرة في عهد الحكم الفاطمي لمصر. وارتبطت بعيد الفطر، لذا تشرع الأسر في إعداد العديد من أنواع الكعك والبسكويت بنكهات وأشكال مختلفة، ويصبح مشهد الصواني والصاجات التي تجوب الشوارع نهارا وليلاً وهي ذاهبة للأفران أمرا مألوفا، وتشهد المخابز حالة من التزاحم؛ لخبز الكعك المعد منزليا.

وتجتمع النساء لتجهيز عشرات الكيلو غرامات لتجهيز المطلوب لأيام العيد، وحتى تتمكن كل ربة منزل من توزيع بعضه على أقاربها وجيرانها وأصدقائها كوسيلة للتباهي بمهارتها في إعداده. ومع الأزمات الاقتصادية وغلاء الأسعار، لجأت بعض الأسر لإعداد كميات قليلة من الكعك حفاظا على دلالته الرمزية وتعبيرا عن الفرحة بقدوم العيد. وكعك العيد من العادات المتوارثة منذ العصر الفرعوني..

وكان 53 نوعا من الحلويات تصنع في العصور الوسطى، وكان الخبازون يحسنون صنعه على البلاط الفرعوني بأشكال مختلفة، فمنه اللولبي والمستطيل والمخروطي والمستدير، ويصنع بالعسل الأبيض، وقد عثر على نحو 100 شكل منقوشة على مقبرة الوزير «خميرع» في الأسرة الثامنة عشرة بطيبة وكان يُطلق عليه «القرص».

طقوس متوارثة

وشهدت صناعة «الكعك» طفرة خاصة في ظل الحكم الفاطمي لمصر، حيث ظل وسيلة للتهادي والصدقات بعيد الفطر. ومع التطور، لجأ كثيرون إلى شرائه جاهزا، وتظل عادة إعداده بالمنزل طقسا مقدسا لدى البعض كجزء من التقاليد. وتقول الحاجة نعيمة: نشأت منذ صغري على لمة إعداد الكعك، لانها تشعرني بقدوم العيد، وكانت والدتي تجتمع مع نساء حارتنا وأقاربنا لإعداده ونقشه، وكنا نساعدهن بفرحة غامرة، وأتذكر الآن رائحة الكعك المخبوز التي تفوح من مخابز الحارات، ومازلت متمسكة بإعداده في المنزل كجزء من الشخصية المصرية الأصيلة.

ولا تتخيل هبة علي «25عاما» عيد الفطر دون كعك، «هو أول مظهر يشعرني بالعيد، واعتدت منذ صغري عليه للإفطار مع الشاي بالحليب بعد صلاة العيد مباشرة». ويرى سامي محمد «30عاما» رغم أن الكعك عنوان العيد بالنسبة لنا فللأسف الاحتفال به حاليا لم يعد مثل السابق، فالمقتدرون يشترون الكعك جاهزا، والفقراء يكتفون برؤيته في التليفزيون، أو أثناء مرورهم من أمام المحال.

 

Email