تفسير القرآن بالقرآن.. قاعدة العلماء الذهبية

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كثيراً ما تساءلت وأنا أقرأ في سورة النبأ قول الله تعالى «وجعلنا نومكم سباتا» ما السبب من ذكر النوم في هذه السورة؟ هل هو من باب تعداد النِّعم التي تفضل الله بها على عباده، أم هناك سبب آخر وراء ذكر النوم في هذه السورة. وكانت الإجابة عن هذا التساؤل في القاعدة الذهبية التي نصَّ عليها علماء التفسير، وهي تفسير القرآن بالقرآن.

موتة صغرى

فـرُحت أبحث عن السور التي ذكر فيها النوم في القرآن، فاكتشفت أنَّ النوم موتة صغرى، فالرَّوح تخرج من البدن ثم تعود فيه عند الاستيقاظ من النوم، قال تعالى «الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون» «الزمر: 42».

والمقصود من بيان هذه الحقيقة أن تكون دليلاً يقيس الإنسان عليه قدرته سبحانه وتعالى على البعث والنشور، قال تعالى «وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار ثم يبعثكم فيه ليقضى أجل مسمى ثمَّ إليه مرجعكم ثم ينبئكم بما كنتم تعملون» «الأنعام: 60».

ونلاحظ هنا أنه بعد ذِكر الموتة الصغرى وهي النوم والذي عبَّر الله عزَّ وجل عنه بالوفاة جاء التعبير عن الاستيقاظ من النوم بالبعث، وهكذا حتى يقضي الإنسان الأجل المسمى وهو الموتة الكبرى التي كتبها الله عزَّ وجل لكل واحد منَّا في هذه الدنيا، ثم ختمت الآية بقوله تعالى «ثمَّ إليه مرجعكم» أي إليه بعثكم بعد موتكم ليكون الحساب.

المعنى العظيم

ولو رجعنا إلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام لظهر لنا أنَّ النبي عليه الصلاة والسلام كان يستشعر هذا المعنى العظيم عند نومه، فعن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا أوى أحدكم إلى فراشه فلينفض فراشه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم يقول: باسمك ربِّ وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به الصالحين» «رواه البخاري».

كما جاء عن البراء –رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أخذ مضجعه قال «اللهم باسمك أحيا وباسمك أموت». وإذا استيقظ قال «الحمد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور» «رواه مسلم». وهذه الأحاديث تؤكد ما ذكرناه من ارتباط النوم بالبعث والنشور.

ومن هذا المنطلق فهمت علاقة قوله تعالى «وجعلنا نومكم سباتا» بسورة النبأ، تلك السورة التي تناولت في آياتها الأولى مسألة البعث والنشور، قال تعالى «عمَّ يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون»، والنبأ العظيم هو البعث والنشور، الذي أنكره كفار مكة، لذا جاءت الأدلة الكونية التي تدلُّ على قدرته سبحانه وتعالى على البعث والنشور، ومنها قوله تعالى «وجعلنا نومكم سباتاً».

القاعدة الذهبية

ولنؤكد ما ذهبنا إليه، نأخذ آية أخرى جاءت في السياق نفسه، وهي قوله تعالى «وخلقناكم أزواجاً»، واخترت هذه الآية لأنَّه قد يُظن الظان أنه لا علاقة لها بالبعث والنشور، ولو أعملنا القاعدة الذهبية، وهي (تفسير القرآن بالقرآن) لوجدنا الصلة بين المعنيين. وما علينا سوى البحث عن الآيات التي جاء فيها ذكر خلق الناس أزواجاً، أي من ذكر وأنثى..

ومنها قوله تعالى «أيحسب الانسان أن يترك سدى ألم يكن نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى» «القيامة 36-40» ثم ختمت الآية بذكر البعث والنشور، قال تعالى «أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى»، سبحانك فبلى.

وقد تكرر هذا المعنى في قوله تعالى «وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى» «النجم 43-46» قال سبحانه وتعالى بعدها «وأنَّ عليه النشأة الأخرى» «النجم: 47».

ومن هنا نعلم أنَّ المقصود من ذِكر الذكر والأنثى هو الإشارة إلى الماء المهين الذي خُلِق الإنسان منه، فالقادر على خلقه من ذلك، قادر على إعادة خلقه مرة أخرى، قال تعالى «فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب» «الطارق: 5-7» ثم قال تعالى بعدها «إنه على رجعه لقادر» «الطارق: 8».

ظواهر كونية

وهكذا لو تأملنا في بقية الآيات الكونية المذكورة في سورة النبأ، من قوله تعالى «ألم نجعل الأرض مهاداً» إلى قوله تعالى «وجنات ألفافاً» لوجدنا أنها ظواهر كونية فيها دلالة على قدرته سبحانه وتعالى على البعث والنشور. وما عليك أيها القارئ الكريم سوى إعمال القاعدة الذهبية التي نصَّ عليها علماء التفسير، وهي (تفسير القرآن بالقرآن).

Email