في مجلس عيسى السركال يسمو بحديث الروح

عمر عبد الكافي سرد قصصا ذات مغزى

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

استضاف مجلس عيسى بن ناصر بن عبد اللطيف السركال الشيخ عمر عبد الكافي في أجواء إيمانية عطرة تحدث خلالها عن أسرار العبادات والصفات العجيبة التي ورثناها عن آدم عليه السلام كما تناول فيها جملة من القصص الجاذبة حتى يستخلص منها الحضور العبر والعظات النافعة، وكعادته تميز أسلوبه بالفكاهة وجمال الأسلوب والعرض.

وبدأ الشيخ عمر عبد الكافي حديثه قائلا: أسرار العبادات في الإسلام عجيبة، والمسلم بفضل الله عزو جل يفرح بالنعمة الكبيرة التي حصل عليه دون أن يسأل رب العباد عنها أو منها أو فيها وهي نعمة الإسلام، وقد قال الشافعي رضي الله عنه "يا رب رزقتني الإسلام وأنا لم أسألك فاللهم ارزقني الجنة وأنا أسألك".

فنعمة الله سبحانه وتعالى في هذا الدين العظيم أن جمعنا على غير أرحام بيننا ولكن رب العباد من كرمه يعلم أن العبد ينسى، حيث ورث العبد عن أبيه آدم صفتين عجيبتين الأولى صفة النسيان والثانية صفة عدم استمرار العزيمة على مستوى واحد، فالعربي بطبيعته عفوي لا يحب التخطيط، وفوضوي لا يحب النظام، وتتسع عاطفته إلى عنان السماء في لحظة وتهبط إلى قاع المحيط في ربع لحظة، ولكن عندما ينضبط بالدين يصبح متوازنا، وقد جاء الإسلام ليعلمنا النظام.

وأضاف: عندما كنا صغارا كانوا يحفظوننا في صحيح البخاري ومسلم أشياء لا نعرفها، ومنها أن من رفع رأسه قبل الإمام مسخ الله وجهه يوم القيامة وجه حمار، والرسالة من ذلك أن المتأبي على النظام والرافض لرتابة الأمور وتنظيمها يخرج من حدود الإنسانية التي كرمها الله إلى حدود صفة لا يحبها أحد.

والأغرب من الخيال أننا رزقنا عقولا، ويجب ألا ننسى أن العقل هو الأمانة التي حملها ابن آدم، ورغم ذلك لا تحدث حوادث في العالم إلا بين إنسان عاقل وإنسان عاقل، وعلى سبيل المثال نسمع كثيرا عن اصطدام سيارات أو قطارات وجميعها يقودها إنسان، بينما لم نسمع قط في التاريخ القديم والحديث عن اصطدام حمارين، ورغم ذلك نحن نتدنى بعقولنا أننا لا نستخدمها ولا يستخدم الإنسان عقله إلا إذا فقه حقيقة هذا الدين.

واستطرد قائلا: ينظر المسلم أحيانا إلى الأمور على غير حقائقها، فالجميع في رمضان يواظب على صلاة التراويح وربما التهجد أيضا وكلاهما من النوافل ثم ينامون دون تأدية صلاة الفجر، وهم بذلك يقدمون النفل ويعطلون الفرض، والله عز وجل من كرمه جعل لنا هذه المواسم لشحن قلوبنا بالإيمان لأننا ابتلينا بالنسيان كصفة وراثية.

 

أسرار وقصص

القرآن 6236 آية، وآيات العبادات مثل الصلاة وصلة الأرحام والزكاة والحج والصيام والعمرة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعمل الصالحات وبر الوالدين، في هذا الكم الكبير تشكل 110 آية، ومضى قائلا: العبادات جزء وبقية القرآن 62 جزءا، فالعبادات بالنسبة للقرآن تمثل جزءا منه، وإذا اجتهدنا في هذا لجزء عطلنا 61 جزءا، ولهذا نجد مصليا يأخذ قطعة أرض ليست له، وآخر مرتش، وآخر لا يعطي أخواته البنات حصصهن من ميراث أبيهن، ومصليا تتمنى زوجته أن يزوره ملك الموت، وهي بذلك تكون قد فصلت بين النقاب والقرآن والتعامل وهو فصل بين الصلاة والعبادة وقراءة القرآن.

قالوا يا رسول الله إن فلانة صوامة قوامة متصدقة وتصنع كذا وكذا ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها، فقال عليه الصلاة والسلام: إذا هي من أهل النار.

وقد جاء أعرابي إلى المدينة، ترك ناقته خلف المسجد النبوي ودخل يصلي ولكن عندما خرج وجد أن أربعة من العبيد ذبحوا الناقة وبدؤوا بسلخها أمام المسجد، فراح يشتكي إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال للعبيد: عند من تعملون؟ فأجابوه: عند مطعم بن علي وهو أحد أغنياء المدينة، فسأل الأعرابي عن سعر ناقته، فأجابه الأعرابي: 100 درهم، فقال عمر لمطعم: ادفع له 200 درهم، فشعر مطعم بقهر وقال: يا أمير المؤمنين أنا ما أمرت ولا رضيت ولا ذبحت ولا سلخت فكيف أدفع له 200 درهم! فأجابه عمر: يا مطعم تشغلونهم ثم تجيعونهم والله لو سرقوا مرة أخرى لقطعت يدك أنت.

نظر عمر لجذر المشكلة وليس لفرعها، والفتاوى نفسها لا تتغير بتغير بالزمان والمكان والأحوال فقط بل بتغير فقه الواقع أيضا.

سأل شخص عبد الله بن عباس عن إذا ما كانت هناك توبة للقاتل، فقرأ ابن عباس وجهه جيدا ثم قال: ليس للقاتل توبة، فقال له الحاضرون: البارحة أفتيت لرجل أن للقاتل توبة فكيف تغير رأيك اليوم، فأجاب ابن عباس قائلا: سائل الأمس كان قد قتل فأفتح له باب التوبة، ونظرت في وجه هذا الرجل فرأيته مغضبا يريد أن يأخذ رخصة ليقتل بها، فقلت له القاتل ليس له توبة لأن الفتيا بعد الفعل غير الفتيا قبل الفعل.

كذلك أود أن أخبركم عن قصة أبو اليزيد أحد علماء المذهب المالكي الذي سكن في أطراف المدينة ووضع كلبا كبيرا عند باب بيته لحراسته، وعندما سأله البعض عن سبب وضعه للكلب أمام بيته على الرغم من أنه يعرف موقف الإمام مالك من الكلب، فأجاب أبو اليزيد قائلا: لو عاش مالك إلى زمننا لاتخذ أسدا ضاريا.

إذا قضية الخوض في أسرار ما وراء النص أمر مهم ويتطلب الاطلاع على أسرار بعض العبادات.

وطلب الشيخ عمر عبد الكافي من الحضور تأمل القطة التي تنتظر الفأر ليخرج من جحره لتلتهمه، وقال: إنها تقدم قدما على الأخرى وتنفش فروها وتستعد في همة عجيبة لاقتناص لقمة، لذا علينا الاستعداد والعمل من أجل الجنة.

كان ابن القيم جالسا مع مجموعة من الناس، فأراد أحدهم أن يقص عليه، فأخبره عن فأر أحب جملا، فتبعه الجمل إلى أن وصل إلى جحره، فطلب الفأر من الجمل أن يدخل جحره، فقال له الجمل: إما أن تحب على قدرك أو تأتي ببيت على قدر من تحب، فقال ابن القيم: وأنت أيها المسلم إما أن تصلي على قدر مقام الله عزوجل صلاة ترضيه وإما أن تعبد ربا على قدر صلاتك.

جعل الله لنا صلاة الجماعة، وقال علماؤنا إن الله ينظر في قلب الإمام فإن وجده صالحا يقبل صلاة من معه، وإن لم يكن صالحا فإن الله يقبل صلاة من معه فقط، وفي حال لم يكن الإمام والمصلون صالحين، فإنه عز وجل يقول لملائكته: انظروا يا ملائكتي هؤلاء اصطفوا يسبحونني ويقدسونني كما تصنعون أشهدكم أنني قبلت صلاتهم وغفرت ذنوبهم ورضيت عنهم.

صلاة الجماعة هي المخرج من السهوة، وقد كان عمر رضي عنه يقول: اللهم إني أسألك صلاة الجماعة أكفى سهوها وأضمن أجرها.

 

معنى العبادة

نتجه للقبلة عندما نصلي ونرفع الدنيا التي تشغلنا عن الله إلى قرب عقولنا، وقد قال علماؤنا إن الشيء الثمين تحمله على بطن كفيك، ولأن الدنيا شيء أحيانا يشغلنا عن الله فأصبحت غير مستحب للمؤمن عند العبادة فيحملها على ظهر كفيه وينقلها كذا ليلقيها خلف ظهره ليقول الله أكبر، ويكون قياس قبول الصلاة بمدى الوعي الذي فيها.

رأى كليم الله موسى عليه السلام رجلا عند قطيع الغنم يدعو ويصر في الدعاء، فقال موسى: يا رب لو كان الأمر بيدي لاستجبت له، فقال الله عزوجل: يا كليمي أنت لا تعرفه صاحبك يدعوني بلسانه وقلبه عند غنمه وأنا لا أستجيب لعبد لسانه معي وقلبه مع غيري.

كذلك أود أن أذكركم بإبراهيم عليه السلام، حين كانت السفينة تهتز بسبب الأمواج، والجميع خائفون ما عداه، فقال له القوم: يا أبا إسحاق ادعو الله لنا، فنظر إلى السماء وقال: يا رب أريتنا قدرتك فأرنا رحمتك فسكن البحر.

وفي نهاية حديثه شدد الشيخ عمر عبد الكافي على ضرورة غض البصر عن عيوب الناس بشكل عام والزوجة على وجه الخصوص، وقال: قالوا يا رسول الله كم يعفو الإنسان منا عن زوجته وخادمه، فقال صلى الله عليه وسلم: 70 مرة. والمقصود هنا سنة التغافل والتغافر عن كل منهم تحت أيدينا.

 

الصلاة عبادة وليست عادة

 

 

تحدث الشيخ عمر عبدالكافي عن أهمية الصلاة في حياة المؤمنين والمؤمنات، وأوضح أن على المصلي أن يتذكر نقطة مهمة عندما يتوضأ وهي أن الذنوب تتساقط من عينيه وأذنيه ويديه وفمه وأنفه وقدميه وفي حال بقيت بعض الذنوب بعد انتهائه فإنها وكما قال العلماء توضع على رأسه، وإذا وقف ليصلي وركع تناثرت الذنوب وإذا رفع تناثرت الذنوب وإذا سجد تناثرت الذنوب وإذا جلس تناثرت الذنوب وإذا سلم خرج كيوم ولدته أمه.

وتطرق الشيخ عمر عبد الكافي إلى الحديث أيضا عن سبب معاناة بعض الأهالي مع أبنائهم المراهقين عندما يحين وقت صلاة الفجر، مؤكدا أن دراسة المحيط الذي يعيش فيه الأولاد خطوة مهمة في سبيل معرفة أسباب هذه المعاناة وضرب الشيخ عمر عبد الكافي مثالا موضحا فيه أن الوسادة التي ينامون عليها ليست من مال حلال صافي.

كما ذكر الحضور بقصة الشافعي حين ذهب إلى الشيخ ليسأله عن سبب عدم قيامه ليلة ليصلي، فقال له الشيخ: يا شافعي قيدتك ذنوبك، فتذكر الشافعي أنه منذ جمعة دخل المسجد قبل الفجر فوجد شابا يصلي ويبكي، فقال في نفسه كان يكفي هذا أن يبكي في بيته، فعلم الشافعي أنه اغتابه، فبحث عن ذلك الشاب إلى أن وجده واستسمحه فسامحه وعاد إلى قيام الليل مرة أخرى.

 

 

قصة الأعرابي وأولاده الثلاثة

 

 

من القصص الرائعة التي سردها الشيخ عمر عبد الكافي قصة العربي الذي أنجب ثلاثة أولاد وأطلق عليهم جميعا الاسم نفسه وهو عبد الله، وعندما كان على فراش الموت نظر إلى السقف وقال: عبد الله يرث وعبد الله لا يرث وعبد الله يرث وخرجت روحه دون أن ينظر إلى وجه أحدهم، وبعد أن تقبلوا العزاء، ذهبوا إلى قاضي قضاة المدينة الذي طلب منهم أن يقبلوا الإقامة في منزله.

وبينما كانوا جالسين في غرفة الضيافة قال أحدهم احذروا يبدو أن القاضي أرسل أحدا ما ليراقبنا، وعندما وضع الطعام أمامهم قال عبد الله الأول: هذا لحم كلاب، وعندما جلبوا الخبز لهم، قال عبد الله الثاني: خبزت هذا الخبز امرأة حامل في الشهر التاسع، أما الثالث فقال: هذا القاضي ليس ابن حلال، الجاسوس أخبر القاضي بما سمع، وفي اليوم التالي سأل القاضي عبد الله الأول عن لحم الكلاب، فأجابه:

إن اللحم الذي نأكله يبدأ بالعظم ثم اللحم فالشحم، أما لحم الكلاب والسباع تبدأ بالعظم ثم الشحم فاللحم، فسأل القاضي الطباخ، فأكد له أنه ذبح كلبا نظرا لتأخر القطيع، ثم سأل القاضي عبد الله الثاني عن الخبز، فقال: لاحظت أن الأرغفة منتفخة من ناحية وملتصقة من الناحية الأخرى، والمرأة الحامل لا تستطيع أن تميل ببطنها لتدير الرغيف نحو النيران، وبعد أن تأكد القاضي من قصة المرأة الحامل، سأل عبد الله الثالث عن سبب وصفه له بأنه ليس ابن حلال، فقال: ليس من المروءة أن تضع علينا عينا تراقبنا ونحن في بيتك، ثم قال القاضي:

عبد الله الأول يرث وعبد الله الثاني يرث، أما الثالث فلا يرث، وعندما سأل عبد الله الثالث عن السبب، قال القاضي: لأنك أيضا لست ابن حلال، لا يعرف ابن الحرام إلا ابن حرام مثله. وعندما عاد عبد الله الأول والثاني إلى أمهما أخبرتهما أن أباهما وجد عبد الله الثالث في الطريق ورباه.

Email