الأَبُّ.. طعام البهائم من الكلأ والمرعى

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

ضرب الله أمثالاً كثيرة يستدل بها الإنسان في مواضع مسيرة حياته في الكتاب والسنة، حيث قال الله عز وجل: (وفاكهة وأبّا)، قال ابن كثير في تفسير الآية: أما الفاكهة فهي ما يتفكه بها من الثمار، وقال ابن عباس: الفاكهة كل ما أكل رطْباً، والأبُّ ما أنبتت الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الناس، وهو الحشيش للبهائم.

عَنْ أَنَس قَالَ: قَرَأَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ (عَبَسَ وَتَوَلَّى) فَلَمَّا أَتَى عَلَى هَذِهِ الآيَةِ: (وَفَاكِهَةً وَأَبًّا) قَالَ: عَرَفْنَا مَا الْفَاكِهَةُ، فَمَا الأَبُّ؟ فَقَالَ: لَعَمْرُكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ التَّكَلُّفُ.

تناقض الوسطية

فالتكلف في الدين أمر منهي عنه في جميع أحكامه، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال:‏‏ «‏نهينا عن التكلف‏»‏‏.‏ ‏رواه البخاري.‏

وعن مسروق قال‏:‏ دخلنا على عبدالله بن مسعود رضي الله عنه فقال:‏ يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به، ومن لم يعلم، فليقل‏: ‏الله أعلم، فإن من العلم أن يقول الرجل لما لا يعلم‏:‏ الله أعلم.‏ قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم:‏‏ {‏قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين‏}‏‏.‏ رواه البخاري‏.‏

الوسطية

إن الوسطية منهج يسري في كل أصول الدين وفروعه، كما يسري الماء في عود النبات الأخضر، ومنهج الوسطية في العبادة، فالإسلام قد جاء بمنهج، توسَّط فيه بين الإفراط الذي فيه جور على النفس وتسئيم لها، والتفريط الذي فيه حرمانها من حظها من العبادة التي لا تصلح ولا تزكو إلا بها.

ولعل من أهم ما يرسم منهج الوسطية في العبادة: تلك الأحاديث الثلاثة: عن أنس بن مالك قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي، يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا كأنهم تقالّوها، فقالوا: أين نحن من النبي، صلى الله عليه وسلم؟ قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخّر. فقال أحدهم: أمّا أنا فأصلي الليل أبدًا. وقال الآخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أما أنا فلا أتزوج النساء أبدًا. فجاء رسول الله، فقال: إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني.

وعن أنس بن مالك قال: «دخل النبي، المسجد، فإذا حبل ممدود بين ساريتين فقال: ما هذا الحبل؟ فقالوا: هذا حبل لزينب، فإذا فترت تعلّقت به، فقال النبي: حلّوه، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا فتر فليرقد».

وعن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي، دخل وعندها امرأة قال: من هذه؟ قالت: فلانة، تذكر من صلاتها، قال: مه، عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملّوا وكان أحبّ الدّين إليه ما داوم عليه صاحبه.

وهذه الأحاديث – وما في معناها – جاءت موافقة لما في القرآن في أمره بالوسطية في العبادة، وتشنيعه على من خرج عنها.

مال جزيل

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا» أي استعمل ما وهبك الله من هذا المال الجزيل والنعمة الطائلة في طاعة ربك والتقرب إليه بأنواع القربات، التي يحصل لك بها الثواب في الدنيا والآخرة «وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا» أي مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمناكح، فإن لربك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولأهلك عليك حقاً، ولزَوْرِك عليك حقاً، فآت كل ذي حق حقه.

قال ابن كثير: أي جهدكم وطاقتكم، وروى ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله – تعالى: (اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) قال: لما نـزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم، وتقرّحت جباههم فأنـزل الله – تعالى – هذه الآية، تخفيفًا على المسلمين: (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) فنسخت الآية الأولى.

التمسك بالسنة

تتأتى متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاستمساك بسنته واتباع هديه عليه الصلاة والسلام فما من خير إلا ودلنا عليه، وما من شر إلا حذرنا منه بل وحثنا عليه الصلاة والسلام بالاستمساك بسنته والعض عليها، قال عليه الصلاة والسلام: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة في الدين بدعة وكل بدعة ضلالة".

فمن ثمار التمسك بالسنة أنك تعصم نفسك بما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وما كان عليه أصحابه، تعصم نفسك عن الاختلاف المذموم، تعصم نفسك عن الدخول في أمور الاختلاف والفرقة التي ذمها الإسلام بأن تتمسك بالسنة وهذا معيار من الرسول صلى الله عليه وسلم نعلِّمه ونُلقِّنُه للناس، نقول لهم إذا جاءكم أمر من الأمور والتبست عليكم الأمور وما عرفتم هل هذا الأمر يجوز أو لا يجوز؛ فانظروا هل كان عليه حال الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه هذا ضابط علمنا إياه صلى الله عليه وسلم، فنسلَمُ بذلك من التكلف.

Email