كلمات الله خالدة وإن جفت الأقلام

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

قال تعالى: «ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم». وقال السعدي رحمه الله في تفسير هذه الآية: ولو أن أشجار الأرض كلها بريت أقلاماً والبحر مداداً لها، ويمد بسبعة أبحر أخرى، وكتب بتلك الأقلام وذلك المداد كلمات الله، لتكسرت تلك الأقلام، ولنفد ذلك المداد، ولم تنفد كلمات الله التامة التي لا يحيط بها أحد، إن الله عزيز في انتقامه ممن أشرك به، حكيم في تدبير خلقه.

وفي الآية بيان لعظمة الله سبحانه وتعالى وإثبات صفة الكلام لله - تعالى - حقيقة كما يليق بجلاله وكماله سبحانه، يعظم العظيم من الخلق في عيون الخلق بقوة كلامه، ونفاذ أمره، وعجائب فعله، وكثرة صنائعه، وعدله في حكمه، وسيطرته على مملكته، وعلمه بأحوال رعيته، وخالق الخلق، ومدبر الأمر سبحانه وتعالى له القدرة التي ليست لخلقه، وما قدرة كل خلقه إلا من قدرته سبحانه، فهو عز وجل خالق كل شيء، وواهب كل موهوب.

تدبير الأمر

وكلمات الله تعالى من صفاته، وصفاته ليس لها ابتداء ولا انتهاء، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس بعده شيء، والظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء، ومن آثار كلماته سبحانه خلق الخلق، وتدبير الأمر، وتصريف الكون ﴿إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ [النحل: 40].

وكلماته سبحانه ليست ككلمات خلقه الضعاف المترددين المقهورين، فكلماته عز وجل لا تتغير ولا تتبدل ولا تتعطل؛ لأنها صادرة عن علم وحكمة وقدرة، فلا جهل يسبقها، ولا عجز يلحقها، ولا مكره له سبحانه عليها ﴿وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ﴾ [الكهف: 27]. وهي صدق في الأخبار، وعدل في الأقضية والأحكام، وكلمات هذا شأنها لا بد أن تكون ثابتة.

فيا لخيبة من استبدلوا كلمات الله تعالى بغيرها، وأعرضوا عن كتاب الله تعالى وعن شريعته، ويمموا وجوههم شطر أفكار البشر وفلسفاتهم يبحثون فيها قضايا الوجود والكون والموت والمصير، فنقلتهم من اليقين إلى الشك، ومن الإيمان إلى الجحود والإلحاد، فعاشوا تعساء في الدنيا، يمزقهم الشك والحيرة، ولعذاب الآخرة أخزى، وما لهم من الله من واق، وهذا جزاء المعرضين عن كلمات الله تعالى.

النصر والعاقبة

ومن آثار ثبات كلماته سبحانه في الدنيا: وعد المؤمنين بالنصر والعاقبة، فإن ذلك حتم لا يتغير، ووعد لا يتخلف، لأنه من كلمات الله تعالى ومن آثار ثبات كلماته سبحانه: أنه لا يوقع عقوبته إلا في أجلها المضروب لها سواء أكان في الدنيا كما في قول الله تعالى ﴿وَتِلْكَ القُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا﴾ [الكهف: 59] أو في الآخرة كما في تأخيره الفصل بين عباده في القضاء إلى يوم القيامة، فإنه مهما وقع منهم من ظلم وبغي وسفك للدماء، وسألوا الله تعالى فصل القضاء بينهم، فإنه لا يقع إلا يوم القيامة على مقتضى كلماته سبحانه، وجاء خبر ذلك في آيات عدة من كتاب الله تعالى ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾.

ومن آثار كلماته سبحانه: أنه مانح الهداية ومانعها، ولا تطلب الهداية من سواه فمن وفقه اهتدى، ومن خذله ضل وغوى ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ * وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آَيَةٍ حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ﴾ [يونس: 97].

أفضل خلقه

ومن آثار كلماته سبحانه: وفي أهل الكفر والعصيان قال تعالى ﴿وَكَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ أَصْحَابُ النَّارِ﴾ [غافر: 6] وفي آية أخرى ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾ [هود: 119] ويخاطب بكلماته سبحانه أفضل خلقه، وخاتم رسله فيقول ﴿أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ﴾ [الزُّمر: 19] وهذه الآية يجب أن تتمثل للمؤمن في كل أحيانه، فيكررها بلسانه، ويعيها قلبه، ويخشاها على نفسه، ويلهج لسانه بدعاء الله تعالى يسأله الهداية، ويخاف أن يكون ممن حقت عليه كلمة العذاب. وكيف لا يفزع المؤمن منها وأفضل الخلق لا يستطيع إنقاذ من مضت فيه كلمة الله تعالى فحق عليه العذاب.

ومن عظيم كلمات الله تعالى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بها، ويعلم أمته الاستعاذة بها، فكَانَ يُعَوِّذُ الحَسَنَ وَالحُسَيْنَ، وَيَقُولُ: «إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ» رواه البخاري.

وقال - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ» رواه مسلم. وفي السنة كان التعوذ بكلمات الله تعالى ذكراً يومياً، كما في حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ، قَالَ: «أَمَا لَوْ قُلْتَ، حِينَ أَمْسَيْتَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ الله التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ تَضُرَّكَ» رواه مسلم.

Email