كونوا قردة خاسئين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكر القرآن الكريم كثيراً من الحيوانات، بيّن منافعها ومقاصدها والحكمة من خلقها، وضرب الأمثال بها، ومنها القرد الذي يشتهر بحركته الكثيرة، ويعرف بالذكاء والفهم، وله مشابهة بالإنسان في كثير من الصفات الخلقية والخلقية، وقد جاء الحديث عن القردة في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع، وكلها تتحدث عن غرض واحد..

وهو كيف عاقب الله قوماً من بني إسرائيل فمسخهم إلى قردة وخنازير، عندما عتوا عن أمر ربهم، وخالفوا شرعه، حيث كان الموضع الأول في سورة البقرة قال تعالى: «ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين» 65.

مسخ وعقاب

وهذا الخطاب لبني إسرائيل تذكير لهم، بما حل بأجدادهم من مسخ وعقاب عندما خالفوا أمر الله وتعدوا حدوده، وزوروا وبدلوا، وهاهم اليوم يعودون إلى سالف عهدهم من الإنكار والجحود، لنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - وإن ما حل بأسلافهم قد يحل بهم، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقاً لِمَا مَعَكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَىٰ أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ* وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً» سورة النساء: 47.

أما الموضع الثاني، قال تعالى: «قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل» سورة المائدة: 60، وهي أيضاً تصب في هذا الغرض وتتوعد الذين بالغوا بالجحود والإنكار، والذين يصدون ويطعنون على دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ويقفون لها بالمرصاد.

القرية

وجاء في قوله تعالى: «واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعاً ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون»، وفي هذه الآية فصل الله تعالى ما وقع لهم من العقوبة، عندما عتوا عن أمره سبحانه، وقد بين هذا الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - عن طريق الوحي وقد كان بنو إسرائيل يكتمونه عن الناس لما فيه من الخزي والعار.

وفي هذا أيضاً ما لا يخفى من الإعجاز الغيبي لسيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وفى جو هذه الآيات الكريمات لنا وقفات، فقوله تعالى: (واسألهم) الأمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسأل اليهود المعاصرين لرسالته في المدينة المنورة، والسؤال هنا ليس للاستعلام بل لتقرير كفرهم القديم، الذي ورثوه عن أسلافهم في تلبيسهم الحق بالباطل وما وقع لهم من جرّاءِ ذلك.

ابتلاء واختبار

أما القرية كما وصفها القرآن الكريم «حاضرة البحر» أي بجواره وعلى ما قال المفسرون: «أيلة» ولعلها إيلات الواقعة على خليج العقبة، يعيش أهلها قديماً على صيد الأسماك، وقد حرم الله عليهم الصيد يوم السبت، لأنه كان مخصصاً للعبادة المفروضة من الله جل وعلا، والتي لا يجوز التلاعب فيها زماناً ولا مكاناً ولا كيفية، ونعود إلى أهل القرية التي حرم الله عليهم يوم الصيد لكى يبتليهم الله ويختبرهم..

فقد سخر الحيتان تأتي يوم السبت على ساحل البحر ظاهرة للعيان، ويوم لا يسبتون لا تأتيهم ولكنهم التفوا على شرع الله واحتالوا، فاتخذوا حياضاً سهلة لورود الأسماك إليها يوم السبت، فلا تقدر على الخروج، فيصيدونها يوم الأحد واستمروا على ذلك وأكلوا وباعوا.

فاختلف أهل القرية وانقسموا إلى ثلاثة فرق، الفريق الأول أنكر عليهم هذه الحيلة أشد الإنكار، ونصحوهم ووعظوهم واعتزلوهم عندما أصروا على فعلهم، أما الفريق الثاني فلم يستمروا في النهي وتوقعوا لهم العقاب ولم يعتزلوهم، واستمر الفريق الثالث في غيه وظلمه وهم الذين أوقع الله عليهم المسخ كما قال تعالى:

«فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون، فلما عتوا عما نهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين» الأعراف: الآيات 165-166، هكذا أوضح لنا القرآن الكريم عاقبة أهل السوء، ونجاة الذين أمروا بالمعروف، واعتزلوا أهل المعاصي، وأما الفريق الثالث فقد اختلف فيه.

القرد الخياط

من صفات القردة الخَلقية والخُلقية، المشابهة للإنسان: أنه «يضحك ويـطرب ويحاكي ويقلد غيره» ويتناول الأشياء بيده، وله أصابع مفصلة، وأظفار ويقبل التلقين والتعليم وقد يعلم حراسة المتاع، ويتزوج أنثى فقط ويغار على أنثاه، وتروى عنه حكايات كثيرة، منها أن ملك النوبة أهدى إلى المتوكل قرداً خياطاً، وآخر صانعاً. أما أكل لحم القردة فهو محرم، ويجوز بيعه لإمكان تعليمه في قضاء الحاجات، فسبحان الذي أحسن كل شيء خلقه.

Email