الصفا والمروة.. حيث كانت أصنام المشركين

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة البقرة، الصفا والمروة بقوله: «إن الصفا والمروة من شعائر الله»، إذ يعد السعي بين الصفا والمروة من الشعائر الأساسية في الحج والعمرة. والصفا هي الحجارة الصلبة، وأطلق على طرف جبل أبي قبيس، الذي يبدأ منه السعي في الحج، وقيل إن دابة الأرض في آخر الزمان، وهي من علامات الساعة الكبرى، تخرج منه. أما المروة فهي الحجارة البيضاء البراقة، ثم صار علماً على الجبل المعروف في مكة الذي ينتهي إليه السعي.

"أساف" و"نائلة"

سبب نزول هذه الآية، وجود الأصنام «أساف» على الصفا، «ونائلة» على المروة، وكان المشركون حينما يطوفون بينهما يستلمونهما، فلما جاء الإسلام وفرض الحج، تحرّج المسلمون من الطواف بينهما، فنزل قوله تعالى: «إن الصفا والمروة من شعائر الله». وقيل إن من المسلمين قالوا لا نطوف بين الصفا والمروة، لأن الطواف بينهما من أمر الجاهلية، فأنزل الله تعالى هذه الآية.

ومعنى «من شعائر الله»: من معالمه ومواضع عباداته، فالسعي مشعر، أي «مكان للعبادة»، وعرفات مشعر، والنحر مشعر، «فمن قصد الكعبة بحج أو عمرة فعليه أن يطوف بين الصفا والمروة سبعاً. وحكم السعي بين الصفا والمروة، أنه ركن من أركان الحج، ووجوبه وركنيته جاءا من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام منها: «اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي»، ومن فعل النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سعى بين الصفا والمروة سبعاً.

سبع مرات

ذكر بعض المفسرين هنا نكتة، أن آدم وقف على الصفا، فلذلك جاء ذكره بالتذكير، وأن المروة وقفت عليها حواء، فلذلك جاء بلفظ التأنيث. ومعنى السعي، ذهابه ابتداء من الصفا إلى المروة هذه مرة، وعودة من المروة إلى الصفا هذه أخرى، يفعل ذلك سبع مرات، لأن النبي صلى الله عليه وسلم طاف مبتدئاً بالصفا ومنتهياً بالمروة سبعاً، ولو بدأ بالمروة وانتهى بالصفا فتحسب له ستّاً لأن الأولى لا تحسب لأنه ابتدأها من المروة، وهنا ملاحظة يجب على من طاف بين الصفا والمروة استيعاب المسافة في كل مرة، بأن يلصق عقبه بأصل ما يذهب منه، ورؤوس أصابع رجليه بما يذهب إليه.

وسبب الحركة بين الصفا والمروة، أن نبي الله إبراهيم عليه السلام ترك هاجر وطفلها إسماعيل، في صحراء مكة بين جبالها، حيث لا زرع ولا ماء ولا أنيس، ثم مضى في طريق عودته وترك لهم شيئاً من الطعام والشراب، فنادته الزوجة يا إبراهيم أين تذهب وتتركنا في هذا الوادي؟ فلم يلتفت إليها «وكأنه على يقين من وعد الله الذي لا يتخلف ولا يخيب»، فقالت له: ألله أمرك بهذا؟ فردّ عليها: نعم، فأجابت من غير تردد ولا قلق: «إذاً لا يضيعنا».

الماء والزاد

انصرف سيدنا إبراهيم وهو يدعو ربه لأهله بالرزق والأنيس، ثم نفد الماء والزاد، والأم لا تجد ما تروي به طفلها وقد جف لبنها، ولا تجد ما ترضعه، فيتلوى جوعاً ويصرخ وصراخه يتردد في الصحراء والجبال يدمي قلب الأم الحنون، تسرع الأم وتصعد على جبل الصفا لتنظر أحداً ينقذها وطفلها من الهلاك، لكنها لا ترى شيئاً فتنزل مسرعة من الصفا وتذهب إلى المروة فتصعد إلى قمته، وتفعل مثل ذلك وتنظر.

ولما أخذ منها التعب، بعث الله جبريل عليه السلام فضرب الأرض بجناحه فخرج الماء إلى جانب الصغير، فتهرول الأم نحوه وقلبها ينطق بحمد الله على نعمته، وجعلت تغرف من الماء وتعطيه لفلذة كبدها حتى تنقذه من الهلاك الذي كاد أن يقضي عليه، وأخذت تحبس الماء قائلة زمّ الماء زمّ الماء (أي جرى)، فلذلك سميت هذه العين «زمزم»، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: «رحم الله أم إسماعيل لو تركت زمزم لكانت عيناً معيناً».

ثم مرت الأيام فهوى إليها أناس من قبيلة جرهم، فأرادوا البقاء في هذا المكان لما رأوا عندها الماء، فاستأنست بهم، فشب الطفل بينهم، وتعلم العربية، وتزوج امرأة منهم، هذه هي هاجر أم الذبيح إسماعيل، أخلصت النية لله، فرعاها في وحشتها ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب، وقد جعل الله تعالى من فعلها عملاً من أعمال الحج، حيث إن السعي بين الصفا والمروة ركن من أركان الحج.

Email