لباساً يواري سوءاتكم

1

ت + ت - الحجم الطبيعي

 في الكتاب العزيز نعم عديدة، ذكر الله تعالى أن العباد مهما سعوا في عدها فإنها لا تحصى؛ (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) «إبراهيم: 34».

فإن كان مجرد الإحصاء يقف العبد أمامه عاجزاً، فكيف بأداء حق تلك النعم من الشكر عليها والثناء على المنعم سبحانه لما أولاه للإنسان من نعم يعجز اللسان عن عدها؟ (وقليل من عبادي الشكور) «سبأ: 13».

نظرة قريبة من الإنسان لنفسه التي بين جنبيه يرى نعمة هي من أقرب ما يكون إلى الإنسان، إنها نعمة اللباس، وهي من فيض التكريم الذي منحه سبحانه للإنسان وميزه به عن سائر المخلوقات (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) «الإسراء: 70».

يقول تعالى: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوءاتكم وريشاً ولباس التقوى ذلك خير) «الأعراف: 26».

الملاحظ في هذه الآية أن الله تعالى خاطب بها الإنسان عموماً دون تخصيص المؤمنين، والتعبير بـ«بني آدم» مناسب لما سبق من قصة آدم عليه السلام وتستره بورق الجنة.

وفي الآية تفضل من الله على عباده بنوعين من اللباس: الساتر للعورة وهو المقصود بقوله (لباساً يواري سوءاتكم)، والذي يقصد به الزيادة في التنعم وهو المراد بقوله تعالى (وريشاً).

جاء في التحرير والتنوير 8/75: «الريش لباس الزينة الزائد على ما يستر العورة، وهو مستعار من ريش الطير».

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استجد ثوباً قال: «اللهم لك الحمد أنت كسوتنيه، أسألك خيره وخير ما صنع له وأعوذ بك من شره وشر ما صنع له» (الترمذي: 1767). ولعل هذه السنة هي من السنن التي كادت أن تكون ماتت لغفلة كثير من الناس عنها.

ما أجملها من نظرة حين ترى نفسك في المرآة بثوبك الجديد فتستشعر فضل الله تعالى عليك أن خلقك في أحسن تقويم، ومنّ عليك بما تتجمل به بين الناس، حينها ترد النعمة بكل تواضع وانكسار إلى المنعِم، مستبرئاً من حولك وقوتك إلى حوله وقوته.

وقد تعرض القرآن للباس أهل الجنة وخصهم بلباس السندس والإستبرق وهما الرقيق والغليظ من الحرير.

كما أن القرآن باعتباره كتاب تشريع بيّن أحكام الثياب، وخاصة ثياب المرأة المسلمة، وأنه سبحانه وتعالى لم يحرم على عباده التزين وإنما خص أشياء بالتحريم، قال تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة) «الأعراف: 32».

وقال تعالى في شأن لباس المسلمة: «يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن» (الأحزاب: 59). قال الزمخشري: «الجلباب ثوب واسع أوسع من الخمار ودون الرداء، تلويه المرأة على رأسها وتبقي منه ما ترسله على صدرها».

وقال تعالى: «وليضربن بخمرهن على جيوبهن» النور: 31. قال الراغب في المفردات: «أصل الخَمْر ستر الشيء والخمار صار في التعارف اسماً لما تغطي به المرأة رأسها، وجمعه خُمُر». والجيب فتحة الثوب من الأعلى، وذكرت في قصة موسى عليه السلام في معجزة إدخال يده في جيبه. أما القميص فلم يرد ذكره إلا في قصة يوسف عليه السلام في ستة مواضع. ومن اللباس الوارد في القرآن السربال، (وجعل لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل تقيكم بأسكم) «النحل: 81». قال البيضاوي: «السرابيل تعم كل ما يلبس». والسرابيل التي تقي البأس هي لباس الحرب.

وذكرت السرابيل في لباس أهل النار (سرابيلهم من قطران) «إبراهيم: 50».

وللباس استعمالات بيانية أخرى، كقوله تعالى عن الزوجات (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) «البقرة: 187». أتى بالمعنى الذي يستحيا من ذكره بعبارة جزلة راقية، وفي الوقت ذاته تشير إلى أن الزوجين لا يستغني أحدهما عن صاحبه كما لا يستغني عن لباسه الذي هو من ضرورات الحياة.

وكقوله تعالى (ولباس التقوى ذلك خير) «الأعراف: 26».

شبه الله تعالى تقواه باللباس الذي يحيط بالإنسان، إشارة إلى وجوب ملازمتها له كما يلازمه لباسه.

وقوله (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف) «النحل: 112».

عبّر الله تعالى عن الجوع والخوف الشديدين باللباس، لأنه لشدته كأنه عمّ جميع الجسم، فصار كاللباس الذي يشتمل على كل أجزاء الجسد.

Email