الغراب.. آلية دفن الميت

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذكر الغراب في القرآن الكريم، في الآية الحادية والثلاثين من سورة المائدة، في سياق الحديث عن قصة اِبْنَيْ آدم اللذين قَتل أحدُهُما الآخر، ولم يَدْرِ كيف يُواريه، فبعث الله غراباً فأراه بطريقة عملية كيف يواري سوءة أخيه، قال تعالى "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ * قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ * إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ * وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ * فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ * قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي * فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ".

دفن المقتول

ويَظهر من هذه القصة القرآنية أن الإنسان عجز عن أن يكون كالغراب في أُمَّة الطير، وأنه ما كان يعلم كيف يدفن المقتول، وأنه تعلم ذلك من الغراب، ولا مانع من ذلك، إذ مثله مما يجوز خفاؤه، لا سيما والعالَم في أول طَوْر النشأة، وأنه أول قتيل، فيكون أول ميت.

ويَظهر أن الإنسان في نشأته الأولى كان في منتهى السَّذاجة، وأنه لاستعداده الذي يَفْضُل به سائر أنواع الحيوان كان يستفيد من كل شيء علماً واختباراً ويرتقي بالتدريج.

ويَظهر أيضاً أن الله تعالى بَعَثَ غراباً إلى المكان الذي هو فيه فبحث في الأرض، أي حَفَرَ بِرِجْلَيْه فيها يُفَتِّشُ عن شيء، والمعهود أن الطير تفعل ذلك لطلب الطعام، والمتبادر من العبارة أن الغراب أطال البحث في الأرض، لأنه قال: "يبحث" ولم يقل بَحَثَ، والمضارع يفيد الاستمرار، فلما أطال البحث أحدث حُفْرةً في الأرض، فلمّا رأى القاتل الحفرة وهو متحير في أمر مواراة سوأة أخيه زالت الحيرة، واهتدى إلى ما يطلب، وهو دَفْن أخيه في حفرة من الأرض.

عادة الغراب

قال أبو مسلم : إن من عادة الغراب دفن الأشياء، فجاء الغراب فدفن شيئاً فتعلَّم ذلك منه، ولمَّا رأى القاتلُ الغرابَ يبحث في الأرض، وتعلَّم منه سُنَّة الدَّفْن، وظهر له من ضعفه وجهله ما كان غافلاً عنه " قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي * فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ"

قال الإمام القرطبي : بعث الله الغراب حكمة، ليرى ابن آدم كيفية المواراة، وهو معنى قوله تعالى " ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ" فصار فِعْلُ الغراب في الموارة سُنَّة باقية في الخلق، فرضاً على جميع الناس على الكفاية، مَنْ فَعَلَهُ منهم سَقط فرضُهُ عن الباقين، وأَخَصُّ الناس به الأقربون الذين يلونه، ثم الجِيرة، ثم سائر المسلمين، وأمَّا غير المؤمنين فقد روى أبو داود عن عليّ رضي الله عنه، قال : قلت للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إن عمَّك الشيخ الضَّالَّ قد مات، قال : "اذهب فوارِ أباك الترابَ ثم لا تُحْدِثَنَّ شيئاً حتى تأتيني" فذهبتُ فواريتُه وجئتُه فأمرني فاغتسلتُ ودعا لي.

أول جريمة

عاش آدم في الأرض مع حواء، وأنجبا ذرية كثيرة، وكانت تلد في كل مرة توأماً ذكراً وأنثى وكان شرعه أن الابن لا يجوز له أن يتزوج ممن ولدت معه، ولكن يتزوج ممن ولدت من حمل آخر. وهو السبب الذي دفع قابيل لقتل أخيه هابيل، لأن أخته أجمل من أخت هابيل، فلم يرد أن يزوجها له، وغار منه، فدخل الحسد والغيرة قلبه وعمد إلى صخرة فرضّ فيها رأس أخيه لتكون أول جريمة في تاريخ البشرية.

 

مستشار الوعظ والإرشاد

Email