منى سعيد.. متطوعة تغرّد خارج الأضواء

صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

منى سعيد هلال سيدة ليست كأي سيدة، غردت خارج السرب، فهي «سفيرة فوق العادة» ومن نوع آخر، كرست حياتها للعمل التطوعي الإنساني والمشاركة النسوية الفاعلة والدافعة لبناء لبنات جديدة لمجتمعها المحلي، وجمعت بين دراستها لإدارة الأعمال وعملها في مجال الرعاية الاجتماعية بطريقة جعلت كثيرين يشيرون لها بالبنان لبصماتها التي وضعتها ولا تزال تحصد ثمارها منذ 22 عاماً. ورغم ذلك نراها بعيدة عن الأضواء والظهور الإعلامي لا لشيء إلا لطبيعتها التي تحب وتفضل العمل بعيداً عن الأضواء.

«البيان» زارت «أم حمد» في مكتبها بمركز دبا الفجيرة لتأهيل المعاقين. حيث أرادت أن تكون هذه المقابلة في مكان عملها، فهي تعشق العمل وتصر على خروجها من منزلها، فالتواصل الاجتماعي بالنسبة لها أساس نجاح واستمرار عطائها.

مشوار البدايات

عاشت منى من مواليد دبا الحصن طفولة جميلة، وكانت من المتفوقات، سواء على الصعيد العلمي أو الأنشطة الثقافية المختلفة، فهي تهوى الشعر حفظاً وإلقاءً، وكذلك التمثيل وسرد الحكايات والخراريف، وتعشق التراث المحلي تحديداً بجميع صوره وأنواعه، إلى أن تخرجت من مدرسة حليمة السعدية الثانوية للبنات سابقاً، وبعدها من جامعة الإمارات بكالوريوس إدارة أعمال.

صاحبة خبرة طويلة في قطاع الرعاية الاجتماعية تربو على 22 عاماً في أروقة وزارة الشؤون الاجتماعية، بدأتها كباحثة اجتماعية ومن ثم مسؤولة توجيه أسري وبعدها نائبة مديرة مركز دبا للتنمية الاجتماعية على مدى أثنى عشر عاماً، ثم ارتقت لتحتل منصب مديرة مركز دبا الفجيرة لتأهيل المعاقين في العام 2004 ولا تزال على رأس عملها فيه منذ 10 سنوات.

نقطة التحول

أشارت إلى أن نقطة تحولها الوظيفي ذلك النجاح الباهر الذي حققته في مهمة التعامل مع فئة تعتبر حساسة في المجتمع، وتحتاج إلى الإنسانية والصبر، حيث لم تستسلم ولم تقف مكتوفة الأيدي منذ تسلمها زمام إدارة المركز، فهذا حسب تعبيرها «السر الكبير» الذي طالما دفعها لإعادة إطلاق طاقتها للعمل التطوعي الإنساني، ووجدت فيه فرصة..

كما تقول، لخوض تحدي العمل في خدمة فئة من أهم فئات المجتمع «المعاقين»، وكذلك باقي المهام الاجتماعية والتطوعية التي نذرت نفسها للقيام بها. وقالت: «إن هذه التجربة غيرت مسار حياتي وجعلتني أتعرف على العديد من الأشياء التي كنت أجهلها، والآن أعتبر نفسي سفيرة في عملي مع هذه الفئة الغالية على قلبي».

المثال الأعلى

والدها، رحمه الله، مثالها الأعلى، إذ تعتبر أنه يقف خلف كل نجاحاتها ولولا فضله ودوره في تشجيعها الدائم على حب العلم والعمل لما حققت النجاح الذي وصلت إليه والذي تعمل على الحفاظ عليه. وشخص آخر يحتل لديها مكانة مرموقة وعالية جداً في التميز والتفوق بعد الرسول صلى الله عليه وسلم، هو والدنا الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان الذي تصفه بالشخصية المميزة والسابق لعصره وزمانه، سواء أكان في طريقة تفكيره أم رؤيته الوطنية الناجحة التي مكنته من أن تتبوأ الإمارات مكانة عالمية مرموقة.

كما أنها لا تنسى دور زوجها الذي يعتبر مشجعاً وداعماً لها في كل خطوة من خطوات حياتها، ورزقت منه بخمس بنات أكبرهن ميسون 14 عاماً (حليمة، فاطمة، مريم، شيخة) وابن واحد «حمد» 3 سنوات وهو أصغرهم.

عن سعيها للحصول على مناصب أعلى، قالت: «إذا حصل فلا مانع لدي، وسأكون سعيدة لأنني سأخدم بلدي من هذا الموقع، فصحيح أن طموحاتي للسماء، ومع ذلك أنا واقعية وأحب الاجتهاد بالعمل، وأخطط لكل خطوة أقوم بها، وأشعر بسعادة كبيرة وأنا في قمة العطاء وما زلت نشيطة وأحب عملي، واستمتع به».

منظومة النجاح

2تعشق الرقم واحد وتسعى دائماً لتحقيق المراكز المتقدمة، قمة سعادتها أن ترى وتعطي ابتسامة لشخص ضعيف، وتؤكد أن النجاح في العمل يتعلق بمدى الرغبة على تحقيق النجاح، وكذلك على مدى وجود الخبرة وإلى جانبها تربية صحيحة يتم من خلالها تنمية وصقل المواهب والقدرات. مشيرة إلى أن التميز نبع لا ينضب..

والوصول إليه يتطلب حب الناس والتواصل معهم وفتح نوافذ من العلاقات في شتى المجالات التي لا تعرف وقتاً محدداً للعطاء، بل يجب أن تعمل في كل الأوقات، هذا بالإضافة إلى الدقة في العمل وكذلك الحرص على النظام وكيفية التعايش مع الظروف، فضلاً عن تحدي الصعوبات كونها واقع لابد من التعايش معه وتقبله، على اعتبار أنها تعلمنا دروساً جديدة إن لم نتعلم جيداً منها لن نحقق شيئاً يذكر. وكانت هذه المنظومة دافعاً لتحقيق مزيد من النجاحات لم تكن تتوقعها.

حب العمل

وتنصح هلال الشباب من الجنسين المبتدئين في مشوار العمل وبالأخص التخصصية، أن يحرصوا على اقتناص الفرص وأن يعملوا على تطوير مواهبهم وقدراتهم، وأن يثابروا من أجل الوصول إلى النجاح والتميز. كما تنصحهم بالاطلاع على سير وتجارب الناجحين فإن هذا لا شك يساعدهم في التغلب على الكثير من المعوقات. وأن يحبوا عملهم إلى أقصى حد حتى يصلوا إلى أهدافهم ويحققوا طموحاتهم، فالإنسان إذا أحب عمله وأخلص له استطاع أن يفعل كل شيء وأن يصل إلى ما يريد.

تتمنى منى تحقيق ما تصبو إليه من إدارتها لذوي الإعاقة لتكون مثالاً يحتذى به على صعيد العمل الاجتماعي الإنساني بكل صوره وأشكاله، وأن تبقى تدافع عن حقوق جميع الأشخاص ذوي الإعاقة باختلاف أنواعها وتحلم بنشر ثقافة الرعاية الاجتماعية. إلى جانب أن تستكمل دراساتها العليا التي توقفت لدواعٍ أهم وهي رعاية الأسرة، وأن ترى أبناءها صالحين وعناصر فعّالة في المجتمع يزرعون الخير أينما كانوا، ما يصب في مصلحة الوطن في المقام الأول ومصلحتهم ثانياً.

رمضان يعيد ذكريات الصبا والشباب

تقول منى: «دائماً ما يعيد لي رمضان ذكريات الصبا والشباب، التي تكون عالقة في ذهني إلى أمد بعيد، أحاول أن استمتع بكل لحظاته لأن أيامه تختلف كلياً عن باقي أيام السنة حيث البهجة والمحبة والنفوس العامرة بالإيمان في هذا الشهر الكريم، والجوامع تصدح بآيات الذكر الحكيم من كل مكان وحدب وصوب، فهو يختلف بطقوسه وطعامه عن باقي الأشهر حيث تعمر الموائد فيه».

مبينة أنها بدأت الصوم وعمرها نحو سبع أو ثماني سنوات ورغم أنها لم تصم شهر رمضان كاملاً إلا لاحقاً، حيث كانت في البداية تصوم منتصف النهار أو بعض الأيام، ومع بعض التراخي وقليل من «لحسه» المهلبية أثناء ما تنتهي والدتها من سكبه في الأواني بعد الانتهاء من إعداده، وبعدها انتظمت فيه حقاً.

وأكدت أن الأهل كانوا يشجعونها على الصوم للتعود عليه عند البلوغ، موضحة بقولها: «في حين كنا أطفالاً نحرص على صيام رمضان للتأكيد على بلوغنا العمر المناسب والنضج». مبينة أنها تجربة رائعة تعلمها فوائد الصوم الروحانية والتنافس مع الكبار قبل الصغار على تحمل جُهد الصوم والسباق في عمل الخير.

وعن ارتباط رمضان بذاكرتها، قالت: «رمضان عندي له معنى مختلف ومذاق خاص وذكريات جميلة عشناها حتى عبق رائحته كانت مميزة. رمضان الذاكرة هو شهر التضامن والتآزر، وتبادل الزيارات الأسرية، (واجتماع الأمهات في مجلس واحد حيث يتسامرن ويدخلن في حوارات مختلفة منها حول ما تم إعداده وما يلزم اقتناؤه استعداداً لهذا الشهر الفضيل..

وكانت كل واحدة تمارس حرفة خاصة أثناء جلساتهن)، كذلك اللحظات التي نعلن فيها عن رغبتنا في المساعدة في المطبخ وإعداد أطباق رمضان وإجبار أفراد العائلة على تذوق ما قمنا بإعداده حتى وان كان علقماً مُراً، ولعل من أهم المفارقات التي لا تغيب عن ذاكرتي هو التسابق والتحدي مع صديقاتي في الإقبال على قراءة وحفظ وتجويد القرآن الكريم».

تأدية الواجبات

وتابعت: «ما زلت أذكر رمضان الطفولة وكأنه شريط سينمائي أشاهده وحدي، كأن الزمن لم يتحرك أبداً. فقد كان يرتبط بالعمل وتأدية الواجبات على أكمل وجه دون أن يكون هناك وقت للملل والتعب والنوم رغم الحر الشديد، ما يعني أنه لا تجد رمضان فقط وقت الإفطار..

وما بعده من خلال النوم طوال النهار وسهر طوال الليل». وأبدت حزنها أثناء ذلك كونه أول رمضان يمر دون والدها الذي توفي أخيراً تاركاً فراغاً كبيراً في قلب ذاكرة هذا الشهر، إلى جانب أنه كان أكبر الداعمين لها في مسيرتها الدراسية والعملية وفي الحياة أيضاً.

وذكرت أنها عرفت خصوصية الشهر الفضيل ووعيت بأهميته الدينية قبل ممارسة فريضة الصوم بسنوات كثيرة. فمنذ أن بلغت خمس سنوات كانت تقف مع أطفال الحي وأغلبهم يكبرونها سناً في انتظار أذان المغرب ثم الإسراع الجماعي بالركض، كل في اتجاه منزله وهو يهتف في فرح وبأعلى صوته: «أذن – أذن»، أي لقد قام المؤذن بأداء الأذان..

وبالتالي يمكنكم الإفطار أيها الصائمون. ولفتت إلى أن رمضان الآن يبدو مختلفاً جملة وتفصيلاً عن رمضان الطفولة والصبا، على اعتبار أن الإنسان عندما ينضج يشعر بقيمة الصيام وأهميته ويحافظ عليه ويتمسك بكل أركانه بشكل أكبر كونه يدرك أنه محاسب

أما الآن فهو يرتبط لديها بالعبادة التامة بالدرجة الأولى، وإن كانت تأدية العمرة من أكثر الأمور التي تحرص عليها في رمضان، إلى جانب عمل الخير وصلة الرحم والزيارات الأسرية والتواصل مع الأصدقاء. مستذكرة سعادتها في توزيعها «المير الرمضاني» للعائلات المتعففة في المناطق البعيدة حتى الساعات المتأخرة من الليل في رمضان أثناء عملها في مركز التنمية الاجتماعية.

مظاهر سلبية

ومن المظاهر السلبية التي لا تحب رؤيتها في الشهر الفضيل، أشارت «أم حمد» إلى الإسراف والتبذير غير الطبيعي على الطعام وإقامة ولائم الفطور والسحور، إضافة إلى تسكع الشباب في سياراتهم مع إعلاء صوت المسجل والتحدث بصوت عالٍ أثناء أداء صلاتي التراويح وقيام الليل ما لا يتوافق مع حرمة وقدسية الشهر الكريم الذي لا يأتي إلا مرة واحدة في السنة..

فضلاً عن تنظيم المهرجانات والتسابق الكبير في عرض الدراما التلفزيونية وظاهرة التسول. منوهة إلى أنها صادفت أن شهدت شهر رمضان خارج الإمارات وتحديداً في تايلند وماليزيا، فكانت تجربة رائعة جداً بمعنى الكلمة، وتكاد تشعر فيه أن كل ركن من هذين البلدين وبخاصة ماليزيا ينطق بفضل وروحانية الشهر الكريم، إلا أن رمضان الإمارات هو الأجمل والأغنى، على حد وصفها.

Email