الجزيرة الحمراء.. حكاية من الزمان القديم

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

جميل ان تنتقل من مكان إلى آخر بحثا عن مدينة حاضرة بماضيها ومعالمها القديمة، أن تتنقل بين منطقة ارتبطت بالتاريخ وأخرجت معالمها الحضارية من باطن الأرض، وبين مكان هجره الإنسان فسكنه الجانّ كما يقول بعض سكان الجزيرة الحمراء في إمارة رأس الخيمة، هذه الجزيرة كانت حتى الأمس البعيد إحدى المناطق المأهولة بالسكان، وعاش سكانها على أعمال الملاحة البحرية وتجارة اللؤلؤ قبل أن يهجروا منازلهم في منتصف القرن العشرين عندما بدأت الدولة تشهد مرحلة التطور والبناء، وانتقلوا إلى المباني الحديثة بالقرب منها أو في مناطق مختلفة في إمارات الدولة.

وبالرغم من هجرها لكن تبقى عناصر المدينة التقليدية واضحة في الجزيرة الحمراء، بما فيها القلعة التي استعملت في الماضي للأغراض الدفاعية والسوق الصيفي، ومساجد عدة أصبحت من الأطلال بما فيها مسجد البحر والجامع الكبير، ونماذج مختلفة من المنازل القديمة التي كان يسكنها البسطاء والأغنياء من أبناء الجزيرة، ومازال هناك أكثر من مئة منزل بني على الطراز التقليدي فيها، ومع أن بعضها بدأ بالانهيار، إلا أن البعض الآخر ما زال يحتفظ بحالة أفضل، والحقيقة المرة ان الجزيرة الحمراء أصبحت شيئا من الماضي وأطلالا شاهدة على التاريخ. الوصول إلى الجزيرة الحمراء يمر عبر طريقين الأول طريق الإمارات السريع.

والآخر الطريق القديم الذي يربط إمارات عجمان بأم القيوين ورأس الخيمة، وقبل ان تصل إلى الجزيرة لا بد من المرور عبر مناطق (أم الثقوب والراعفة) وهي مناطق نائية في إمارة أم القيوين، ثم المرور على منشآت سياحية ضخمة في المنطقة الواقعة بين إمارتي أم القيوين ورأس الخيمة وهي منشآت تعكس مدى التطور الذي تشهده كافة إمارات الدولة. بعد وصولنا استمررنا ثلاث ساعات في التجول عبر أزقة وأحياء الجزيرة.

ووقفنا على أطلالها وسكونها وصمتها المرعب الذي يوحي بأن سكانها الأصليين تركوها ليسكنها الجانّ كما قال لنا البعض عندما التقيناهم وهم من السكان القدامى، والبعض اعتبر ذلك من الأساطير القديمة التي تروى من قبل البعض، إلا أننا وللحقيقة وجدنا هناك أفرادا بعدد أصابع اليد الواحدة يسكنون بعض البيوت التي ما زالت صالحة للسكن، في جولتنا هذه سوف نكتشف حقيقة هذه الجزيرة وسبب هجرها من قبل سكانها الأصليين.

الحكاية

بداية يقول محمد أحمد جاسم الزعابي من سكان الجزيرة القدامى: الجزيرة الحمراء كانت تسمى سابقاً (جزيرة الزعاب) نسبة لساكنيها الذين هم جميعا من قبيلة الزعاب، وهي في نظر الكثير معلم أثري سياحي يحتوي على الكثير من المباني القديمة التي سكنها الآباء والأجداد قبل عشرات السنين، وهي تتكون من مساكن مهجورة وبيوت تحمل أسماء كبار التجار فيها مثل بيت أحمد بن عمران و شقيقه عبدالله بن عمران وعبيد احمد والعثيم وإبراهيم علي وغيرهم.

ويعتبر بيت بن عمران من أشهر معالم الجزيرة وهو مسكن بناه بنفس طريقة بيوت تجار اللؤلؤ في الخليج، حيث يتألف من طابقين، ومعظم البيوت لا تتجاوز هذا الارتفاع، واستعمل البناؤون القدماء الطين الأحمر والجص في تشييد البيوت التي بني معظمها من الحجارة المرجانية والأحجار الصدفية، وقد اكتشف خبراء المعمار في ذاك الزمان قدرتها على العزل الحراري حيث توضع الأحجار كطبقات، ويتم تقويتها بجذوع النخل والأخشاب، ويتم بناء السقوف باستخدام أخشاب الجندل أو البامبو (المستوردة من الهند وأفريقيا).

وكانت ترص على مسافات متساوية ويعلوها طبقات من الدعن أو الحصير وطبقات السقف التقليدية، لكن سكان الجزيرة تركوا بيوتهم القديمة بكامل مرافقها السكنية القديمة ودور العلم ومساجد العبادة والدكاكين، قبل نحو خمسين عاما ولا نعرف سببا لذلك، مع ان الحياة كانت زاهية في الجزيرة، ويحيط بها خور مائي من كل الجوانب، إلى جانب تميزها بتربتها الخصبة حمراء اللون ومنها أخذت الجزيرة اسمها المعروف لليوم.

ويضيف مطر بن حميد الزعابي من سكان الجزيرة القدامى قائلا: القرية القديمة في الجزيرة الحمراء، بدأ صمود بيوتها ينفد، وقسوة طينها المحروق تلين، وصارت الريح تعبث بأدق بتفاصيلها، وهناك البناء الحصين الذي يعود لأحد تجار المنطقة، ورغم أن ما بقي منه جزء بسيط، لكنه ما زال يرمز إلى تلك المرحلة المهمة من حياة الجزيرة، وهو يتألف من برجين أحدهما دائري والآخر مستطيل يحكيان بصمت تفاصيل معارك دارت بين أبناء رأس الخيمة والاستعمار البرتغالي.

وهناك أيضا مجمع سكني قديم من بيوت عديدة بأبراج مستديرة ومختلفة كان يقطنها يوما تجار الجزيرة الحمراء والأسر البسيطة، ويمكنك أيضا أن ترى المسجد ذا المئذنة الخاصة، بالقرب من منطقة السوق وما يميز هذا المسجد أن مئذنته بنيت بشكل مخروطي ومنفرد في نمط بنيان لم يكن شائعا آنذاك في الخليج. هذه الجزيرة برية وبحرية في الوقت نفسه، وأصحابها الذين عاشوا فيها في السابق معروفون ولهم تاريخهم المعروف أيضا.

وإن أردت وصفهم على أنهم أهل بحر فهم كذلك، وإن أردت وصفهم على أنهم أهل بر فهم أيضا كذلك. إن مارسوا أعمال البحر أجادوها وكذلك الأمر بالنسبة للأعمال البرية، وكان لهم تاريخ طويل في رحلات الغوص والملاحة البحرية وإن رجعوا إلى البر يرعون إبلهم وحلالهم كما في الصحراء والبادية.

هذه المنطقة لا يمكن القول الآن إنها مهجورة بل ما زال قليل من سكانها يقطنونها، والبعض الآخر يتردد إلى بيوته الموجودة فيها بين الحين والآخر، لكن معظم البيوت في الجزيرة أضحت أثرا بعد عين، ولم يبق من معظمها سوى أطلال بسيطة لجدران مهدمة.

Email