مدرسة البنات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أثناء فترة الدراسة، كان ينتابنا نحن الطلبة الذكور نوعاً من الإحساس بأن الشقاوة والمشاغبة في المدرسة تقتصران علينا فقط، لم نكن نتصور حينها أن الطالبات لديهن نوع من أنواع المشاغبة ولكن بصورة أقل منا، كان الاعتقاد السائد بأنهن ناعمات دلوعات ينطبق عليهن الأغنية التي غنتها سعاد حسني «البنات ... البنات ألطف الكائنات»، بعدها علمنا أن شقاوة الفتيات لن تكن تقل شقاوة عنا في بعض الأحيان.

عند الصباح وقبل بداية الطابور الصباحي تتوزع الطالبات على المكان المخصص لكل فصل، المجتهدات في أول الطابور، والمشاغبات يقفن في وسط الطابور في بعض الأحيان كي لا يتم اكتشافهن، أما الطالبات اللواتي لا من هذا ولا من ذاك فيقفن في آخر الطابور، كان الطابور فرصة عظيمة لتنفيذ العقاب على الطالبات اللواتي يخرقن النظام أو قمن بأفعال شنيعة على مستوى المدرسة.

كان يتم التفتيش على نظافة الطالبات بداية من الأظافر واليد بصورة شبه يومية، صبغ الأظافر والحناء كان من المحرمات وممنوع ممنوعاً منعاً باتاً إلا في حالة وجود مناسبة مثل زفاف أو غيره، وإلا فالعقاب حاضر وموجود رغماً عن التوسلات والدموع، أما التفتيش على الشعر فغالباً ما كانت تقوم الممرضة في الصفوف باستخدام قلمين لفرق شعر الرأس، وفي بعض الأحيان كان يتم التفتيش عشوائياً أثناء الطابور الصباحي، لحظتها يتحول الموضوع إلى فضيحة عندما يتم اكتشاف القمل والصيبان في رأس عدد من الطالبات، ليتم عزل وتوزيع أدوية مكافحة القمل عليهن ويا فضيحة ما بعدها فضيحة.

تعامل المعلمات مع الطالبات لا يختلف عن تعامل المعلمين مع الطلبة، أسلوب يختلف من معلمة إلى أخرى، ما بين الشدة واللين، والضرب واستعمال الكلمات الجارحة وغيرها مثل تحفة وديكور وجزمة التي لا بد أن تكون من ضمن القاموس اليومي الذي تسمعه الطالبات. كان العقاب على عدم أداء الواجبات دستوراً يجب تنفيذه، قد يكون الضرب بالمسطرة الخشبية على اليد، وقد تخصم الدرجات مع مجموعة محددة من الشتائم، وقد تصرخ المعلمة بأن الجدار يحتاج إلى قليل من الديكور بوقوف عدد من الطالبات قرب السبورة أو بجانب سلة المهملات. بعض الطالبات كن بارعات في الهروب من العقاب، فالتعلل الأول يكون بادعاء المرض كأن الواحدة منهن على وشك الموت، وغالباً ما ينجح هذا الإدعاء خاصة عندما تلقي الطالبة بنفسها ليندفع الجميع لحملها إلى العيادة، ثم تقرر بعدها هل تستمر في التمثيلية التي قد تحصل بسببها على جائزة الأوسكار، أو تنهض للتجول في المدرسة حتى انتهاء الحصة.

حصة الرياضة كانت مكروهة عند الكثيرات، وتبدأ الغيرة من الطالبات اللواتي لديهن أعذار مرضية، طالبة استعانت بالخطاط لتصدر لنفسها شهادة طبية كي تقدمها وتتخلص من الرياضة، وطالبة أخرى تدعي في كل حصة بأنها مصابة بالإسهال والعديد من الأعذار المتشابهة.

حصة الموسيقى كانت تستهوي القليلات فقط، تبتسم الطالبات أمام المعلمة ثم ينهمكن في الثرثرة أو مغادرة غرفة الموسيقى حين تعلق المعلمة بين ألحان البيانو (تا فا تيفي تتا تا) والتصفيق بإصبعين فقط لا غير. كان من النادر جداً في فترة الثمانينات أن نسمع عن طالبة هربت من المدرسة، ولكن سمعنا عن فئة تتسلق الجدران لتستمتع بمنظر الشارع خلف المدرسة، وهناك من تسلقت الجدار لأنها على موعد للقاء أحدهم، هي فوق الجدار وهو يتحدث معها جالساً على الرصيف، وفئة ثالثة لا يحلو لها تناول السندويتشات إلا على جدار المدرسة، ثم يكون العقاب بالتوبيخ والوقوف تحت سارية العلم أمام الجميع أو بإبلاغ ولي الأمر وعندما يتكرر الخطأ يتم فصل الطالبة فصلاً تأديبياً لمدة ثلاثة أيام.

الإعجاب بين الطالبات كان موجوداً بصورة قليلة، طالبة تعجب بأخرى لأسلوبها في الحديث أو لخفة دمها وتصرفاتها المضحكة أو لموهبة معينة كالغناء والتقليد، كان إعجاباً بالشخصية ذاتها، وكان هذا الإعجاب يقل كلما تقدم العمر بالطالبات، ولم تشهد تلك الفترة سلوكيات تلك الفئة الشاذة المعروفة باسم البويات، نعم كان هناك إعجاب وحب متبادل بين البعض ولكنه كان بريئاً ويزيد من خجل البنات ويفجر أنوثتهن أكثر. قصص المدرسة كثيرة ومتنوعة، وأجمل ما فيها أنها ظلت حبيسة الجدران وبقيت تفاصيلها خالدة في الذاكرة حتى الآن!

 

almzoohi@

Email