عصا وخيزرانة ومسطرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

عشنا حالة من الرعب أثناء فترة الدراسة خاصة في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، أغلب المدرسين مارسوا الضرب المبرح علينا باستخدام العصا والخيزرانة والمسطرة وفي أحيان أخرى باليد المجردة، ولا تستبعد أبداً أن تسدد لك لكمة لا تختلف عن اللكمة التي كان يسددها محمد علي كلاي في عزه.

وأسوأ ما لا يمكن تخيله عندما تتعرض للضرب في أيام الشتاء الباردة، تشعر بحرقة لحظتها كأن أحدهم قد كوى يديك بشيء حارق أو على الأقل الجزء الذي تأثرت به الضربة، وكم عانينا من هذا الضرب، ولكن لم نكن نستطيع أن نشتكي في تلك الأيام فلم يكن لنا في مواجهة المدرسين حول ولا قوة.

يدخل مدرس اللغة العربية الأستاذ علي إلى الصف، قيام جلوس.. قيام جلوس، قبل أن يبدأ بالشرح يقوم بتلك الجولة التفقدية علينا، حاملاً عصاه للتأكد من تأدية الواجب المدرسي الذي كان في أغلب الحالات نسخ الدرس خمس مرات، ويا ويلك ياللي تعادينا يا ويلك ويل إذا لم تكن قد نسخت الدرس.

سيكون العقاب الضرب على راحة اليد بالتناوب بين اليد اليمنى واليسرى، قد تصمد من قوة الضربة، وقد تبكي وهي بكل حالٍ من الأحوال لن تعني توقفه عن الضرب، فالعقاب عند الأستاذ علي يساوي ضعف عدد مرات النسخ!، يضرب وأنت مع كل ضربة تشفط الهواء ليصبح فمك مثل حيوان آكل النمل لحظتها، وعندما ينتهي من المجزرة يستريح قليلاً، ليريح يده اليمنى، ثم يبدأ في شرح الدرس على بركة الله.

يأتي بعد ذلك دور الأستاذ راسم مدرس الرياضيات الذي كان يرسم بعصاه الغليظة والقصيرة على أيادينا وأرجلنا فتمكنا من حفظ جدول الضرب كاملاً وقتها، لم نكن نستطيع الرد عليه فقد كان قصيراً مفتول العضلات يشبه أحد المصارعين المشهورين في تلك الفترة، يرتدي قميصاً قد فتح نصف صدره ليلقي في أفئدتنا الرعب كلما دخل إلى الفصل ليشرح الدرس لنا.

وبعد الفسحة يكون ضيفنا الثقيل الأستاذ أحمد مدرس اللغة الإنجليزية، يحاسبنا الأستاذ أحمد بشكل شبه يومي على قائمة الكلمات الإنجليزية الجديدة التي يجب أن نضعها في جملة مفيدة، لم يكن يحمل العصا أو يستخدمها، بل كان يسأل الطالب تلو الآخر، وعندما نفشل في الإجابة يطلب منا الانحناء ليضربنا على ظهورنا، آه من تلك الضربة التي أتذكرها جيداً خاصة وأني كنت من الطلبة الذين يجلسون في الصفوف الأمامية، هذه الضربة قد تؤدي إلى تقيؤ كل ما تناولته في الفسحة أو ستضطر لامساك ظهرك من قوة الضربة، وقد يكون الأستاذ أحمد متعباً، هنا الوضع أقل وحشية وأكثر حنية عندما يوكل أحد الطلبة لضربنا على ظهورنا بدلاً منه.

لم يكن وقتها قد تم منع الضرب في المدارس، كنا نخاف من المدرسين والمشرف وناظر المدرسة، العقاب أولاً ثم تأتي النصيحة بعد ذلك، كانت الأساليب قاسية في التعليم، ومن يجلس في الصف الأول يكون أكثر عرضة لغبار الطباشير أو الضرب، وفي أفضل حالات العقاب يكون الوقوف بجانب سلة المهملات مع رفع اليدين أحياناً أو مواجهاً الجدار دون أن تستطيع رؤية أي شيء.

خلال تلك الفترة استفاد البعض من العقاب رغم انه كان مبالغاً فيه أكثر من اللازم، كما تسبب في هروب الكثيرين لمقاعد الدراسة، حتى أهالينا كانوا يقفون مع المدرسين ضدنا ويكررون تلك الجملة الشهيرة عندما يحضرون للمدرسة: لا تسلم منه إلا عيونه.

رغم قلة الإمكانيات التعليمية في ذلك الوقت استفدنا منها دون مساعدة من أحد، تخرج العديد منا وهو يجيد الكتابة باللغة العربية، وكان مستوى التحصيل على مستوى المواد الأخرى مقبولاً نوعاً ما، مما أهّل العديد منا للالتحاق بجامعة الإمارات والجامعات الأجنبية.

والآن أصبح كل شيء متاحاً لطلبة هذه الأيام، فصول مريحة وبيئة مناسبة، ومع هذا نجد العديد منهم يفتقرون لأساسيات اللغة العربية وباقي المواد، تنقصهم الثقافة رغم سهولة الحصول على المعلومات، جيل لا يريد أن يتعب نفسه بل يفضل الاتكال على الآخرين في معظم الأشياء، آه لو كان الأمر بيدي لاستنسخت العديد من المعلمين من ذلك الزمن الجميل، ولجعلت الطلبة يعيشون في ذلك الزمن الذي لن يتكرر بوحشية بعض المعلمين وأمزجتهم المتقلبة.

 

almzoohi@

Email