27 عاماً عضواً وأميناً عاماً للمجلس الوطني الاتحادي

محمد سالم المزروعي شاهد على نجـــــاح التجربة البرلمانية في الدولة

ت + ت - الحجم الطبيعي

منارات شامخة في حاضر الدولة، وقناديل مضيئة أمام الأجيال.. رجال ونساء تركوا بصماتهم العطرة سيرة كفاح ورحلة نجاح، لم يعرفوا اليأس يوم أن كانت ذات اليد قليلة، ولم يعرفوا الغرور يوم أن أضحت نسائم النجاح عليلة.. في جعبة كل واحد منهم آلاف الذكريات، وفي كلماتهم آلاف العبر.. نقف كل يوم عند محطة جليلة لقامة إماراتية كبيرة.

هو أحد الشخصيات الوطنية التي التحقت بالعمل العام وخدمة الوطن في مرحلة مبكرة من حياتها وعقب تخرجه مباشرة من كلية القانون والسياسة بجامعة بغداد، والتي بدأها الدكتور محمد سالم المزروعي في العمل الإعلامي صحافياً في صحيفة الاتحاد ثم عضواً في المجلس الوطني الاتحادي في الفترة من 1984 إلى 1991 والذي كان أصغر عضو في المجلس في تلك الفترة، وليواصل دوره في العمل السياسي والبرلماني بتعيينه أميناً عاماً للمجلس الوطني الاتحادي في العام 1996 والذي لايزال مستمراً حتى الآن، ولأكثر من عشرين عاماً شهدت خلالها تلك المؤسسة العريقة بالدولة تطورات كبيرة جعلتها إحدى أهم المؤسسات البرلمانية في المنطقة والدول العربية والعالم.

مرت حياة الدكتور المزروعي بالعديد من المحطات التي أثرت تجاربه وأغنتها وجعلته أحد أهم خبراء إدارة المؤسسات البرلمانية، والذي أسهم بخبراته وحنكته في توفير كل مقومات تطور المجلس الوطني الاتحادي، ليقوم بدوره التشريعي والرقابي بكفاءة واقتدار ليكون مشاركاً ومساهماً وشاهداً على نجاح التجربة الديمقراطية في الدولة لفترة تصل لأكثر من 27 عاماً.

المولد والدراسة

الدكتور محمد سالم المزروعي من مواليد منطقة الجميرا بدبي، والتي كانت حتى قبيل سنوات السبعينيات من المناطق البعيدة إلى حد ما عن مركز دبي، وتتكون من عدد من المناطق «الفرجان» تفصلها مساحات خالية تغطي معظم أراضيها أشجار النخيل تقريباً من الشارع الذي يفصل شمالها عن جنوبها، والذي لايزال الطريق الموصول بين أطرافها إلى الآن، ودرس في مدرسة آل مكتوم بالجميرا، حتى الصف السابع ثم انتقل إلى مدرسة الشعب، حيث كان عدد الطلبة في مدرسة آل مكتوم لا يتعدى 13 طالباً، ولمدة عام دراسي واحد، ثم الانتقال إلى مدرسة جمال عبدالناصر كأول مدرسة ثانوية في «بر دبي»، حيث كان كل الطلبة قبل هذه السنة يدرسون الثانوية في ثانوية ديرة.

التحق بعد التخرج بجامعة بغداد، كلية القانون والسياسة، وقتها كانت بغداد تعج بالحياة، التي لم تكن سهلة لطبيعة البلد لكن مستوى الدراسة والالتزام كان مرتفعاً، فبغداد تتميز بأنها العاصمة التي تقرأ في عصر كانت بيروت تطبع لذلك كان الجو العام مساعداً جداً ليس في التحصيل التعليمي، ولكن في الجو الثقافي والنقاش حول القضايا العربية العامة مرتفعاً وفي كل مكان.

في السنة الدراسية الأخيرة كانت الحرب العراقية الإيرانية قد بدأت وذلك في 1980، وكان الجو العام مشحوناً ومتوتراً، وحتى مخيفاً لكثرة أعمال العنف، والاغتيالات ونقص بعض الخدمات حتى إنه لا تتوفر كهرباء طوال الليل، ولعل من الذكريات التي لاتزال عالقة في الذهن أن اليوم الأخير للامتحانات، وبعد أن انتهينا من أدائها وكنا في ناحية من نواحي بغداد، في السنة النهائية التي شهدت ساعتها قصف الطيران الإسرائيلي للمفاعل النووي العراقي، حيث أصبح جو العاصمة العراقية لهيباً، فالرصاص في كل مكان.

جدية ومثابرة

ويتابع قائلاً: إنه مع كل هذه الصعوبات، فقد كانت بغداد فرصة لتكوين الأصدقاء الذين لا يزالون ملء القلب، هم شباب واعد من الإمارات، تميز بالجدية والمثابرة، هذه الصحبة الخيرة التي عرفت معنى الصداقة الحقيقية، وتولت بمجرد تخرجها مسؤوليات في الدولة وأصبح العديد من خريجي بغداد في مناصب وزارية أو وكلاء وزارات أو أعضاء في المجلس الوطني الاتحادي.

وأكمل المزروعي مرحلة الدراسات العليا «الماجستير والدكتوراه» في جمهورية مصر العربية مركزاً على دراسة المؤسسة التشريعية «البرلمان»، والذي استحوذ اهتمامه العلمي منذ أن تم تعيينه في المجلس الوطني الاتحادي عضواً عن إمارة دبي في الفصل التشريعي السادس عام 1984 واستمرت عضويته حتى العام 1991 وتعيينه بعد تلك الفترة أميناً عاماً للمجلس عام 1996 حتى الآن وأرجع سبب اختياره لهذا التخصص كونه مجالاً بكراً يحتاج إلى متخصصين لما له أهمية وتأثير على القطاعات المجتمعية الأخرى، ولبعده المستقبلي.

العائلة

وللدكتور محمد المزروعي 6 من الأبناء والبنات أربع، منهم أكملوا تعليمهم الجامعي، والآخرون أحدهما في الجامعة والأصغر في المدرسة، وأنه ركز كثيراً في تربية أبنائه على الجوانب السلوكية واهتمامهم بدينهم وقيم مجتمعهم الأصيل، حيث كان التعليم ولايزال بالنسبة له همّاً كبيراً كنت أدفعهم إليه، عن إيمان بأن مستقبل هذه الدولة في أبنائها المتعلمين القادرين على جعل الإمارات في المكانة التي تستحقها بين الدول.

الوظيفة والعمل

ويقول محمد سالم المزروعي إنه بعد تخرجه من الجامعة كانت أبواب الوظيفة العامة مفتوحة والفرص كثيرة، وفي مجالات متعددة لكنه فضل الالتحاق بالعمل الصحافي في صحيفة الاتحاد، والتي كان يترأسها حينذاك الأستاذ خالد محمد أحمد، الذي عمل جاهداً على توطين المؤسسة ووجد في العمل الصحافي مجالاً خصباً للعمل المتجدد، وفرصة للكتابة، حيث استطاع في مدة قصيرة في عمره الوظيفي في المؤسسة والتي لم يعمل بها أكثر من سنتين، أن يكون له عمود يومي باسم «غواص» إلى جانب كتابة الصفحة الأخيرة في الصحيفة ليوم الأربعاء تحت عنوان «واحة الاتحاد»، مشيراً إلى أن الكتابة كانت تستهويه ويجد فيها متعة كبيرة، وفرصة للتعبير عن الذات سواء في قضايا الوطن أو في مجالات أخرى.

عضو المجلس الوطني

ويضيف أنه تم تعيينه في العام 1984 عضواً في المجلس الوطني الاتحادي عن إمارة دبي في الفصل التشريعي السادس رغم حداثة سنه في تلك الفترة، لكن طبيعة الحياة التي عشاها، واهتمامه المبكر بالقراءة والاطلاع كانت العون له لكي يثبت وجوده، مشيراً إلى أن المجلس الوطني في هذه الفترة كان يحفل بالعديد من الأسماء الوطنية التي خدمت الدولة في مجالات عدة، وأصبحت قاعة المجلس مكاناً لخدمة مواطنيها من خلال مناقشة قضاياهم موضحاً أن المؤسسة الوطنية التي تمثل شعب الإمارات، هي الوحيدة التي تجد لأبناء كل إمارة من إمارات الاتحاد مساهمة فيها، وأن وجود أي مواطن في هذه المؤسسة المهمة سواء في الدستور أو في فكر الآباء المؤسسي، وعلى رأسهم المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، شرف كبير له، فهو في خدمة وطنه ومواطنيه متى ما كان هدفه ذلك.

ويشير المزروعي إلى انه، مر على هذا المجلس رجال ونساء عملوا بجد وإخلاص بأن تكون الإمارات أفضل وجميع مواطنيها أسعد، مارسوا عملهم بما لديهم من صلاحيات، مسجلاً كلمة اعتزاز للمؤسسين من أعضاء المجلس في فصوله التشريعية الأولى، وفي بدايات قيام الدولة، حيث كان العمل منصباً من قيادة الدولة على بناء الاتحاد في ظل ظروف صعبة، وكان للمجلس دور كبير في هذا الميدان، فصعوبة الوصول إلى مقر المجلس، وشح الإمكانيات المتوفرة لم يمنعاهم من أداء عملهم الوطني على أكمل وجه.

ويؤكد الأمين العام للمجلس الوطني الاتحادي أن المجلس كان فرصة ذهبية وتاريخية بالنسبة له ويعتقد أنه كان محظوظاً في أن يكون في هذا المكان ويلتقي ويعمل مع أناس أثروا كثيراً في حياته ورؤيته للأمور والتعامل معها، مشيراً إلى أنه المكان المثالي لمن أراد الاستزادة علماً ودراية بالتشريعات وقضايا الوطن، إضافة إلى الكم الهائل من المعلومات والبيانات التي تصل إليه من جهات حكومية وأهلية، ناهيك عن أن قاعة المجلس تعوّد الإنسان على الاستماع إلى الرأي الآخر ومقارعته بالحجة والبرهان، وتقبل النتائج وإن كانت مخالفة، فالقاعدة الذهبية التي يقوم عليها العمل البرلماني أن النقاش للجميع والقرار للأغلبية، لذا كان همه وتركيزه على البحث العملي باعتباره القاطرة التي يمكن أن تدفع العمل إلى الأمام، وهذا لن يتم من دون إيجاد باحثين مواطنين يقومون بهذا العمل الوطني، لذلك ركز على أن تكون مؤسسة الأمانة العامة للمجلس مؤسسة متعلمة؛ فاهتم بالعنصر الوطني وأوجد بالتعاون مع زملائه جيلاً مواطناً باحثاً قادراً على صنع الفارق.

شخصيات ومواقف

ويرى أن وجوده في المجلس كان فرصة كبيرة ونادرة أتاحت له تكوين علاقات عديدة ومتشعبة والتعرف إلى العديد من الشخصيات التي أثرت الحياة في الدولة، وكانت لها مساهمات كبيرة في حياة الإمارات من رؤساء المجلس وأعضاء الوزراء ومسؤولين في مختلف القطاعات، وقبل ذلك أصحاب السمو الشيوخ، ولعل اللقاءات التي حظي بحضورها مع المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، من الذكريات والمواقف التي لا تمحى من الذاكرة الذي كان ينظر إلى المجلس ودوره بكل إكبار، ويحث أعضاءه على المزيد من العطاء خدمة لمواطنيهم، ويتذكر منها اللقاء الذي برز على إثره المشروع الاجتماعي الرائد «مشروع الشيخ زايد للإسكان» عندما قامت هيئة مكتب المجلس في ذلك الوقت بتسليم الرد على خطاب الافتتاح لصاحب السمو رئيس الدولة. والذي جاء في إحدى فقراته الدعوة إلى إسكان المواطنين؛ فكانت المبادرة المباركة من الشيخ زايد، رحمه الله، في أن يرى المشروع النور، واستمر بفعل رعاية القيادة له حتى الآن.

القراءة والسفر

بدأ الدكتور المزروعي هوايته للقراءة في مرحلة عمرية مبكرة ولاتزال مستمرة لأنه وجد المناخ المناسب والخصب لممارسة هذه الهواية، حيث حظي المواطنون بفرص كبيرة أتيحت لهم، شجعتهم على القراءة كتوفر الكتب مقارنة بالماضي، لذا فإنه يدعو الجميع للاهتمام بهذا الجانب لما له من نتائج إيجابية على صعيد الفرد والمجتمع، مشيراً إلى أنه يهوى كذلك السفر وأتيحت له الفرصة ليزور العديد من البلدان سواء في السفر الرسمي أو الشخصي وأنه يعتبر السفر فرصة ليس للترويح عن النفس بعد عمل طويل ومرهق بل فرصة لمعرفة ثقافة الشعوب ومشاهدة الطبيعة وللوجود مع الأسرة.

ذكريات رمضانية

عن ذكرياته في شهر رمضان المبارك يقول الدكتور محمد المزروعي إنها ككل شيء فقد تغيرت أيام وليالي رمضان، ولكن والحمد لله لايزال مجتمع الإمارات محافظاً على قيمه الموروثة، متراحماً ولاتزال لياليه فرصة للقاء الأهل والأصدقاء، وعلى الرغم أن الناس كانوا أكثر بساطة من الآن إلا أن رمضان هو الشهر الوحيد الذي يذكرنا بالماضي لطبيعته وطقوسه الحياتية.

Email