الإعلام رسالة تسامح وتعايش

ت + ت - الحجم الطبيعي

«إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».. دستور جليل وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم، يحمل في طواياه معاني التسامح والتعايش، ويرسم خارطة للإنسانية جمعاء محورها قبول الآخر، ويبني مستقبلاً للمجتمعات لا يعرف الإقصاء. على امتداد الشهر الكريم نستشف عبق الأريج الإنساني في رسالة الإسلام، ونقف عند شخصيات من تاريخنا حققت معادلة الإيمان والإحسان.

الإعلام هو من أكبر المؤسسات التي تسهم المساهمة الأساسية في التأثير على المجتمعات، سواء كان التأثير إيجابياً أو سلبياً، وكلنا رأى ما حدث فيما يسمونه «الربيع العربي» وكيف استغلت بعض القنوات الإعلامية المحرضة هذا الأمر وشاركت في هذه الثورات، ولكن عن طريق المنابر الإعلامية إلى أن صار ما صار، وتشتت من تشتت، فمنهم بعد ذلك من أقر بخطئه وسحب يده، ومنهم إلى يومنا هذا مازال شعلة في نشر الشر والفتن على الناس، كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: «إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبي لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه»، هذا الحديث يبين لنا خطورة من كان يمشي بالشر وينشر الشر، ويبين لنا أيضا فوز وسعادة من كان الخير على يديه وينشر الخير والسلام بين الناس، والإعلام هو أوسع نطاق النشر في عصرنا، بشتى أنواعه ومجالاته بما في ذلك مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات والصحف والمجلات والمؤتمرات وغيرها.

ومن نظر حول الفكر التكفيري والمخرب الذي يدعو للعنف والتفجير ويخالف مفهوم التسامح، سيجد أن هذه المنظمات كرست جهدها في الطرق الإغوائية عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع الفيديو وبعض القنوات وغيرها، ويعتبرون ذلك من أقوى الأمور التي تجلب إليهم الشباب من أنحاء العالم، بل وصل بهم الحال أن يدخلوا على أبنائنا عن طريق الألعاب المحببة إلى الأطفال، ومن هنا يظهر لك جلياً أن التحدي على الإعلام كبير جداً، وأن دورهم من الأهمية بمكان في نشر التسامح الذي غاب عن هذه المنظمات، ويؤكد هذه الأهمية الاهتمام الكبير التي تقدمه حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة، حرسها الله، بالإعلام لإيمانها أن الإعلام إذا كان هادفاً ومعتدلاً كان المجتمع معتدلاً أيضا، وهذا ما نشرته الصحف المحلية والعالمية عن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، حفظه الله، عندما قال: «الإعلام درع الأمة» وأكد حاجة المنطقة إلى خطاب إعلامي متوازن ومعتدل يخلو من المغالاة، موضحاً أن الخطاب الإعلامي المتوازن هو الجسر الأهم لعبور التحديات وهو القادر على تحويل المحن إلى منح، والتحديات إلى فرص، والمصاعب إلى اختبارات، ودعا أصحاب الأقلام الشريفة أن يشهروها سيوفاً ماضية للدفاع عن الحق في وجه قوى الشر، وأن يجعلوا من تلك الأقلام مشاعل حق تتبدد معها ظلمة الباطل.

وللأسف فإن بعض الجهات الإعلامية تعتبر الحرية هي في الخوض في كل الأمور بغض النظر عن أبعادها، وهذا يخالف أمانة هذه المهنة، بل الإعلامي من المفترض أن يكون أشد الناس حرصاً في انتقاء كلماته، لأن كلماته وكتاباته تخرج سيفاً، ولكن هل هذا السيف يكون في الحق وردع الباطل، أم أنه سيف فتنة ومحنة وفرقة، يقتل به الحق ويترك به الباطل وأهله! فالاتزان مطلوب، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً، فالحكيم هو الذي يدرس أبعاد القرار والكلام قبل بثه للآخرين، وها هو النبي، عليه الصلاة والسلام، عندما قالوا له: ألا تقتل هذا المنافق؟ فقال: «لا، حتى لا يقال إن محمداً يقتل أصحابه»، كان باستطاعته أن يقتله وسيجد الصحابة الكرام جميعهم في صفه، إلا أنه نظر إلى العاقبة والنتيجة، فقد يحمل هذا الفعل بعض الأبعاد الخطيرة والسلبية على البعض. ويكفي ذلك إشارة للمعتبر، ويكفي ذلك بياناً للمنصف.

وفي الأخير ومع نهاية هذه المقالات الرمضانية أقدم شكري الجزيل لجريدة «البيان» لاهتمامها بالتسامح، وإلحاق الجريدة بملحق يومي بعنوان «رمضان التسامح» وهذا ليس غريباً عن تلك الجريدة العريقة، وعن إعلام الدولة أجمع، ومازال الشخص المعتدل يؤمن بأن الإعلام هو الداعم الأساسي للنجاح والاستقرار.

شكراً «البيان التسامح».

* رئيس شعبة إدارة الجلسات الأسرية في محاكم دبي

Email