#روائع_الاستنباط_من_القرآن

أسرار الاقتران في القرآن 3-3

ت + ت - الحجم الطبيعي

إنّ الإيمان في القرآن الكريم مرتبط بالعمل ومقترنٌ به لا انفكاك بينهما في مواضع كثيرة من الآيات المكية والمدنية وما هو إلا تأصيل لارتباط الأقوال بالأفعال والجِنات بالأركان وإن دعوى الإيمان مجردة عن الاستجابة لأوامر الله واجتناب نواهيه دعوىً مردودة فإن المحب لمن يحب مطيع ولا يصدق القول إلا العمل.

إن الكلام لفي الفؤاد وإنما.. جُعل اللسان على الفؤادِ دليلا

بل الأعمالُ الصالحة سببٌ لزيادة الايمان، والارتقاء بصاحبه إلى مقاماته العالية التي تحمله إلى درجة الاحسان والتقوى والشكر، ومِنْ هنا كان الأنبياءُ أكثرَ الناس عملاً ومجاهدةً في الله، وكذلك الأعمال السيئة فإنها تجرح الايمان وتنقصه فيتخلط نورُ الطاعة بظلمة المعصية، وربما انعكست على مظهره ومخبره، فإذا ما تمادى مصرا مستكبرا ربَّما قاده ذلك إلى سوء خاتمة وبئست العاقبة.

وللاستدلال على هذا العلم القرآني يحلو لنا أن نولي وجوهنا شطر تلك الآيات التي تقرن بين الجنة والنار والثواب والعقاب أو بين تلك الآيات التي إذا ما انتهت بشديد العقاب تبعتها اللاحقة بالغفور الرحيم، ولا يُبالغ في الخوف إلى درجة القنوط من رحمة الله، بل الرجاء والخوف عندنا جناحان لطائرٍ واحد لا يستقيم الايمانُ إلا بهما معاً.

ولقد خَان البعض في سلوكهم إلى الله بالإفراط في أحد هذين المقامين العظيمين، وربما أنشأوا مريديهم على الخوف وحده فقادهم إلى خلل في السلوك وفي الطريق، ولكن حكَم ربانية في اقتران الرحمة الإلهية فضلاً منه ومنة بعذابه سبحانه، عدلاً منه وحكمة يستمد منها المنهج القرآني تربيةً وتهذيباً، تخليةً وتَحلية، فإنّ الأصلَ في صفات الله العلية هي الرحمة وما يَستلزمها من المغفرة والعطاء والمن.

ولذلك فإن كلمة الرّيح في كتاب الله ما إذا وردت في معرض النعمة والثواب ورَدت مفردةَ ﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ﴾ أما إذا وردت في معرض النقمة والعقاب وردت جمعاً ﴿َأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ﴾ إشارة إلى أن رحمة الله قد غلبت غضبه وأن نِعَمهُ سبحانه، قد فاقت نقمته وأنه سبحانه إن عاَقب بِمحْض عدله وإن جاوز ورحم فبِمحض فضله، وما عقوبة الله إلا صيحةٌ واحدة أو ريح واحدة عقيم ما أتت على شيء إلا جعلته كالرميم.

ومن هنا كان النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا ما هبت الريح قال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلا تَجْعَلْهَا رِيحًا) أي اجعلها نعمة وثواباً ولا تجعلها نقمة وعقاباً. ولذلك فإن الله سبحانه وتعالى في معرض منه على سيدنا نوح وقومه أشار إلى أنه نجاهم بمجرد ﴿ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ﴾ وكذلك نجى نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، بنسيج العنكبوت بينما لم تغن الحصون عن أولئك الذين ظنوا أنها مانعتهم من الله.

إن القرآن الكريم يُقرن بين الصبر والصلاة فهما أمران متلازمان لا يتم أحدهما إلا بالآخر.، قال تعالى ﴿َاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ﴾، ويقول تعالى: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾. ويقول تعالى ﴿َالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ﴾. فلا يكون الصبر جميلا لا جزع فيه إلا إذا اقترن بالصلاة فتنقلب مرارته إلى حلاوة.

الصلاة، الصبر والزكاة

الصلاة مقترنة بالصبر ومقترنة بالزكاة دائماً كما في قوله تعالى «وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاْةِ» فالأولى عبادة بدنية والثانية عبادة مالية لا يتم أحدهما إلا بالآخر، فالإسلام دين متكامل لا يتجزأ أبداً، ولذلك فإن سيدنا أبوبكر الصديق قد سَلَّ السيف على البغاة الذين فرقوا بين الصلاة والزكاة فهو أول من نبه إلى هذا العلم العظيم، وكذلك الصبر يقترن بالشكر في كتاب الله لأنهما جناحان متلازمان لطائر واحد ورأسه المحبة يطير بها إلى الله.

* أستاذ جامعي وإعلامي

 

Email