"معركة شذونة".. قلب الأندلس ينبض بالإسلام

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الثامن والعشرين من شهر رمضان عام 92هـ، وقعت معركة شَذُونَة على نهر لَكّة في الأندلس، بين المسلمين بقيادة طارق بن زياد، وبين لذْريق ملك القوط.

تعد «شذونة» من معارك المسلمين الفاصلة في الأندلس، وهي التي هيَّأت لفتح ذلك الإقليم العظيم، الذي أقام فيه أهل الإسلام حضارة تفيؤوا ظلالها قروناً من الزمن، حتى شاء الله وأفل نجمها بسقوط مملكة غرناطة آخر معاقل المسلمين في شبه جزيرة أيبيريا عام 1492م.

وقد ساعد المسلمين على فتح الأندلس ما كان في تلك البقاع من نزاعات بين حكامها وساستها، ما أسهم إسهاماً كبيراً في دخول المسلمين إليها فاتحين، وهذه الأسباب هي ذاتها التي أضعفت حكم المسلمين لهذا الإقليم وقوَّضت البناء الذي بنوه، بعد النزاعات والخلافات التي انتشرت بينهم.

البداية مع طريف

بعد الرحلة الاستكشافية التي قام بها طريف بن مالك، إلى ضفاف الأندلس، وبعد أن سلَّم يوليان ملك سبتة أموره لموسى بن نصير ووعده بمساعدته في فتح الأندلس، جهز موسى جيشاً من العرب والبربر يبلغ سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد الليثي، وكان يومئذ حاكماً لطنجة، وكان ذلك في شهر رجب سنة اثنتين وتسعين للهجرة.

لبث موسى حيناً بطنجة يهيئ عُدة الفتح، والظاهر أن يوليان وحلفاءه لم يقصدوا بدعوة موسى أن يمتلك العرب إسبانيا وأن يحكموها، بل كان مشروعهم أن يستعينوا بالعرب على محاربة الملك لذريق، لاستخلاص الملك لأنفسهم، وكان اعتقادهم أن العرب متى امتلأت أيديهم بالغنائم عادوا إلى إفريقية.

رؤيا طارق

كان طارق جندياً عظيماً ظهر في غزوات المغرب بفائق شجاعته وبراعته، وقدر موسى مواهبه ومقدرته واختاره لحكم طنجة وما يليها، وهي يومئذ أخطر بقاع المغرب الأقصى وأشدها اضطراباً، ثم اختاره لفتح الأندلس.

وقد أورد ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ» أن طارق بن زياد لما ركب البحر في طريقه إلى الأندلس غلبته عينه، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه المهاجرون والأنصار قد تقلدوا السيوف وتنكبوا القِسِيَّ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: يا طارق تقدم لشأْنك. وأمره بالرفق بالمسلمين والوفاء بالعهد، فنظر طارق فرأى النبي صلى الله عليه وسلم، وأصحابه قد دخلوا الأندلس أمامه، فاستيقظ من نومه مستبشراً، وبشَّر أصحابه، وقويت نفسه، ولم يشك في الظَّفَر.

اختراق الأندلس

يذكر المؤرخ المصري محمد عنان في كتابه «دولة الإسلام في الأندلس» 1/43، أن طارقاً عبر البحر من سبتة بجيشه تباعاً في سفن يوليان القليلة، ونزل بالبقعة الصخرية المقابلة التي لاتزال تحمل اسمه إلى اليوم «جبل طارق»، واخترق المنطقة المجاورة غرباً بمعاونة يوليان وإرشاده، وزحف على ولاية الجزيرة التي كان يحكها تيودومير القوطي عامل لذريق.

واحتل قلاعها. وكان لذريق يشتغل يومئذ بمحاربة بعض الخوارج في الولايات الشمالية، فهرع إلى طليطلة شاعراً بفداحة الخطر المحيق بعرشه، وبعث قائده إديكو لرد العدو حتى يستكمل أهبته. ولكن طارقاً هزمه وسار صوب عاصمة القوط.

وكان لذريق طاغية يثير بقسوته وصرامته حوله كثيراً من البغضاء والسخط، وكان عرشه يتزلزل فوق بركان من الخلاف، وكانت إسبانيا قد مزقت شيعاً وأحزاباً، يتطلع كل منها إلى انتزاع السلطان والملك، وسار لذريق نحو الجنوب للقاء المسلمين، وكان طارق قد وقف على أمر هذه الأهبة العظيمة، فكتب إلى موسى يستنجد به، فأمده بخمسة آلاف مقاتل، فبلغ المسلمون اثني عشر ألفاً، وانضم إليهم يوليان في قوة صغيرة من صحبه وأتباعه.

غرق لذريق

كان القوط أضعاف المسلمين، وكان المسلمون يقاتلون في أرض العدو في هضاب ومفاوز شاقة، ولكن قائدهم الجريء تقدم إلى الموقعة الحاسمة بعزم، فكان اللقاء بين الجيشين على ضفاف نهر وادي لكة شمالي مدينة شذونة.

جمع لذريق للمعركة جمعاً يقال إنه بلغ مئة أَلف، والتقى الجيشان لليلتين بقيتا من رمضان سنة اثنتين وتسعين، وقد اتصلت الحرب بين الجانبين ثمانية أيام، استشهد فيها ثلاثة آلاف من المسلمين، ولكن الهزيمة دارت على لذريق، وأتم الله النصر لطارق ومن معه، وقيل: إن لذريق غرق وقُتل كثير من جيشه.

Email