ليلة القدر.. نزول المعجزة الكبرى والنبأ العظيم

ت + ت - الحجم الطبيعي

في ليلة القدر من شهر رمضان المبارك، كان نزول القرآن العظيم، الذي قال الله تعالى فيه: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).

إنها أعظم الليالي، وإذا كانت الأحداث ترتبط بالأزمنة والأمكنة والأشياء، فإنها تكتسب قيمتها من المظروفات التي احتوتها، وهل أعظم شأناً أو أكثر عظمة من كلام رب العالمين، المعجزة الكبرى التي أبهرت العالم وأضاءت السبل، وغدا الزمان بها مضاء بنور الإيمان والعلم، الذي حمل لواءه المسلمون إلى مشارق الأرض ومغاربها. إن القرآن الكريم هو عز العرب وفخرهم، فلولاه لبقوا قابعين في جزيرتهم، منقادين لأهواء الشيطان والعصبيات، التي أكلت وجودهم، وفككت صفوفهم، ولكنه جاء لينتشلهم من غياهب الجاهلية إلى نور العلم وضحى البيان.

ضمير العظمة

افتتحت السورة بقوله تعالى: «إنا أنزلناه في ليلة القدر»، وهذا الإسناد، هو إسناد إلى ضمير الجمع، ويقتضي عظمة الشيء المتكلَم عنه. والبديع في النظم القرآني، أنه لم يأتِ بذكر الاسم الظاهر للقرآن، فلم يقل: إنا أنزلنا القرآن في ليلة القدر، بل عبر عنه بالضمير «أنزلناه»، جاء في التحرير والتنوير: 30/456: «وفي الإتيان بضمير القرآن دون الاسم الظاهر، إيماء إلى أنه حاضر في أذهان المسلمين، لشدة إقبالهم عليه.. إيماء إلى شهرته بينهم».

ابتداء النزول

والمراد بإنزال القرآن في ليلة القدر، نزوله إلى السماء الدنيا، حيث ذكر الرازي في مفاتيح الغيب 32/27: «قال ابن عباس: أنزل إلى السماء الدنيا جملة ليلة القدر، ثم إلى الأرض نجوماً». وعلى هذا قوله تعالى (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان). وقيل: إن معنى إنزال القرآن في ليلة القدر، ابتداء إنزاله على الرسول فيها، ونقل هذا القول عن الشعبي، كما جاء في الكشاف للزمخشري 6/409.

سبب التسمية

ويتبادر إلى الذهن كلمة «القدر» التي سميت بها تلك الليلة، ما المراد منها، ولم سميت ليلة إنزال القرآن بليلة القدر؟

يقول الرازي في تفسيره 32/28: «القَدَر مصدر قدرت أقدر قدَراً، والمراد به ما يمضيه الله من الأمور، قال تعالى (إنا كل شيء خلقناه بقَدَر)، والقدَر والقدْر واحد، إلا أنه بالتسكين مصدر وبالفتح اسم، قال الواحدي: القدر في اللغة بمعنى التقدير، وهو جعل الشيء على مساواة من غير زيادة ولا نقصان.. عن ابن عباس أن الله قدَّر ما يكون في كل تلك السنة من مطر ورزق وإحياء وإماتة، إلى مثل هذه الليلة من السنة الآتية، ونظيره قوله تعالى (فيها يفرق كل أمر حكيم). واعلم أن تقدير الله لا يحدث في تلك الليلة، فإنه تعالى قدر المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض في الأزل، بل المراد إظهار المقادير للملائكة في تلك الليلة، بأن يكتبها في اللوح المحفوظ، وهذا القول اختيار عامة العلماء».

وقيل: إن معنى القدر، الشرف والقيمة العالية، قال الزمخشري: «وقيل: سميت بذلك لخطرها وشرفها على سائر الليالي».

تحديد ليلة القدر

لم يحدد القرآن وقت وزمان ليلة القدر، وجاءت السنة في ذلك، وقد تضافرت أقوال العلماء، على أن الله تعالى أخفى وقتها كي يجتهد الناس في طلبها والعبادة فيها.

جاء في تفسير ابن كثير: عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ليلة القدر: «إنها ليلة سابعة وعشرين، وإن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى».. وعن عبادة بن الصامت، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليلة القدر في العشر البواقي، ومن قامهن ابتغاء حسبتهن، فإن الله يغفر له ما تقدم من ذنبه، وهي ليلة وتر: تسع أو سبع، أو خامسة أو ثالثة، أو آخر ليلة». وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أمارة ليلة القدر، أنها صافية بَلْجة، كأن فيها قمراً ساطعاً، ساكنة سجية، لا برد فيها ولا حر.. وأن أمارتها، أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية، ليس لها شعاع، مثل القمر ليلة البدر».

قيام ليلة القدر

ثبت عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه».

ومعنى تنزل الملائكة في تلك الليلة، كثرة تنزلها، لكثرة بركتها، والملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن.

وأما الروح، فالمراد به جبريل عليه السلام.

Email