«تحت السماء الالكترونية» يعيد فتح الباب أمام النقاش

الفيلم «الوثائقي» في بعده الثالث مزيد من الحقيقة أم مزيد من الإبهار؟

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

أول ما يخطر في البال عند الحديث عن الأفلام ثلاثية الأبعاد هو عنصر الإبهار، وتقديم جرعة إضافية من الدهشة مع بعد ثالث. الأمر مستخدم على الصعيد التجاري بكثافة غير مبررة أحياناً، لكن أخيراً دخل البعد الرابع على الخ، من خلال الحركة التي يمكن إضافتها على مقاطع معينة في الفيلم، ليتاح لك الاستمتاع في بعض دور السينما المخصصة للأفلام بتقنية 4D، الأمر الذي يجعل من تجربة السينما مستحوذة على كل الحواس، وهو ما يزيد من متعة السينما -خصوصاً أن على صناعة السينما مهمة شاقة للإمساك بمتفرج أمامه كم لا نهائي من الأفلام، يقدمها له التلفاز بقنوات الاشتراكات الخاصة، أو من خلال الانترنت وتنزيل أحدثها، مما فرض تحدياً إضافياً على صناعة السينما في كيفية إقناع المشاهد بترك مقعد صالونه المريح وشاشته بالغة الدقة والكبر (وصل حجم شاشات سامسونج إلى 110  بوصة)، والتوجه إلى صالة السينما لحجز مقعد وصرف الوقت في ركن السيارة والاستمتاع، فكانت التقنية هي الحل.

«Under the Electric Sky»
إلا أن السؤال الذي يجعل الخاطر وارداً في بالك مبني على فيلم Under the Electric Sky (2014) الذي عرض في مهرجان أمستردام الدولي للأفلام الوثائقية مؤخراً ضمن برنامج (Best of Fests) للمخرجين دان كاتفورث وجين ليبستيز، ويتناول مهرجان موسيقى الرقص الالكترونية  EDC (Electric Daisy Carnival) الذي يقام منذ 15 عاماً في لاس فيغاس ويستعرض فيه أبرز لاعبي الموسيقى الالكترونية المشهورين حول العالم، من قبيل تييستو، وآرمين فان بيورن، وفات بوي سليم، آب آند بيوند، وغيرهم من البارزين في هذا المجال، ويلتقط فيه المخرجان أبرز معالم هذا الكرنفال الذي حضره أكثر من 345 ألف شخص، من خلال ستة قصص لأشخاص من خلفيات اجتماعية متفاوتة لكن يجمعهم هذا العشق للموسيقى الالكترونية.

«الأوديسة العراقية»
الفيلم يحيلك بدوره إلى تجربة عربية جديدة في مجال الوثائقي ثلاثي الأبعاد خاضها المخرج العراقي سمير في «الأوديسة العراقية» (2014) الذي عرض أخيراً في مهرجان أبوظبي السينمائي، وقام فيه صاحب «إنسَ بغداد» على مدى 162 دقيقة بلملمة ذكريات العائلة حول العالم، وتصوير شخوصها وتقديمهم في فيلم سينمائي حمل امتياز حضور البوح في حديثهم إليك مباشرة من خلال البعد الثالث وكأنك تجالسهم. ربما كان طول مدة الفيلم سبباً لمقترح ببعد ثالث يجعل من امتياز مجالسة الشخصية في حديثها ولقاءها بك فكرة تقنية تسمح بالخوض مع أجيال متعاقبة غاب كثيرون منهم وحضروا في صور قديمة.

«كهف الأحلام المنسية»
فيما لا يغيب عن البال الوثائقي الذي عرضه مهرجان برلين في دورته 61 وصنعه «المعلم» هيرتسوغ «كهف الأحلام المنسية» (90 دقيقة)، عندما يبثك الحياة من أقدم كهف معروف يضم رسومات على الجدران في العالم. وعند الكلام عن الحياة التي يبثها فيلم برسوم جامدة لا بد من حواس إضافية ليكون لديك القدرة على الإحساس بما شعر به التوثيقي البارز، الذي نجح بالحصول على تصريح للتصوير في كهف تعود الرسوم فيه إلى ما قبل 30 ألف سنة قبل الميلاد، فهنا كان الرهان على خيار الزيارة الافتراضية للمكان غير المفتتح للجمهور بعد، والرحلة عبر الزمن آلاف السنوات قبل الميلاد.

«بينا»
لكن ليس وحده فيلم هرتسوغ من برلين في دورته 61 أيضاً، ما قدم مقترحاً ثلاثي الأبعاد إذ كان لدى عشاق الكوريغراف الشهيرة بينا باوش فرصة لالتقاط ذبذبات الجسد البشري، وتذوق كمية إضافية من الإبهار البصري، والتمتع بسحر المشاعر المختلطة حيث للجسد البشري سحره وجماله الخاص في «بينا» (103 دقيقة)، خصوصاً عندما يقترن باسم الكوريغراف الأشهر بينا باوش (1940- 2009) مع المخرج الألماني فيم فندرز الذي نقل التصاميم الراقصة للراحلة باوش إلى الخلود بتحويل هذه اللوحات من جمهور المسرح المحدود، ونقلها إلى ساحة السينما الرحبة بخصائص المسرح، وهي الحضور الجسدي مما جعله واحداً من أبرز الوثائقيات ثلاثية الأبعاد.

«مقارنة خاسرة»
يصف الـ«دي جي» الهولندي آرمين مهرجان EDC بأنه استعادة لـ «وودستوك» (1969) الشهير، وهذا ما يحيلك إلى المهرجان الذي تحول فيلماً وثائقياً أيضاً بعنوان «وودستوك» وحصل على أوسكار أفضل فيلم وثائقي، فهل سعى صانعوا Under the Electric Sky إلى مثل هذا «النجاح»، والهروب من فخ المقارنة بـ «وودستوك« بإضافة بعد ثالث إلى الإبهار. لا أظن فالفارق كبير بين العمق الموضوعي، وبين الصورة التي اكتفت بالاتجاه خارج الشاشة فيما القيمة الحقيقة للفيلم تكمن في تجسيد الداخل ببعد ثالث ورابع، وليس بتغيير الأبعاد وتسطيح الأفكار من خلال مظاهر شكلانية لم تترافق بأي تغيير اجتماعي في مكان الفيلم «الحدث»، لكن دون إغفال الجهد في تقديم صور إنسانية بالغة الرقة، وهذا مثال صارخ على التسطيح، وبالتالي يصح عرض هذا الفيلم في أي مكان، ولو كان مقهى أو نادياً وستخرج منه مجرد طائر مؤقتاً تزول كل نشوته، مع تبخر غبار الموسيقى من رأسك، ربما!.

Email