القوانين المالية لكرة القدم على حافة ثورة

«بوسمان 2» يهدد عرش «فيفا» و«يويفا»

ت + ت - الحجم الطبيعي

أحدث القرار الذي أصدرته محكمة العدل الأوروبية منتصف ديسمبر 1995 ثورة كبرى في عالم كرة القدم، بعد أن قضت بأحقية اللاعب المنتهي عقده في الانتقال الحر من غير أن يحصل ناديه السابق على أي مقابل، مستجيبة لدعوى رفعها اللاعب البلجيكي جان بوسمان ضد ناديه السابق ليغا البلجيكي الذي سعى إلى عرقلة انتقاله إلى نادي ديكوريه الفرنسي، على الرغم من نهاية عقده، وتولى الترافع عن بوسمان حينها المحامي مارتين هيسيل الذي انضم إلى دعوى أخرى بمشاركة المحامي جان لويس ديبونت يمكن أن تغير وجه قوانين كرة القدم من الناحية المالية، وكما يمكن أن تنهي السيطرة التي تتميز بها محكمة التحكيم الرياضية «كاس»، ويمكن أن تؤدي إلى أكثر من الأثر الذي نتج عن قانون بوسمان.

وبات العالم يترقب قرار محكمة الاستئناف البلجيكية، ومقرها بروكسل، الذي سيصدر في الثامن عشر من هذا الشهر، بعد دعوى يطلق عليها «قانون بوسمان 2» رفعها نادي «أر أف سي سرينغ» البلجيكي، بالتضامن مع مجموعة «ديييون الاستثمارية»، ومقرها مالطا، من أجل إيقاف قوانين فيفا ويويفا المتعلقة بأحقية ملكية الطرف الثالث للاعبين، وحدود اللعب المالي النظيف، كما تسعى الدعوى أيضاً إلى نقض صلاحيات محكمة التحكيم الرياضية (كاس)، كسلطة نهائية في القضايا الرياضية.

وتركز الدعوى على عدم أحقية «فيفا» بالقرار الذي أصدره في ديسمبر من عام 2014، بحرمان «الطرف الثالث» من أحقية تملك اللاعبين، وهو البند الذي كان يتيح لكثير من شركات الاستثمار التعاقد مع لاعبين وضمهم إلى أندية غير قادرة على التعاقد معهم.

ثم تطويرهم والتربح من العوائد التي تجنيها الأندية من بيعهم، وكانت هذه الشركات تشارك في مفاوضات انتقالات اللاعبين المعنيين، كما تقوم بتولي أمور عقود الرعاية بالنسبة لهم، وهو ما سعى فيفا إلى القضاء عليه، معتبراً أن مثل هذه التعاقدات تقيد الأندية كما تقلل من كرامة اللاعبين.

وتساعد على استغلال الناشئين، إلا أن الدعوى التي رفعها نادي «أر أف سي سرينغ» البلجيكي، بالتضامن مع مجموعة «ديييون» تصر على أن «فيفا» لم ينجح في القضاء على هذه الممارسة، إلا بين من يلتزمون فعلياً بالقانون، لذا فإن النادي متضرر من ما حدث، بعد أن حرم من الانتقالات لثلاث فترات، بعد أن قبل بتمويل شركة ديييون لتعاقداته مع لاعبين شبان.

أمثلة

ومضت الدعوى التي تم رفعها في أبريل 2015 إلى ضرب العديد من الأمثلة التي فشل «فيفا» في الرد عليها، حيث أكدت بالأدلة عدم وضوح ملكية الكثير من الأندية في أميركا اللاتينية، وأن بعض هذه الأندية مملوكة بالفعل لـ«كارتيلات المخدرات»، وكانت جميع هذه الحالات في أميركا الجنوبية، حيث يسيطر تجار المخدرات على أندية معينة، ويستغلون التعاقدات مع اللاعبين من أجل غسيل أموال المخدرات، ولم يستطع «فيفا» أن يوقف هذا الأمر.

بل أن أندية أيضاً في أميركا اللاتينية، لا يعرف بالفعل المالك الحقيقي للنادي، لذا لا يمكن أن تخضع لقانون الطرف الثالث، كما قامت أندية أميركا اللاتينية في الفترة الأخيرة بابتداع طريقة جديدة في التعامل مع عدم ملكية الطرف الثالث.

وهي التعاقد مع لاعب ناشئ، على أن تقوم ببيعه في اليوم التالي مباشرة إلى أحد الأندية في إنجلترا أو إسبانيا، لينضم إلى أكاديمية النادي الأوروبي، وتحتفظ بـ 50 في المئة من حقوق ترويجه مستقبلاً، والمفارقة أنها تستند في ذلك على قانون «فيفا» نفسه المعروف بقانون حق رعاية الموهبة الشابة، ما أوقع «فيفا» في حرج كبير.

ويطلب نادي «أر أف سي سرينغ» البلجيكي، ومع مجموعة «ديييون»، تقييد حق الطرف الثالث، وفقاً للقانون، وليس منعه بشكل مطلق كما يصر «فيفا» الآن.

إلا أن «فيفا» الذي حارب لفترة طويلة حتى تمكن من إصدار القرار، رفض أية محاولة للتخفيف من قيود القانون على الرغم من الثغرات التي أثبتها أصحاب الدعوى التي تخل بمصالح الأطراف، وتمنح المتلاعبين بالقانون أفضلية على من حرص على الالتزام به، وهو ما ستنظر فيه محكمة الاستئناف البلجيكية.

ضربة أقوى

وإذا كان «فيفا» يخشى من عودة الطرف الثالث للتحكم في عقود اللاعبين، فإن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم (يويفا) سيواجه ضربة أقوى من نظيره الدولي، حيث إن أقوى قانون لدى «يويفا»، وهو قانون اللعب المالي النظيف، الذي يمنح الاتحاد الأوروبي لكرة القدم الحق في حرمان أي نادٍ من الدخول إلى مسابقاته، خاصة البطولة الكبرى للأندية، دوري أبطال أوروبا، متى ما تجاوزت ميزانيته السقف المحدد وفقاً لقانون اللعب المالي النظيف الذي يشترط ألا تزيد نفقات النادي المعني عن إيراداته، مع إلزام «يويفا» الأندية بعدم ضم التبرعات التي يمكن أن يقوم بها جمهور النادي أو مجلس إدارته إلى قائمة الواردات بل يشترط أن تكون جميع الواردات محل الصرف من الدخل الرياضي للنادي العائد والمحصور في استثمارات في بيع اللاعبين، وتطويرهم، ومبيعات شعارات النادي، وعقود الرعاية، والدخل من البث التلفزيوني، ومكافآت الفوز.

واعتبر أصحاب الدعوى أن هذا القانون فيه تقييد لحق النادي والشركة، ويتعارض بشكل واضح مع القوانين الأوروبية التي تمنح الحق في التملك، والاستدانة، والاستثمار المشترك، مثلما يتعارض قانون الطرف الثالث مع الحق في الاستثمار الذي يقره الاتحاد الأوروبي السياسي، وأن النادي البلجيكي الذي صعد إلى مصاف أندية الدرجة الثانية قبل سبعة أعوام، بات مقيداً في ما يتعلق بقضايا خدمة مجتمعه، عبر منعه من التعاقد مع لاعبين صغار السن لثلاث فترات، ما يدفع بالناشئين في المنطقة التي يوجد بها النادي إلى التخلي عن أحلامهم باحتراف كرة القدم، وهو ضرر لا يمكن تجنبه حسب عريضة الدعوى.

شرعية «كاس»

وكشفت أطراف مقربة من الدعوى أن محكمة الاستئناف البلجيكي تنظر بقلق شديد لطبيعة وسلطة محكمة التحكيم الرياضية (كاس)، خاصة بعد القرار الصادر من المحكمة الإسبانية العليا، التي اعتبرت أن لجوء الدراج الإسباني فويلتا دي إسبانا إلى محكمة «كاس» للطعن في إيقافه بتهمة تعاطي المنشطات المحظورة رياضياً، لم يكن طواعية واختياراً، بل لم يكن أمامه غير هذا الطريق، وفقاً للقوانين التي تحكم الرياضة، ما يعني انتفاء حقه في اتخاذ القرار.

وبالتالي ضياع حق أصيل في التقاضي، وهو الحرية في التوجه إلى المحكمة الأنسب للمدعي، الذي يقره الاتحاد الأوروبي السياسي، واعتبرت المحكمة الإسبانية العليا أن «كاس» لا يمكن أن تكون محكمة فصل لمواطن أوروبي، في دول الاتحاد الأوروبي السياسي، إذ أنها تخضع للقوانين السويسرية، ومقرها في دولة غير عضو بالاتحاد الأوروبي السياسي.

Email