احترافنا حقيقة ... أم وهم؟

الروح التشاؤمية تطارد الاحتراف

  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

في بدايتها كانت مجرد لعبة تهدف إلى التسلية والترفيه وكانت نوعاً من الرياضة البدنية، تستقطب اهتمام الشباب المفعم بالطاقة والحيوية، تشغل أوقات فراغهم بالمفيد النافع من الممارسات، وتحميهم من الوقوع فيما يشينهم يشين المجتمع من المخاطر والانحرافات.

أحبها الصغار وانخرط فيها الشباب ولم يعترض عليها الكبار وأشاد بها التربويون وأقرها رجال الدين وحظيت برعاية الحكومات. إنها رياضة كرة القدم.

البعد العالمي لكرة القدم فرض واقعاً لابد من الانصياع له والتماشي معه، خاصة أن أبواب الفضاء مفتوحة وقنوات التواصل متاحة، ولن يقتنع أحد بما تسوقه من مبررات حتى ولو كانت الإعداد الجيد للاحتراف والتخطيط له لسنوات عدة من أجل تجنب الأخطاء والهفوات، أو إعداد العدة وتجهيز البنية التحتية أو غير ذلك من الأعذار التي تبدو في ظاهرها عقلانية واعية، وهي في حقيقتها مبررات واهية، تمسكنا بها فترة طويلة من الزمن فلم نراوح مكاننا ولم نر خطة وضعت أو برامج طبقت وجلسنا تلك المدة في مقاعد المتفرجين يتقدم غيرنا ونتخلف، ويبادر الآخرون ونتردد، ونتمسك بمقولات هزيلة مثل الإعداد للاحتراف قبل تطبيقه وأن نبدأ من حيث انتهى الآخرون.

انتقاد غير بناء:

وبعد هذا التقديم يبدو بديهياً إن من يتناول تجربتنا الاحترافية في الإمارات بالنقد والتجريح ويكيل إليها التهم الجزافية مثل الاحتراف الشكلي والشركات الوهمية وما إلى ذلك إنما يختار عن غير قصد نهج الانتقاد غير البناء.

وقبل أن نبدأ بمناقشة تلك التهم وبيان مدى صوابها أو مجانبتها للصواب أود أن أؤكد على الحقائق التالية:

1. يجب أن نكون مستعدين لمناقشة أية تهمة أو انتقاد أو شكوى أو اقتراح برحابة صدر واستعداد تام لقبول الصواب وتبنيه والتخلي عن الخطأ دون مكابرة أو عناد.

2 . إن تجربتنا الاحترافية ما زالت في مهدها ولم يكتمل نضوجها، ومن الخطأ والمغالطة أن ندعي لها الكمال أو ننفي وقوعها في العثرات والكبوات.

3 . التجربة الاحترافية ليست آلة أو جهازاً أو نظاماً متطوراً تنتجه المصانع العريقة ويمكن شراؤه وفق أحدث المواصفات والتدرب على استخدامه والحصول على أفضل المخرجات. وإنما هي ثقافة وفكر وممارسة تعكس بقدر كبير ثقافتنا وشخصيتنا وقدرتنا على العمل الجماعي والتخطيط والتنظيم. وكل ذلك ينصهر معاً في الممارسة التي نكتشف من خلالها ما يجوز وما لا يجوز وما يمكن وما لا يمكن وما هو الأفضل وكيف نصل إليه وتحديد العقبات دون تردد أو تراجع أو انهزام أمام العوائق والتحديات.

4 . إن توجيه أي انتقاد أو إشارة إلى خطأ أو التنويه إلى وجود مشكلة يجب أن يتزامن مع بيان كيفية تصحيح الخطأ وحل المشكلة خاصة وأن الانتقادات تأتي عادة من أصحاب الخبرة في مجال كرة القدم فلا يقبل منهم الإشارة إلى الخطأ والمشكلة دون الإشارة إلى الحل وكيفية التصحيح.

5 . كرة القدم ليست صناعة محلية ولا هي من التراث الاجتماعي الخاص حتى نحتكر وحدنا كيفية ممارستها وتطويرها. إنها رياضة عالمية وقد سبقنا الآخرون إليها وجربوا واختبروا كل أساليب التطوير واستقر قرار الجميع في كل الدول أن ينتقلوا من الهواية إلى الاحتراف ووضعت من أجل ذلك أنظمة وقوانين وترسخت لها أعراف وتقاليد لابد من إتباعها والأخذ بها. وعندما نفعل ذلك فلا يجوز لأحد أن يدعي أننا نمارس التقليد ونهتم بالأشكال، فيبنى على ذلك اتهامات لتجربتنا بأنها صورية أو وهمية أو مجرد تقليد.

تحت المجهر:

والآن بعد ما سبق من تمهيد وما أوردنا من مسلمات لا مجال للاختلاف عليها، نريد أن نناقش بعض ما يثار حول تجربتنا الاحترافية من شبهات مع تأكيد احترامنا لكل من ينتقد أو يتساءل أو يستنكر بعض ما يحدث في ساحتنا الكروية وبالخصوص في جانب الأندية المحترفة، ونحن على يقين أن الجميع يهدفون إلى التحسين والتطوير ومستعدون لبذل الجهد في ذلك السبيل.

أولاً: الشركات الوهمية

إن إعطاء وصف شركة لأي كيان هو أمر قانوني بحت تنظمه قواعد وتشريعات تصدرها الدولة فإذا قامت جهة معينة بتلبية تلك الشروط وتوفير تلك المتطلبات وحصلت على الترخيص الرسمي من الجهة الحكومية المختصة، فقد أصبح لهذا الكيان المسمى شركة شخصية اعتبارية قانونية لا يجوز الجدل في مدى شرعيتها إلا في الساحات القانونية والقضائية.

 فمن له اعتراض على مشروعية شركة معينة من حيث الاسم أو النشاط أو المكان أو الزمان أو أي جانب آخر فعليه إتباع الوسائل القانونية والاحتكام إلى القضاء. وحتى الذي لا يريد إتباع الإجراءات وإنما فقط تسجيل الاعتراضات فعليه أن يسأل نفسه لو أنه لجأ إلى القضاء لإثبات اعتراضه على الشركة، هل سيحكم القضاء له أم عليه؟

والجانب الثاني المهم هو أنه حتى وإن كانت الشركة حصلت على ترخيصها اللازم وشخصيتها الاعتبارية الصحيحة فلا بد أن تمارس نشاطها بالأساليب المشروعة من حيث التمويل والبيع والشراء والترويج وغيرها. فإذا كانت الشركة مرخصة حسب القوانين وتمارس الأنشطة المشروعة والمعلنة وخاضعة للرقابة والمساءلة فلا حجة لأحد أن يصفها بأنها وهمية أو صورية ولا يشترط أبداً أن تكون شركة مساهمة طالما أن أنظمة الاتحاد الدولي والقاري لا تشترط ذلك.

ثانياً: شركات الأندية المحترفة ذكرنا في البند السابق الشروط القانونية للاعتراف بمشروعية الشركة ولم يقل أحد من رجال القانون أو رجال الاقتصاد أو الإدارة أو أي من الخبراء أن الشركة التي تخسر هي شركة وهمية أو صورية فليس الربح شرطاً من شروط المشروعية، ولو نظرنا في مجالات الأعمال المختلفة نجد كثيراً من الشركات حتى الكبيرة منها في مجالات الصناعة أو التجارة أو الاتصالات أو النقل أو غيرها تتكبد الخسائر لسنوات عدة ومع ذلك تستمر وتدبر أمور التمويل بالوسائل المشروعة ولا يعترض على ذلك أحد طالما أنها قادرة على الاستمرار فإذا عجزت عن تدبير التمويل نتيجة للخسائر المتراكمة فسوف تنتهي وتخرج من السوق ولن يقول أحد وقتها إنها كانت وهمية، فالكثير من الشركات الكبرى عاشت في السوق عقوداً من الزمن ثم خرجت.

بل إن هناك أنواعاً من الشركات لا تحقق في الغالب أرباحاً بل أنها تخسر باستمرار ويتكفل أصحابها بالتمويل خدمة لأهداف أو أغراض معينة ومثال ذلك شركات الإعلام والقنوات الفضائية، فالكثير منها لا يربح ويستمر بدعم وتمويل الجهات الداعمة ولا يمكن الادعاء بأنها شركات وهمية.

ثالثاً: الدعم الحكومي

كثيراً ما يتردد القول إن الاحتراف الحقيقي يجب أن يستغني عن دعم الحكومة بحيث تعتمد شركات كرة القدم على مواردها الذاتية، وأنا أقول إن هذا هو الأفضل وإن شركات الكرة يحب أن تضع ضمن أهدافها الاستراتيجية الاستغناء عن الدعم الحكومي. ولكن إلى حين تحقيق هذا الهدف هل يكون دعم الحكومة وصمة في جبين الاحتراف؟

الكل يعرف أن الدولة تقدم الدعم لجميع القطاعات بطريقة مباشرة أو غير مباشرة فهي تدعم الصادرات مثلاً من خلال تخفيض الرسوم وتقديم الحوافز وتدعم الإنتاج المحلي من خلال فرض الرسوم الجمركية على الواردات من بعض السلع من باب حماية المنتج المحلي، وتدعم الرعاية الصحية من خلال بناء المستشفيات وتوفير الأدوية والمستلزمات وأنظمة الضمان الصحي، وتفعل الشيء نفسه في مجال التعليم وفي مجال البنية التحتية وغيرها، فهل يمكن القول إن قطاع الرعاية الصحية لا يكون متطوراً أو ناضجاً أو محترفاً إلا بالاستغناء عن الدعم الحكومي؟ أليس هذا شبيهاً بدعم الحكومة لقطاع الرياضة ورعاية الشباب؟

ألا ندعي دائماً ونقول إن المنتخبات والأندية حين تلعب في البطولات الخارجية ترفع اسم الدولة وتحمل رسالة وطنية؟

وهل يمكن المنافسة في البطولات الخارجية قبل النجاح في تطوير البطولات والمنافسات المحلية على مستوى الدوري والكأس وعلى مستوى الأندية المحترفة وغير المحترفة؟

عندما تضع الحكومة ضمن بنود موازنتها السنوية بنوداً لدعم الأندية المحترفة، فهي تعاملها مثل باقي بنود الموازنة ومن عنده إلمام بسيط بمبادئ المالية العامة يعرف أن كل بند من بنود الموازنة لابد أن تحدد له أهداف ومخرجات قبل الموافقة على تخصيص الاعتماد المالي له، وبالتالي فالحكومة تدعم الأندية المحترفة من أجل تحقيق أهداف ومخرجات محددة، ليس آخرها تطوير رياضة كرة القدم المحترفة ودعم الأندية في تحقيق أهدافها الرامية إلى الارتقاء بالشباب من الناحية البدنية والنفسية والاجتماعية. وأخيراً هل أنظمة الاتحاد الدولي والاتحاد الآسيوي تمنع الحكومات من تقديم الدعم المالي للأندية المحترفة؟ الجواب "لا".

رابعاً: تمويل رئيس النادي

لا أدري ما وجه الاعتراض في هذا الجانب خاصة وإنها ممارسة عالمية نشاهدها ونسمعها حتى في الدوريات العريقة والأندية العالمية الكبرى فنحن نعرف أسماء رؤساء الأندية الكبرى مثل ميلان وريال مدريد وغيرها ليس لأنهم بارعون في لعب كرة القدم وإنما لنشاطهم الملحوظ في دعم النادي وتمويل صفقات اللاعبين وشراء الأندية الخاسرة المتعثرة ثم النهوض بها ومعظمهم لا يتطلع إلى الربح أبداً. فإذا كان هذا مقبولاً على مستوى العالم فلماذا نستنكره عندنا حيث حاجة رياضتنا الماسة للرعاية والنهوض وحاجة الأندية الماسة للدعم المالي، فإذا تقدم رؤساء الأندية لأداء هذا الدور الوطني والواجب الاجتماعي فهل هذا يضعف الاحتراف أم يقويه؟

خامساً: هدر الأموال

«لأنهم لا يدفعون من جيوبهم ولأن الأموال تأتي من مكان آخر فإن المسؤولين في الأندية ينفقون من دون حرص ....» إذا صح هذا القول فإننا جميعاً يجب أن نقف في وجه الإسراف والتبذير وتبديد الأموال والحل هنا هو المطالبة بالرقابة والتدقيق سواء في ذلك الرقابة الداخلية، كما هو الحال في كل الشركات والرقابة الخارجية من قبل الاتحاد.

لكن يجب الانتباه إلى أن قرار النادي بدفع مبلغ معين في صفقات لشراء لاعب حتى ولو بدا مبلغاً كبيراً، فطالما أن القرار تم وفق الأطر التنظيمية الصحيحة، فهذا شأن النادي وسوف تثبت صحة هذا القرار أو خطأه من خلال النتائج التي أدت إليها هذه الصفقة، فالتصرفات الرشيدة تؤدي إلى نتائج طيبة وغيرها يقود إلى الخسائر المادية والمعنوية ولابد من دفع ثمن الأخطاء.

سادساً: إفلاس الأندية

في الاقتصاد الإفلاس معناه عدم القدرة على دفع وسداد الالتزامات والمستحقات. وبناءً على الظروف والأسباب وأساليب العلاج يمكن أن يؤدي هذا العجز إلى إفلاس نهائي ودائم على شكل انهيار وتصفية، أو إفلاس مرحلي على شكل عجز يمكن مواجهته بترشيد الإنفاق في بعض الجوانب أو الاقتراض أو تنمية الإيرادات.

والحديث عن إفلاس الأندية حتى عند المتشائمين يقصد به النوع الثاني وهو الإفلاس الجزئي المرحلي القابل للعلاج.

وحتى نختبر فرضية إفلاس النادي يجب النظر في ميزانية النادي من نفقات وإيرادات ومصادر للتمويل الممكنة والبدائل المتاحة. من خلال نموذج بسيط لميزانية نادي محترف فوق المتوسط، تكون إجمالي:

المصروفات المطلوبة في حدود الـ 150 مليون درهم موزعة على (شراء لاعبين أجانب، رواتب لاعبين أجانب، شراء لاعبين مواطنين، رواتب لاعبين مواطنين، المصروفات الأخرى للنادي من معسكرات وأدوات وملابس ورواتب الأجهزة الإدارية والفنية وغيرها).

الإيرادات المتوقعة تتمثل في: الدعم الحكومي، النقل التلفزيوني، الرعاية، عوائد الاستثمارات، ويتم تمويل العجز في الموازنة عن طريق الدعم المباشر من رئيس النادي.

من خلال النظر في الميزانية التقديرية أعلاه نجد ما يلي:

1.إن عجز الميزانية يتمثل في قيمة شراء اللاعبين الأجانب والتي تشكل تقريباً 30% من النفقات ويتم تمويل العجز من قبل رئيس النادي.

2. قيمة شراء اللاعبين المواطنين لا تزيد على 6% من حجم النفقات.

3. إن أي نقص ملموس في الإيرادات سوف يؤثر بالدرجة الأولى على قدرة النادي على شراء اللاعبين الأجانب في تلك السنة وعدم شراء لاعب أجنبي أو اثنين لا يعني إفلاس النادي لأنه يمكن إن يستمر باللاعبين المواطنين.

4. إن الإيرادات الناتجة عن الرعاية والاستثمار قابلة للزيادة وهذا يتطلب الاهتمام بها من قبل النادي.

التمويل من الدعم الحكومي ورئيس النادي مقبول في ظل الاحتراف وهو موجود في الدول العريقة.

من خلال ما سبق نستنتج أن:

1. الإفلاس بمعنى الانهيار والتصفية مستبعد جداً.

2. الإفلاس المرحلي إن حدث يمكن التغلب عليه بتقليص شراء اللاعبين الأجانب أو الاقتراض أو زيادة إيرادات الاستثمار والرعاية.

3. تخفيض رواتب ومخصصات اللاعبين المواطنين غير مؤثر وغير مناسب.

ولا بد من الإشارة إلى أن الأندية تمتلك أصولاً كبيرة تقدر بعشرات الملايين أو أكثر على شكل أراضي ومباني واستثمارات وهذه لا يمكن تجاهلها عند الحديث عن العجز أو الحاجة إلى التمويل.

Email