تعتمد على المعطيات الفلكية وتشير إلى حركة الشمس ضمن الأبراج

ساعة براغ.. شاهد جميل على تاريخ حي

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما تزور براغ لابد لك من أن تعبر في ساحتها القديمة التي تعتبر واحدة من أبرز المعالم الأثرية في البلاد وجزءا مهما من التراث الإنساني العالمي الذي يحظى برعاية الأونيسكو، فالمشهد الذي ترصده العين في قلب هذه الساحة لا يتكرر في أماكن أخرى من العالم.

حيث تصطف حولها وفي الأزقة المتفرعة منها مجموعة من المباني والكنائس القديمة التي تتمايل بشكل هندسي ومعماري فريد من نوعه، يبرز من بينها مبنى قديم لبلدية المدينة تتوسطه ساعة فلكية اختلف المؤرخون دائما حول طريقة وتاريخ بنائها.

وتشير الروايات إلى أن أول إشارة مكتوبة عن تلك الساعة الفلكية ظهرت خلال العام 1410 وأفادت بأن أحد المتخصصين في ساعات ذلك الزمن واسمه ميكولاش من مدينة كادان هو الذي أنجز العمل الفني الرائع، ما دعا بالملك لتكريمه فمنحه مبنى في ساحة قريبة من المكان وكمية من الأموال النقدية. واعتمد ميكولاش في احتساب الأمور الفلكية التي تشير إليها الساعة إلى دراسات «يان شيندل» أحد أبرز علماء الفلك والرياضيات في براغ والطبيب الخاص للملك فاتسلاف الرابع خلال تلك الفترة.

وقد تعرضت الساعة خلال الأعوام التالية لأعمال شغب وتلف نتيجة الحروب المتعاقبة، ثم تم تطويرها خلال النصف الثاني من القرن الخامس عشر على أيدي الخبيرين يان هانوش ويان تابورسكي اللذين أطلقا على الساعة الاسم الذي تحمله حتى يومنا هذا «براجسكي أورلوي»، أي ساعة براغ.

وخلال الأعوام والقرون التالية خضعت الساعة لعملية ترميم وتطوير وتوقفت لأعوام طويلة بسبب عدم وجود متخصصين في علم الساعات وكذلك بسبب فقدان الأموال اللازمة لعملية التأهيل.

وتشير الروايات إلى أن الساعة كادت في العام 1787 أن تلغى نهائيا وتباع كخردة لكن أحد موظفي البلدية ألغى القرار وتمكن من إعادة تشغيلها مرة أخرى بالاعتماد على الخبرات الفنية القيّمة للخبير الفلكي البروفيسور أنتونين سترناد والمتخصص في الساعات يان لاندسبيرغ.

وقد تكررت هذه القصص على مر العصور فكانت الساعة تتعرض للإلغاء تارة والإهمال تارة أخرى لكن كان يأتي دائما شخص مسؤول يقدر قيمتها الفنية وينقذها.

وفي الحرب العالمية الثانية احترق مبنى البلدية الذي يحتضن الساعة بسبب القصف الألماني المكثف، وهو ما تسبب بخسائر كبيرة لم يتم تداركها إلا بعدما وضعت الحرب أوزارها، حيث قامت شركة هاينز بتزويد الساعة بمعدات حديثة أملا منها بالحفاظ على هذا العمل الفني للأجيال المقبلة.

ومن الناحية العملية فإن ساعة براغ تعتمد على المعطيات الفلكية لتشير تاليا إلى حركة الشمس ضمن دائرة الأبراج المتعارف عليها حاليا، وكذلك إلى مراحل اكتمال القمر، وتطور حركة الغيوم بالإضافة للتاريخ واليوم والشهر والأعياد.

إلا أن أبرز ما يميّزها عن غيرها من ساعات الأبراج في العالم وما يجعلها مقصدا للسياح هما النافذتان الواقعتان في أعلى البرج، واللتان تنفتحان عند اكتمال كل ساعة لتطل من خلالهما وبحركة دائرية متكاملة تماثيل صغيرة تجسد تلامذة سيدنا عيسى عليه السلام.

وبالترافق مع ذلك كلّه تقوم تماثيل صغيرة أخرى مركّزة على جانبي البرج بحركات مختلفة، فنرى فنانا من القرون الوسطى يعزف على القيثارة، وآخر ينظر إلى نفسه في المرآة، وهيكلا عظميا يدق جرس الكنيسة بنغمات منتظمة.

وينتهي هذا العرض بعد ثوانٍ معدودة بصياح تمثال يجسّد ديكا مذهبا وضع في أعلى النافذتين، معلنا بذلك اكتمال الساعة التي تبدأ بقرع أجراسها كما كان الأمر قبل عدة قرون.

لقد ارتبط تاريخ هذه الساعة بكثير من الحكايات والقصص الخرافية التي تناقلتها الأجيال، وشكّلت تماثيلها في إحدى الحقب الزمنية مصدر فأل سييء، ولكن الغريب في الأمر أنها أصبحت في عصرنا الحالي مصدر فأل طيب ومحطة مقصودة للأشخاص الراغبين بالزواج ليس من تشيكيا فحسب بل من كافة أرجاء الأرض.

براغ ـ حسن عزالدين

Email