تحديات اسلامية

التخلف التكنولوجي يؤدي إلى تعاظم الصراع الحضاري في المستقبل

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أهم التحديات التي يواجهها العالم الإسلامي في الوقت الحاضر تلك الفجوة التكنولوجية الهائلة التي تفصله عن العالم المتقدم والتي كانت نتيجة طبيعية للعديد من العوالم أهمها ضعف مؤسسات التعليم وعدم وجود خطط للتدريب وضعف الإنفاق على البحث العلمي بجانب النظم الإدارية البيروقراطية وانتشار الأمية، وهذا ما جعل الدول الإسلامية بدون استثناء تصنف ضمن البلاد المتخلفة التي تعتمد على استيراد التكنولوجيا ولا تساهم في التقدم العلمي ولا تعرف طريق الإبداع والابتكار والاختراع.

وإذا لم تستطع الدول الإسلامية تجاوز هذه الأوضاع خلال السنوات القادمة فإن ذلك ينذر بانهيارها وعدم احتلالها أي موقع على خريطة العالم ويؤدي الى تعاظم الصراع الحضاري في المستقبل.

حول هذه القضية يلقي الدكتور إبراهيم بدران عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر ووزير الصحة الأسبق نظرة متعمقة للتعرف على واقع العالم الإسلامي العلمي ومستقبله بين دول العالم في الحوار التالي:

* العالم الغربي نجح في بناء حضارة وتكنولوجيا متقدمة في حين تراجع العالم الإسلامي وأصبح يعاني من التخلف.. هل يستمر الوضع على نفس هذا المنوال في المستقبل؟

ـ أولا نحن نعترف بوجود فارق حضاري كبير بين الدول المتقدمة وبين الدول الإسلامية فالمجتمعات الغربية حققت تقدما هائلا في مختلف المجالات خاصة علوم الحاسبات والاتصالات والنظم الالكترونية وتطبيقاتها التي شملت كافة الأنشطة الحياتية وشكلت حضارة جديدة ذات أسس ومفاهيم مستحدثة تختلف عما عرفته البشرية من قبل وهذه الأسس والمفاهيم سوف تظل هي العنصر الحاكم في تقدم المجتمعات وتطورها لعقود قادمة ومن المتوقع بناء على هذا أن ينقسم العالم إلى ثلاثة أنواع من المجتمعات:

الأول: المجتمعات التي حققت التقدم التكنولوجي واكتشفت التكنولوجيا الحديثة وطورتها وبنت قاعدة متينة تعمل ضمن معادلة متكاملة بين البحث العلمي والتكنولوجيا والتنمية.

الثاني: التي تعمل على امتلاك التكنولوجيا الحديثة وتستطيع تحديد أولوياتها وتطوير وتطويع التكنولوجيا ضمن شروط تنموية معينة تستهدف تعميم فوائدها على جميع أنشطة المجتمع.

الثالث: يضم المجتمعات المستوردة للتكنولوجيا ولا تعمل على توطينها أو الابتكار فيها وهي مجتمعات عاجزة عن المساهمة في تطوير التكنولوجيا أو استخدامها بكفاءة.

وللأسف تقع معظم البلاد الإسلامية ضمن النوع الثالث وبناء على هذا التصنيف سوف تستمتع دول الفئة الأولى والثانية بثمار التقدم التكنولوجي في حين ستظل دول المجموعة الثالثة ومن بينها العالم الإسلامي تعيش في التخلف والحرمان من التقدم التكنولوجي.

وهذا ينذر بانهيارها تحت ضغط الفقر والجهل إذا لم تواكب ما يحدث في العالم، وعلى هذا الأساس فإن الصراع الحضاري القائم الآن سوف يتعاظم في المستقبل ويصبح صراعا حقيقيا وليس صراعا ترفيا للحصول على مميزات أكثر أو مستوى أفضل للحياة فالصراع سيكون في صورة إما أن تكون هذه المجتمعات أو لا تكون.

* كيف تواجه الأمة الإسلامية هذا الخطر حتى لا تعيش على هامش الحضارة أو منعزلة عنها؟

ـ يجب على الدول الإسلامية أن تعمل على تخليص مجتمعاتها من عوامل الانعزال والتخلف وإنشاء قنوات للاتصال بالتكنولوجيا المتقدمة وتوطينها ونشر استخداماتها وتشجيع طبقات المجتمع القادرة على إنتاج تكنولوجيات حديثة حسب الإمكانيات المتاحة والمساهمة في تطوير المجتمع اقتصاديا ولو بطريقة مرحلية .

وأن تعمل حكومات البلاد الإسلامية على وضع صياغة استراتيجية للتطور الحضاري الإسلامي تقوم على تشجيع الصغار على طلب العلم والتركيز على دراسة الحقائق والنظريات العلمية التي يتخذها أعداء الإسلام سندا للهجوم عليه والقدح في عقائده بما يمكننا من عرض هذه الحقائق من وجهة نظر إسلامية مقنعة لأجيال المتعلمين من شباب الإسلام..

أيضا يجب إعادة المجد القديم للمسجد باعتباره مكانا تمارس فيه شعائر الإسلام فحسب ومعهدا ومدرسة وجامعة يتلقى فيها رواده المعرفة بما يؤكد على فكرة التلازم والتكامل بين العلم والدين.

وكذلك العمل على التوصل من خلال مناهج التعليم إلى نظرية إسلامية لاستيعاب العلوم والفنون لفرض التصور الإسلامي في التعليم وإصدار سلاسل ثقافية مبسطة في فروع العلوم المختلفة وإنشاء ودعم وسائل اتصال المجتمع بالتكنولوجيا العالمية وتشجيع ودعم القطاعات القادرة على إنتاج التكنولوجيا في المجتمعات الإسلامية.

وبهذا نستطيع صياغة استراتيجية التطور الحضاري لأمتنا في قالب إسلامي وتحظى التنمية الناتجة عنها بالصدق والشفافية والإتقان لأن صانعها هو إنسان مسلم خليفة الله في الأرض يتقي الله في كل أعماله.

* هل تتوافر مقومات النهوض والتقدم التكنولوجي في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر؟

ـ التحدي الحضاري الذي يواجه العالم الإسلامي يرجع إلى أوضاع المجتمعات الإسلامية التي تعاني من تزايد سكاني يمثل عبئا على اقتصاديات هذه البلاد بجانب الثقافات المعوقة والعادات البالية وانتشار الأمية التعليمية والثقافية وعدم ملاءمة نظم التعليم لمتطلبات العصر وسوء توزيع الثروة وتدني معدلات الدخل القومي وتخلف الأنشطة الصناعية والخدمية وبيروقراطية النظم الإدارية وعدم وجود استراتيجيات بعيدة المدى لخطط التقدم والتنمية وتفشي الأزمات الاقتصادية.

ورغم ذلك تتوافر للدول الإسلامية مقومات عديدة لو أحسنت استغلالها لنجحت في تحقيق التقدم، فلدى هذه الدول كفاءات بشرية قادرة على العمل في مجالات التكنولوجيا الحديثة وتمتلك شركات محدودة لها خبرات تكنولوجية وأنشطة صناعية وخدمية يمكن أن تمثل قواعد للانطلاق في برامج التطوير والتحديث ولديها عقول مهاجرة تعمل في الدول المتقدمة تستطيع الاستفادة بخبراتهم بالإضافة إلى أن هناك أسواقا شاسعة للتعاون التكنولوجي بين الدول الإسلامية .

وهناك مدخرات لا يستهان بها لبعض المسلمين في الخارج يمكن استثمارها في الأنشطة التكنولوجية كما أن البلاد الإسلامية قريبة من أسواق ذات احتياجات تكنولوجية متقدمة بجانب ذلك هناك رغبة لدى قيادات الدول الإسلامية في النهوض والتقدم وهذا كله يجعل توطين وتنمية التكنولوجيا أمرا ممكنا إذا وضحت الرؤية وصحت العزيمة.

* كيف تستطيع الدول الإسلامية تجاوز الفجوة التكنولوجية التي تفصلها عن الدول المتقدمة؟

ـ لن تتمكن من سد هذه الفجوة إلا بالاستخدام المكثف للعلم والتكنولوجيا في برامج التنمية الاقتصادية، والمشكلة أن الدول المتقدمة تحظى بنمو اقتصادي غير مسبوق وهذا يجعل الفجوة التكنولوجية بينها وبين الدول النامية بصفة عامة تزداد اتساعاً لأن المنجزات العلمية والتكنولوجية للدول المتقدمة تحركت بسرعة وبمهارة فائقة وتحولت الى سلع وخدمات بعكس الدول النامية التي لم تستطع إتقان وإنتاج واستخدام العلم والتكنولوجيا..

وهذا يرجع إلى أن الدول المتقدمة تبنت لزمن طويل إنشاء قاعدة عريضة ومكثفة للعلم والتكنولوجيا وركزت على تعليم الخريجين وطلبة الدراسات العليا واهتمت بالتدريب وتبادل الأساتذة القادرين على تكوين وتنمية الموارد البشرية لدرجة أن كل دولة من هذه الدول أنشأت جهازا قوميا للابتكار.

ولو عنيت الدولة الإسلامية بهذه المسائل لنجحت تدريجيا في تجاوز الفجوة التكنولوجية، أيضا لابد من زيادة الإنفاق على البحث العلمي لأن إنفاق الدول الإسلامية لا يتعدى 1% من الإنفاق العالمي على البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في الوقت الذي تتحمل فيه الدول المتقدمة 97% من الإنفاق العالمي.

وقد قام فريق من معهد فيلادلفيا للمعلومات العلمية بإجراء مسح على 25 دولة تمثل القمة في البحوث الأصيلة والدراسات المتميزة احتلت فيه الولايات المتحدة المركز الأول وجاءت الهند في المركز الثامن وإسرائيل في المركز الخامس عشر ولم تحظ أي من الدول الإسلامية بأي مركز من المراكز ال25.

* في حالة استمرار العالم الإسلامي على ما هو عليه من تخلف وتراجع حضاري كيف ستكون صورته في المستقبل؟ وهل ستؤثر عليه التطورات التكنولوجية المتسارعة في العالم المتقدم سلبيا؟

ـ التطورات العلمية والتكنولوجية الحالية والمتوقعة سوف تكون بالغة الأثر على الأمة الإسلامية من حيث استمرار وجوده واحتلاله لموقع على خريطة العالم والحضارة المعاصرة لأن من أهم سمات عالمنا المعاصر السباق الحضاري الذي يتمثل في التفوق الذي تحكمه القوة وعناصرها وهذه تعتمد على ما تنتجه الشعوب من ثقافة وعلوم وتكنولوجيا وما يقوم عليها من نمو اقتصادي عملاق وارتقاء اجتماعي .

ولذلك أصبح انتصار الشعوب قضية اقتصادية بدايتها في المدرسة والمعمل ثم مرافق الإنتاج والخدمات، ويجب أن ندرك أن تحديات العصر هي تحديات علمية وتكنولوجية والعصر الذي نعيش فيه لا قوة ولا تنافس ولا مشاركة عالمية ولا نفاذ إلى الأسواق العالمية إلا من خلال الإبداع الذي ينتج عن التعليم المجود والتدريب المستمر والبحث العلمي، ولذلك لابد أن يثبت العالم الإسلامي وجوده في أسواق العالم حتى لا يظل على الهامش.

القرآن والعلم

* بعض المستشرقين يتهمون الإسلام بأنه لا يشجع على العلم ويزعمون أنه السبب في تخلف المسلمين فما ردكم على هؤلاء؟

ـ هذا غير صحيح لأن الإسلام يحث أتباعه على طلب العلم وأول آية نزلت في القرآن تدعو إلى القراءة والتعليم «إقرأ باسم ربك الذي خلق» والقرآن يدعو إلى تعلم العلوم المختلفة وليس العلوم الشرعية وحدها.

فكل علم يوسع المدارك ويبصر الإنسان بأمور الحياة وإدراك طبيعة الأرض وإحياء مواتها ويضيف إلى عمارتها ويجعلها تنبت وتثمر وتعمر وهو علم مطلوب دراسته وتعلمه. فالعلم هو العنصر الأول من عناصر الحياة في نظر الإسلام وبه حارب الإسلام الجهل ومن خلال العلم وقوة العقيدة والعمل الصالح ظهر العرب والمسلمون على مسرح التاريخ وأصبحوا سادة العالم وأقاموا حضارة راسخة البنيان.

وما يدل على مدى عناية الإسلام والمسلمين بالعلم ما روته كتب السيرة عندما وقع في أيدي المسلمين بعض الأسرى ممن يقرأون ويكتبون فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم فداء العاجز عن الفدية تعليم عشرة من المسلمين القراءة والكتابة.

أيضا جعل رسول الله طلب العلم فريضة على كل مسلم وحث المسلمين على العلم وغرس في نفوسهم حب العلم واحترام العلماء، وعلى هذا الأساس فلا مجال لتلك الاتهامات التي يرددها المستشرقون بين الحين والآخر وإذا كان العالم الإسلامي يعاني من التخلف فهذا ليس بسبب الإسلام وإنما يرجع لأسباب كثيرة منها قيام الدول الغربية بمحاربة كل مشروعات التقدم والنهوض في الدول الإسلامية.

Email