دلائل قدرة الله

هلاك قوم عاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

سجل القرآن الكريم وصفا لقوم عاد دقيقا للغاية حتى ينتبه من يأتي بعدهم ويتعظ ويكون قوم عاد عظة في تاريخ الأمم المسجلة في القصص القرآني ولنقترب بتاريخ هذه الأمة الذي بعث فيها الله جل شأنه سيدنا هود ليرشدهم إلى الطريق المستقيم إذ كان قوم عاد يعبدون التماثيل التي ينحتونها ويشركون بالله شركاً عظيماً، فقد جعلوا هذه التماثيل إلها مع الله جل وعلا.

وفي هذا كان ضلالهم في العقول وضلال في القلوب وكان قوم عاد أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام والطول والشدة حيث كانوا عمالقة أقوياء إلى الدرجة التي قالوا فيها كما ذكر الله عنهم في سورة فصلت آية 15: «وقالوا من أشد منّا قوة» صدق الله العظيم.

وهكذا كانت صفات قوم عاد التفاخر والتباهي بقوتهم وتعاظمهم على باقي خلق الله ممن حولهم من القبائل ونسوا أن الله وحده هو القوي وأن الله وحده هو العظيم وأخبرهم سيدنا هود بما جاء في سورة هود الآية 50: «يا قوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره» صدق الله العظيم.

وهذه الآية يقولها جميع الأنبياء والرسل والشهادة الأولى إلى الإسلام وإلى جميع الأديان السماوية ولكن حرّفها الرهبان فإن الله وحده لا شريك له وكان لا بد أن يفكر قوم عاد في أن الله أعطاهم بسطة في الجسم وشدة في البأس وأن الله أسكنهم الأرض التي تمنح الخير والزرع وأن الله وحده هو الذي أرسل عليهم المطر الذي يحيي به الأرض.

ولكن الشيطان دخل أجسامهم ليروا أنهم أقوى من على الأرض جميعاً فأصابهم الكبرياء وزادوا في العناد والغطرسة والتعاظم على نبيهم سيدنا هود ثم قالوا له بما جاء في سورة هود الآية 53:

«وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين» صدق الله العظيم. وبهذا التحدي الذي قاله قوم عاد لنبيهم الكريم هود لم يبق أمام سيدنا هود إلا التوجه إلى الله وحده فهو رجل واحد يواجه قوماً غلاظاً شداداً حمقى يتصورون أن أصنام الحجارة التي صنعوها بأيديهم هي آلهتهم وأخبرهم سيدنا هود بأنه أدى الأمانة وبلغ الرسالة فإن كفروا فسوف يستخلف الله قوماً غيرهم وسوف يستبدل بهم قوماً آخرين، وهو ما أشارت إليه الآية 56، 57:

«فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربي قوماً غيركم ولا تضرونه شيئاً إن ربي على كل شيء حفيظ» صدق الله العظيم. وهكذا أعلن هود لهم براءته منهم ومن آلهتهم وتوكل على الله الذي خلقه وأدرك أن العذاب وقع بمن كفر من قومه. هذا قانون من قوانين الحياة على كوكب الأرض، فإن الله يعذب الذين كفروا مهما يكونوا أقوياء أو أغنياء أو جبابرة أو عمالقة فكل خلق الله عبيد له.

عاد الأولى

ذكر الله تعالى عن قوم عاد أنهم عاد الأولى وذلك في سورة النجم آية 50: «وأنه أهلك عاد الأولى» صدق الله العظيم. وعاد الأولى هم قوم هود الذين حق عليهم الهلاك بأحد جنود الله الأشداء وهي الريح والتي تعمل بقدرة الله وحده لا شريك له في هذه القدرة سواء كان ذلك بالنسبة لقوة الريح أو اتجاهها أو سرعتها، فالصنعة هي صنعة الله عز وجل ولا هيمنة للإنسان من قريب أو بعيد على هذه الريح إلا فيما ينتفع بها في حركة الحياة.

والريح إن لم تكن ناطقة بالكلام دائماً ناطقة بالعمل، فإنها تعمل كالرسل فهي تأتي بالبشير حينما تحمل السحاب الثقال إلى بلد ميت لتحيي بها الأرض بعد موتها وهو ما أشارت إليه الآية 9 من سورة فاطر:

«والله الذي أرسل الرياح فتثير سحاباً فسقناه إلى بلد ميت فأحيينا به الأرض بعد موتها كذلك النشور» صدق الله العظيم. كما وأن الريح تأتي كنذير وخير شاهد على ذلك ما قامت به في الزمان البعيد حيث أهلكت قوم عاد وبما جاء في سورة الحاقة آية 6: «وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية» صدق الله العظيم.

ما كان شكل هذا الهلاك لقوم عاد، لقد هبت الريح بصفير شديد ذات صوت عالٍ فارتعشت الطيور وهربت بعيداً عن جو المعركة القادمة، فهي تعلم بأن هذه ريح السموم التي لا تبقي ولا تذر، واهتزت الأشجار لتميل إلى اليمين ثم إلى اليسار.. إلى الشرق ثم إلى الغرب، ولكن لا مفر وعليها الصمود فيما ابتلاها الله، ثم جاءت الريح على قوم عاد وارتعش الإنسان من الجلد إلى اللحم إلى العظام إلى النخاع ثم فرّ قوم عاد إلى الخيام ليختبئوا داخلها .

ولكن تطايرت الخيام في الهواء وتمزق جلد قوم عاد. إنها رياح الدبور التي لا تمس شيئاً إلا وقتلته، بل أهلكته ودمرته وامتصت قلبه وجعلته كالرميم استمرت الريح مسلطة عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام لم تر الدنيا مثلها قط وهو ما أشارت إليه سورة الحاقة آية 7: «سخرها عليهم سبع ليالٍ وثمانية أيام حسوماً فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية» صدق الله العظيم.

نجا سيدنا هود ومن آمن معه وهلك الجبابرة بريح الدبور وأنزل الستار على عاد الأولى، فهل سكتت الريح بعد هذا التاريخ أم استمرت في عملها إلى يومنا هذا. إن الريح تنتظر أمر الله تعالى لتحطم كل من نسي الله ونسي ذكر الله ونسي أن الله هو الحي القيوم الذي لا يموت وأنه هو مدبر الأكوان وأنه بكل شيء عليم، وقد جاءت كلمة الرياح لفعل الخير، بينما جاءت كلمة الريح للمدلول على الشر، ولذلك فإن الرياح للبشير بينما الريح للنذير.

عاد الثانية والثالثة والرابعة

لم يحدد لنا القرآن الكريم من هم أهل عاد الثانية والثالثة والرابعة ولكن بعد أن تعرفنا على صفات قوم عاد الأولى وهي الغطرسة والتعاظم وإذا بطشوا فإنهم جبارون وقلوبهم خالية من الرحمة وتتكرر صفات قوم عاد الأولى مع معركة الزمن فأفاد بعض علماء التفسير أن عاد الثانية تنطبق على قوم ثمود، فجاءتهم صيحة واحدة قضت عليهم وهو ما أشارت إليه الآية 31 من سورة القمر:

«إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر» صدق الله العظيم. انشقت السماء عن صيحة جبارة واحدة وانقضت الصيحة على الجبال التي كانوا يعيشون فيها فهلك كل شيء حي. إنها صرخة واحدة لم يكن أولها يبدأ أو آخرها يجيء حتى كان كفار قوم ثمود قد صُعقوا جميعاً صعقة واحدة.

وماذا عن قوم عاد الثالثة، وهي قريبة من عصرنا، حيث ألمانيا الهتلرية بنفس صفات قوم عاد الغطرسة والتعاظم والتكبر والتجبر وكان لجيشها في الاستعراضات مشية يُطلق عليها مشية الأوزة حيث يقوم الجندي الهتلري بضرب الأرض بكعب الحذاء ليسمع المشاهدون لهذا الاستعراض القوي ضرب النعال الأرض وقامت الجيوش الهتلرية باكتساح أوروبا كلها وعلى رأسها فرنسا في خمسة أيام ثم دار الزمن دورته وانتهى هتلر وانتهت قوم عاد الثالث بما تحمل من صفات الغطرسة والجبروت والتعاظم.

ولقد تعرض الأسطول البحري للقوات الأميركية الذي كان يعمل في جنوب شرق الفلبين في 12 ديسمبر سنة 1944 لريح الدبور فحطمت الأسطول البحري بعدد 19 سفينة ما بين طرادات ومدمرات وحاملات طائرات وتطاير هذا الأسطول البحري العملاق في الهواء وكأنه قطع من الورق أو لعب أطفال وانتهت المعركة بين ريح الدبور والأسطول الأميركي بخسائر فادحة حيث قُتل ما يزيد على ألف ضابط وبحار، فهل كانت في ذلك هي عاد الرابعة؟

وخاصة أنها استخدمت فيما بعد القنابل الذرية على جزيرة هيروشيما ثم تلتها بقنبلة ذرية أخرى على جزيرة ناجازاكي في أغسطس 1945 وكان قتلى الجزيرتين يزيد على ربع مليون نسمة تحوّل فيها الناس إلى عجينة بانصهار جلودهم وعظامهم فطمست وجوههم وانتهت الحياة على الجزيرتين ويبقى السؤال أن الله أخبرنا بقوم عاد الأولى وترك العدد مطلقاً لتتوالى أقوام أخرى من نفس أحفاد قوم عاد الذين يتميزون بالغطرسة والتعاظم والقوة.

فهل للإنسان القدرة على كافة أنواع الهروب من عقاب الله ومن أسلحة الله التي لا تُعد ولا تُحصى والتي لم نذكر منها سوى نوع واحد هو الريح، فما بالنا من الأسلحة الأخرى كالصيحة وكالمذنبات والنيازك والزلزلة والطوفان والبحر المسجور ثم نوع آخر من جنود الله الأشداء وهي الميكروبات من الجمرة الخبيثة إلى الإيدز إلى المجهولات وليس أمام الإنسان إلا طلب المغفرة والرحمة من رب العالمين.

قاسم لاشين

Email