من الأحاديث القدسية

رحمة الله بعباده يوم القيامة»

ت + ت - الحجم الطبيعي

عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: «إن رجلين ممن دخل النار اشتد صياحهما فقال الرب تبارك وتعالى أخرجوهما، فلما أخرجا قال لهما لأي شيء اشتد صياحكما؟ قالا فعلنا ذلك لترحمنا، قال رحمتي لكما أن تنطلقا فتلقيا أنفسكما حيث كنتما من النار فينطلقان.

فيلقي أحدهما نفسه فيجعلها عليه بردا وسلاما، ويقوم الآخر فلا يلقي نفسه، فيقول له الرب تبارك وتعالى: ما منعك أن تلقي نفسك كما ألقى صاحبك؟ فيقول يا رب إني لأرجو أن لا تعيدني فيها بعد ما أخرجتني، فيقول له الرب تبارك وتعالى: لك رجاؤك فيدخلان الجنة جميعا برحمة اللّه» رواه الترمذي.

هذا الحديث يفتح باب الأمل أمام العصاة حتى لا ييأس أحد من رحمة الله، ويغلق باب اليأس والقنوط أمام كل من بعد عن ربه، ثم صحا ضميره واستيقظ فؤاده فرجع إلى رب الأرباب تائباً أواباً، كما أنه يزيد العبد المؤمن ثقة في ربه ويقوي عزيمة كل من يحسن الظن بالله عز وجل لأنه سبحانه يقول في حديثه القدسي: «أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ هم خير منهم، وإن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا،وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة» رواه البخاري.

ومن المؤكد أن الذين يخرجون من النار ويدخلون الجنة، لابد أن تكون لهم سابقة إيمان، لأن الجنة محرمة على المشركين، أما من آمن ثم عصى فإن الله عز وجل يقبل إيمانه ويحاسبه على مصيبته وقد يعفو عنه إذا تاب ورجع إليه قال تعالى: (وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون) سورة الشورى: 25. ثم تكون نهايته الجنة ان شاء الله طالما انه مات موحدا.

وهذا ما نراه واضحاً بالنسبة لهذين الرجلين حيث أخرجهما الله تعالى من النار رحمة بهما، ورحمهما بهذا الامتحان حيث سألهما وهو أعلم بهما عن سبب صياحهما فقالاً فعلنا ذلك لترحمنا، فقال سبحانه لهما وهو الغفور ذو، الرحمة: إن رحمتي لكما أن تعودا إلى النار فتلقيا بأنفسكما حيث كنتما فيها، وهنا نرى وضعين مختلفين لهذين الرجلين، فأحدهما يستجيب لأمر ربه وينفذ تعاليم خالقه فيلقي بنفسه في النار، فيكافئه ربه على ذلك، وأما الثاني فقد كان عنده حسن الظن بالله شديداً، حيث إنه لم يتحرك من مكانه، ولم يذهب إلى النار، فيسأله ربه، لماذا لم تلق بنفسك في النار كما فعل صاحبك؟

فيجيب إجابة من يحسن الظن بمولاه قائلاً: يا رب إني لأرجو أن لا تعيدني في النار بعدما أخرجتني منها بفضلك يا غفور يا رحيم، فلما علم الله منه حسن ظنه به، وعلم من الأول حسن أدبه معه أدخلهما الجنة برحمته التي وسعت كل شيء.

وليس معنى هذا أن الإنسان يقصر في أوامر الله ويرتكب الفواحش والموبقات معتمداً على حسن ظنه بالله عز وجل. وإنما المقصود هو بيان واسع رحمته جل وعلا وعظيم إحسانه وأن طاعة الخلائق لا تنفعه وأن معصيتهم لا تضره.

يقول تعالى في الحديث القدسي: «يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني» رواه مسلم.

فالمدار إذاً علي أمرين: الأول واسع فضل الله تعالى وعظيم جوده والثاني: الموت على الإيمان.

أما الأول: فدليله ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أن أحدنا لن يدخل الجنة بعمله، وإنما لابد أن يتغمدنا الله تعالى بفضل منه ورحمة، فعلينا أن نسدد ونقارب، وإنما الأعمال بخواتيمها. ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة، ولكن يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها.

وأما الثاني فدليله قول النبي صلى الله عليه وسلم «من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة» رواه مسلم.

وهذا ما جعل العالم التقي الورع سيدنا سفيان الثوري رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً حينما حضرته الوفاة حتى أشفق عليه الحاضرون، وقالوا له: يا أبا عبدالله إن عفو الله أوسع من ذنوبك، فقال رضي الله عنه: أو على ذنوبي أبكي؟ لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألق الله بأمثال الجبال من الخطايا.

ولله در القائل:

يا رب إن ذنوبي في الورى كثرت

وليس لي عمل في الحشر ينجيني

وقد أتيتك بالتوحيد يصحبه

حب النبي وهذا القدر يكفيني

فاللهم ارزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب العمل الذي يقربنا إلى حبك، وارحمنا برحمتك التي وسعت كل شيء يا أرحم الراحمين.

Email