كنوز المخطوطات

شرح لب الألباب في علم الإعراب

ت + ت - الحجم الطبيعي

شدد العرب على الإعراب بوصفه عملية وظيفية من وظائف التفكير، وبصفته ضرورة لفهم القرآن الكريم، ومن هذا التشديد وقفوا كثيراً من قضية اللحن إلى حدّ القول: إن اللحن في المنطق اقبح من آثار الجدري في الوجه، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في رجل لحن في حضرته: «أرشدوا أخاكم فإنه قد ضلّ»، فالرسول عدّ اللحن ضلالاً.

لذلك، حتى يخرج المسلم من ربقة الضلال، وحتى يفهم القرآن الفهم الدقيق، شمّر علماء اللغة عن ساعة الجدّ، فصنفوا كتباً يعتمد عليها في الخروج من الحرج، ومن لم يؤلف كتاباً عمد إلى كتب غيره، فوضع عليها شروحاً تقربها إلى افهام قارئيها. فمن هؤلاء النقرة كار، عبدالله بن محمد بن أحمد شارح كتاب لب الألباب في علم الإعراب. ويقتضي منهج البحث أن نعرّف أولاً بمصنف كتاب لب الألباب، ثم بشارحه، ثم نتناول بالعرض والتحليل الكتاب الشارح.

أما كتاب لب اللباب: فقد ألفه محمد بن محمد بن أحمد بن سيف الدين، الفاضل الاسفراييني، تاج الدين، المتوفى سنة 684ه، عالم بالنحو، له ضوء المصباح، يشرح فيه كتاب المصباح للمطرزي، ولباب الإعراب، ولب اللباب، وفاتحة الإعراب بإعراب فاتحة الكتاب، ورسالة في الجملة الخبرية.

وكتاب لب اللباب قال عنه حاجي خليفة (الكشف2/1545): مختصر وجيز الألفاظ والمباني أنيق الفحاوي والمعاني، حاوٍ لتفاريغ النحو ومواده، ضابط لدواجنه ونوادره، ألفه للوزير شمس الدين صاحب الديوان.

أما الشرح فقد قام بتصنيفه: عبدالله بن محمد بن احمد الحسيني النيسابوري، المعروف بالنقرة كار (ومعنى النقرة كار: صائغ الفضة)، المتوفى سنة 776 هـ، عالم شهير إمام، في علم المعقول، والفقه والأصول، ولي تدريس الأسدية بحلب وغيرها، وأقام بدمشق مدة، وبالقاهرة مدة، وولي مشيخة بعض الخوانق، واتجه إلى التصنيف والتأليف، فمن مصنفاته:

شرح التسهيل، في النحو، وشرح الشافية، في الصرف، وشرح لب الألباب، في النحو، وشرح التلخيص في البلاغة. وغيرها.

يشرح فيه مؤلفه كتاب لب اللباب للأسفريني، مقسماً شرحه تبعاً لتقسيم الكتاب الأصل إلى مقدمة وأربعة أقسام: الأول في الإعراب والقسم الثاني، في المعرب والقسم الثالث في العوامل والقسم الرابع في المقتضى للإعراب، وجعل شرحه ممزوجاً بالمتن، حيث يذكر عبارة اللب، ويتبعها بالشرح، وميز بين المتن والشرح بوضع خط فوق العبارة الآخذ بشرحها.

وقد ذكر في مقدمته التي قدم بها لشرحه أنه لما رأى هذا الكتاب صغير الحجم، وفوائده كثيرة ووجيز النظم، ومحتو على قواعد شريفة وفوائد لطيفة، ويتضمن أسرار العربية والغرر النحوية، والنكت الإعرابية، وأن أحداث من علماء العصر لم يتعرض له بالشرح، وأنه منذ ان قرأه أول مرة اختلج في صدره ان يقوم بشرحه، مقدماً شرحه هذا هدية الى الوزير علي بن محمد بن محمد بن أبي طالب بن أبي الشرف بن أبي الفضل.

ولعل في إيراد ديباجته في هذا المقام ما يغني عن حديثنا عنه، فندعه بذلك يقدم نفسه بنفسه: قال في ديباجته: الحمد لله قاشع غمام الغموم وقاصع همام الهموم، الذي لا يبلغ كنه حكمته البالغة وساوس هواء هواجس الحكماء.. وبعد، فإن لب الألباب في علم الإعراب لا يخفى على ذوي الألباب أنه كثير الفوائد، جم الفوائد، صغير الحجم، وجيز النظم، محتو على قواعد شريفة وفوائد لطيفة.

مشتمل على دقائق أسرار العربية، منطو على المباحث التي هي مفتاح العلوم الأدبية، متضمن من عجائب الغرر النحوية، وغرائب النكت الإعرابية، ما لا يوجد في غيره من المطولات والمختصرات، ولم يشرحه أحد من فضلاء الدهر وعلماء العصر، وقدماً كان يختلج في صدري اذا كررت النظر في مباني فصوله، ومعاقد أصوله، أن أفصل مجملات فصوله، ومحكمات أصوله، موضحاً فيه ما عماه، ومبرزاً ما ستره وغماه، قاشطا قناعه وكاشفاً لفاعه، وأن أنزف علالة اجتهادي في أسرار أسراره، وإظهار اضملوه.

فلما باحت تباشير صبح زمانه، ولاحت امارات كشف لثامه، أظهرت مخزونه، وطرزت ديباجته باسم من تناسخته كرائم الأصلاب الى مطهرات الأرحام.. فخر الحق والدولة والدين، شرف الإسلام والمسلمين أبي طالب بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين بن عيسى بن محمد بن علي بن الإمام جعفر بن محمد بن علي بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

فقد كشف لنا ديباجته الدوافع التي دعته الى تصنيف هذا الكتاب، ولعل أغرب شيء منها أنه لم ير أحداً من فضلاء الدهر وعلماء العصر شرح هذا الكتاب، وبقراءة ما ورد في كشف الظنون 2/1543 ـ 1544 نجده يذكر من شروح الكتاب:

ـ شرح الفاضل اليمني، يحيى بن القاسم، المتوفي سنة 750هـ.

ـ شرح محمد بن عثمان الزوزنيو أتمه سنة 712هـ.

ـ شرح التبريزي الاقسرائي، جمال الدين محمد بن محمد بن محمد، فرغ من تأليفه سنة 740ه. فلعله لم يطلع على هذه الشروح أو لم يعلم به، حتى قال: لم أر أحداً شرحه.

«قال المصنف رحمه الله بعد الخطبة: «اللفظ الموضوع لمعنى مفرد هو الكلمة. اللفظ في اللغة الرمي يقال لفظت الرحى الدقيق، أي رمته، وفي الاصطلاح: هو الحاصل من صوت يقصد به حصول حرف فصاعداً، والألف واللام في اللفظ للحقيقة لا للاستغراق، أو لانه موقع تعريف، والتعريف للحقيقة».

وجاء في نهايته: «وان كان الساكن حرف مد نحو القاضي يمد ذلك الحرف الى ان يتذكر ويستغنى بهذه المدة هاء السكت، كما يلحق بمدة الانكار، لان المنكر قاصد للوقف، ويلحق بها هاء السكت لزيادة الانكار، بخلاف المتذكر فانه لا يقصد الوقوف، وانما عرض له ما اوجب قطع كلامه من النسيان، تم كتاب شرح لب الألباب في علم الاعراب».

ومن الجدير بالذكر ان فهرس المخطوطات العربية في مكتبه تشستربيتي ذكر هذا الشرح. تقع هذه النسخة في 279 ورقة، قياس 521,15، في كل صفحة 17 سطراً، وفي السطر حوالي 10 كلمات نسخة جيدة تامة، عليها تعليقات وتصويبات.

وكتبت في حواشيها عناوين فرعية، تحت مصطلح مطلب وهذه النسخة محفوظة في مكتبة معهد الاستشراق في بطرسبورغ تحت رقم 1281 B حصل مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث على نسخة مصورة على ميكروفيلم يحمل الرقم 4878، وذلك بعد جهود مضنية من رئيس المركز السيد جمعة الماجد، وبعد اتصالات مكثفة مع القائمين على معهد الاستشراق، وبعد عقد اتفاقات تعاون ثقافي بين المركز والمعهد.

ومن الجدير بالذكر هنا ان هناك نسخاً خرى من هذا الكتاب محفوظة في مكتبات العالم نذكر منها: مكتبة تشستربيتي بدبلن ـ إيرلندا رقم 4140 ومكتبة مغنيسا ـ ألمانيا رقم 2471 منسوخة سنة 857هـ ودار الكتب المصرية نسختان تحت رقم: 168، 1105 والمكتبة الأزهرية نسختان: (3283) عروسي 42610، )(3452) بخيت 45086 والمكتبة الخديوية رقم: ن.ع 3770.

لعل تقويم اللسان يبدأ من معرفة قواعد اللغة، وقواعد اللغة التي يطلق عليها في العربية علم النحو يحتاج الإنسان إلى اتقانها، ولا يتم الاتقان إلا بقراءة مصنفات علماء النحو قراءة تعمق وفهم واستيعاب، تستقيم معها لغته ولسانه، ولا يستغني عن هذا أي انسان عربي ومسلم، مهما كان موقعه او مهنته او علموه لأنه انما يعبر عن أفكاره وأحاسيسه ومشاعره باللغة، وإذا لم تكن لغته سليمة، فإنه لا يمكن ان يوصل ما يريد ايصاله إلى غيره، فتنقلب الأمور، ويقوله الآخرون غير ما قال.

لذلك نجد ان هذا الكتاب خير معين لنا فيما ذهبنا إليه، فهل تمتد يد باحث اليه بالاحياء، فيرى النور، وتتصفحه يد قاريء فيما بعد فيضيء جنبات معتمة في نفسه.

فنرد بذلك جميل رئيس مركز جمعة الماجد، ونشبع طموحه، فقد نذر نفسه لخدمة العلم، بتيسير السبل للحصول على كنوزه، ويخفف الأعباء المادية عن الباحثين، فيقدم لهم ذخائر هذا التراث، بعد ان يأتي به من أصقاع الأرض مضحياً براحته ووقته، حيث عرفنا عنه أنه يشعر بسعادة غامرة عندما يرى الباحثين وقد سود مداد أقلامهم الأوراق البيضاء، ليخرجوا من سواد المداد أنوار هذه الكنوز.

عبدالقادر أحمد عبدالقادر

مركز جمعة الماجد للثقافة واالتراث

Email