أندريو كونانان اغتال صديقه ثم انتحر مطبقاً على السر

جياني فرساتشي .. «امبراطور» قتله الشذوذ

ت + ت - الحجم الطبيعي

عندما امتطى امبراطور الموضة الايطالية جياني فرساتشي صهوة المجد، عام 1994، لم يساوره الشك حينئذ، بأن القدر سيعصف به بعد مرور ثلاثة أعوام؟في ذلك اليوم الصيفي من يوليو 1997، كانت عقارب الساعة تشير إلى الثامنة والنصف على أوشن درايف في ميامي، عاد جياني فرساتشي من «نيوز كافي»، حيث اشترى صحفه المعتادة «فوغ وانترتنمت ويكلي».

وسار على ذات السياج العالي الذي يحيط بالمبنى الفخم الذي يملكه، والذي يعد احد أكبر الممتلكات التي يقضي فيها حياته، صعد الدرجات الخمس التي تقود إلى البوابة رقم 1116، ادخل المفتاح في القفل، وفجأة لاح خيال رجل خلفه لم يعرف كيف تسلل إلى المكان، يرتدي صدرية رمادية وقبعة رياضية بيضاء،

رفع الغريب يده ثم صوب مسدساً من عيار 40 ملم على رقبة المصمم، ضغط الزناد، طلقة واحدة ثم أخرى، الأولى اخترقت الرقبة وخرجت من الجانب الأيمن من الأنف، بينما الثانية استقرت في الرأس، انهار فرساتشي وسقط، في حين لاذ قاتله بالفرار.

كل شيء مر في اقل من لمح البصر، مثل كابوس ليلة مطرية، سيل من الدم شكل بركة أرجوانية، تردد الشهود في الاقتراب من الضحية، غطى الدم الأرضية الوردية، كان هذا لمشهد المأساوي يشبه لوحة يطغى عليها أسلوب الزخرفة، كان ينازع آخر سكرات الموت عندما تقدم نحوه رجل أراد إنقاذه، لكنه رحل والى الأبد، تحت أشعة شمس فلوريدا الحارة، غادر امبراطور موضة الستراس الايطالية ساحة الإبداع في لحظة سريعة.

ولد فرساتشي عام 1946، في بريدجيو دي كالابريا، مدينة غير مشهورة ولفقرها تحولت مرتعاً خصباً للمافيا، فرساتشي بنفسه اعترف أنه كان ميالاً للعزلة في طفولته. تيسرت لفرساتشي السبل وكان النجاح رفيقاً وفياً له: العطور، الملابس الجاهزة والأزياء الراقية، ملابس البيت.. فنان راهن على لعبة الإثارة في إبداعاته، فجذبت إليه مشاهير العالم.

هكذا دونت أسطورة فرساتشي ولا شيء يمنعها من الاستمرار.. إلى أن جاء ذلك اليوم المشؤوم الذي قتل فيه المصمم وأصيبت امبراطوريته بالاضطراب. عندما علم العالم بالنبأ انهار المجتمع المخملي، وعرف مكتب التحقيقات الفيدرالي موجة غليان كبرى لم يسبق لها مثيل، خاصة بعدما دل أحد شهود العيان الذي تابع المشهد وتعقب خطوات المجرم لحظة ارتكابه الجرم، إلى شاحنته البيك ـ آب، الحمراء

حيث غير ملابسه الملطخة بالدماء ثم فر جريا على الأقدام وسط الطبيعة، وعثرت الشرطة على الملابس، فيما راحت الصحف تحكي عن فرار مجرم مطلوب للعدالة يدعى اندريو كونانان الاسم الذي حمله جواز سفر عثر عليه.اندريو ذو الابتسامة الساحرة، معروف بسوابقه ومطلوب القبض عليه لارتكابه خمس جرائم قتل في أقل من ثلاثة أشهر، تطارده الشرطة منذ أن عثرت على جثة جيفري ترايل، ملفوفة وسط سجادة،

بعد أن تلقى ضربات من مطرقة هشمت معالم وجهه، المجرم «هو عاهر شاذ جنسيا من الدرجة الأولى» كما وصفته والدته. اتبع المجرم نفس الأسلوب الإجرامي في تنفيذ اعمال القتل: يعترض الرجال يمزقهم اشلاء ثم يسرق سيارتهم ويلوذ بالفرار، يصعب تحديد نوعية العلاقة التي تربطه بهم، لكن كلهم من الشواذ لماذا اغتال اندريو فرساتشي؟

يقول بعض الشهود انه سبق للضحية والمجرم ان تقابلا في ممر «اوبراسان فرانسيسكو» حينها توقف المصمم متفحصا وجه قاتله ثم وجه له عبارة «اعرفك!»، لغز غريب، لكن لا احد يعرف شيئا! طرح بعض المحققين فرضية المافيا، لكن كونانان لم يكن يشبه القاتل المأجور، ربما كان فرساتشي يمثل حلمه الذي لن يتحقق، ضجر من الإحساس بالقوة التي كانت تنتابه خلال ارتكابه الجرائم السابقة وقرر الانتقام هذه المرة من أيقونة «قتل السيد هو نوع من الامتلاك»

استبدت به هذا الصباح سلسلة من الأفكار الجنونية، قادته لتنفيذ آخر مرحلة من مسلسله الإجرامي.. مساء 23 يوليو في ميامي، لاحظ فيرناندو كاريرا، رجل ذو بنية قوية يعمل حارسا ان باب المبنى العائم مفتوحا، تقدم خطوات وعثر على «شبشب» مرمي على الأرض، غطاء فوق الكنبة، اخرج فيرناندو مسدساً من عيار 38 كان يحمله باستمرار معه، صعد الطابق بخفة. فجأة دوت طلقة قوية في البيت.

وتردد ان المعتوه الذي يختفي في داخل المبنى العائم يمكن ان يكون اندريو كونانان. اقترب ستة رجال تحت حماية صدرياتهم المضادة للرصاص، ألقوا قنابل مسيلة للدموع داخل البيت، دلفوا مصوِّبين السلاح، وعثروا على كونانان مستلقياً بجانب مسدسه عيار 40 ملم وشقّ عميق شوَّه وجهه، لقد انتحر عندما سمع خطوات الحارس. رحل كونانان من دون مجد ولا مقاومة ولا شجاعة، حاملاً أسراره وتاركاً خلفه خمسة شواهد حملت اسمه. لماذا اغتال فرساتشي؟ لا أحد يعرف. ومن يعرف لا يعترف.

عن «جالا» الفرنسية

Email