تحقيق

هل يجوز للمسلمة خلع الحجاب عند الضرورة ؟ 1-2

ت + ت - الحجم الطبيعي

في أعقاب التفجيرات التي شهدتها مدينة لندن في يوليو الماضي واتهام المسلمين ـ خاصة تنظيم القاعدة ـ بأنه وراء تلك التفجيرات ظهرت موجة من الاضطهاد والاعتداء على المسلمين في المملكة المتحدة خاصة الفتيات والسيدات المحجبات مما دفع بعض علماء المسلمين في بريطانيا إلى إصدار فتوى تجيز للمسلمات خلع الحجاب حتى يتجنبن الاعتداء عليهن من جانب المتعصبين .

وقد اثارت هذه الفتوى جدلا بين المسلمين في العديد من دول العالم رغم انها ليست الفتوى الأولى التي تجيز للمسلمة خلع الحجاب عند الضرورة استنادا إلى قاعدة الضرورات تبيح المحظورات فقد سبق للدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر ان أفتى بأنه يجوز للمسلمة خلع حجابها عند الضرورة خاصة في البلاد غير الإسلامية التي ترفض الحجاب.

وتتعرض فيها المحجبات للمخاطر. وجاءت هذه الفتوى في سياق القانون الفرنسي الذي اقره الرئيس جاك شيراك لمنع ارتداء الرموز الدينية لاتباع الديانات المختلفة ومن ذلك منع الفتيات المسلمات المحجبات من دخول المدارس الفرنسية لكنها وجهت برفض شديد من جانب المسلمين في فرنسا وفي العالم كله.

وكانت تصريحات صدرت عن دليل ابوبكر رئيس المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية وعميد مسجد باريس قال فيها إن الحجاب قضية عَفَّا عليها الزمن تؤججها أطراف أصولية .

وعلق على عمليات طرد الفتيات المحجبات من المدارس الفرنسية في ندوة نظمها «نادي الشرق الأوسط» التابع لموقع «بروش أريون إنفو» القريب من اليمين الصهيوني بفرنسا قائلا إن هناك تركيزا إعلاميا مبالغا فيه تجاه هذه القضية مشيرا إلى أن الحجاب الذي وقع تجاوزه في تركيا وفي تونس يجب أن نتجاوزه أيضا في فرنسا لأنه ينتمي إلى قرون ماضية.

من جانبهم اكد علماء الأزهر أن الحجاب فريضة إسلامية ولا يجوز للمرأة خلعه أو التخلي عنه إلا للضرورة القصوى وقالوا إن أحكام الحجاب واردة في القرآن الكريم والسنة النبوية وهي أحكام قطعية الدلالة والثبوت وإن من ينكرها ينكر معلوما من الدين بالضرورة.

وقال علماء الأزهر إنه يجوز للمرأة المسلمة خلع الحجاب إذا خافت على نفسها من القتل أو الاعتداء عليها في البلاد الغربية لكن إذا استطاعت المسلمة ترك مثل هذه البلاد التي لا تتاح فيها حرية العبادة وممارسة الشعائر الإسلامية فهذا أفضل من ان تخلع حجابها.

في الوقت نفسه طالب العلماء المسلمون المقيمون في البلاد الغربية بتركها والعودة إلى بلادهم إذا لم تتح لهم ممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة مؤكدين رفضهم لخلع المسلمة لحجابها مهما كانت الاسباب وقالوا إن الضرورات لا تبيح خلع الحجاب كما أنها لا تبيح ترك الصلاة.

من جانبها قالت الداعية الإسلامية الفت شاكر إن الحجاب واجب على المرأة ولا يجوز لها بحال من الاحوال خلع الحجاب أو إظهار مفاتنها أمام الرجال الأجانب عنها لقوله تعالى:

«وليضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين زينتهن» وكذلك لما ورد في الحديث عندما دخلت اسماء بنت ابى بكر وهى ترتدي رداء شفافا فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا أسماء إن المرأة إذا بلغت لا يجوز ان يظهر منها الا هذا وهذا وأشار إلى الوجه والكفين، موضحة أن هناك أجزاء في جسم المرأة لا يجوز ان تظهر أمام الرجال الأجانب .

وهذا يسمى بستر العورة وهذه العورة بالنسبة للرجل ما بين صرته وركبته على رأي جمهور العلماء أما بالنسبة للمرأة فهناك إجماع على ان كل جسمها عورة باستثناء الوجه والكفين .

وهذا ليس اجتهادا من العلماء وإنما فهم لآيات القرآن الكريم الذي يأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: «قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها... ».

وأضافت أن النبي أمره الله ان يأمر النساء بحفظ اجسامهن من أن يراها الأجنبي وألا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وقد فسر العلماء «ما ظهر منها» واتفقت أغلب الآراء على انه الوجه والكفين.

وأشارت إلى أن المرأة لابد ان تستر نفسها ولا يجوز لها ان تظهر من جسمها إلا وجهها وكفيها مؤكدة ان فهم العلماء هذا تسنده بعض الأحاديث النبوية الصحيحة مثل حديث الواهبة نفسها لرسول الله والتى عرضت نفسها عليه ليتزوجها فأخذ النبي ينظر إليها ثم طأطأ رأسه علامة على انه لا يرغب في الزواج ولعلها تفهم ذلك منه.

وأكدت الفت شاكر ان هذا الحكم ينطبق على كل مسلمة تعيش حياتها بصورة طبيعية وفي ظل دولة توفر لها مقومات الحماية والامن وحرية العبادة وممارسة الشعائر ومجتمع لا يعادى الحجاب مشيرة إلى انه بالنسبة للمسلمة التي تعيش في أميركا أو في أوروبا وتواجه صعوبات بسبب حجابها كأن تطرد من العمل أو تتعرض لمضايقات في الشارع.

وفي المسكن والسوق وغيره أو يعتدي عليها مثلما حدث في أعقاب أحداث 11 سبتمبر في الولايات المتحدة الأميركية فهنا يجوز للمسلمة خلع الحجاب للضرورة والضرورة تقدر بقدرها أي انها متى آمنت على نفسها وعاد الهدوء والاستقرار تعود وترتدى الحجاب.

* فريضة إسلامية

ومن جانبه اكد الدكتور محمد عبد المنعم البري الأستاذ بكلية الدعوة الإسلامية جامعة الأزهر ان الحجاب فريضة إسلامية على المسلمة منذ بلوغها المحيض وحتى انتقالها إلى الرفيق الأعلى فلا يجوز لها أن تتخلى عنه مهما كانت الاسباب .

مشيراً إلى انه إذا وجدت ضرورة لخلع الحجاب فإن الضرورات تبيح المحظورات لكن الضرورات لا تلغي الحكم وإنما تلغي الفعل نفسه فإذا وجد اضطهاد مثلا بسبب الحجاب جاز للمرأة ان تخلع حجابها.

وقال إن هذا لا يعني ان فريضة الحجاب سقطت عنها وإنما الذي سقط هو الإثم أو الوزر وذلك قياسا على من اكره على ترك الإسلام فقد رخص الله له ان يترك الإسلام ظاهرا ورفع الإثم عنه فاذا زالت الضرورة عاد الحكم إلى حاله.

وأشار إلى ان الحجاب فريضة إسلامية أمر بها الإسلام المرأة ليس من قبيل التعنت وانما حماية لها من الأعين قبل ان يكون عبادة لله موضحا ان معظم ان لم يكن كل جرائم الاغتصاب ضحاياها من المتبرجات لأن التبرج يظهر مفاتن المرأة ويشجع الرجل على ارتكاب الفحشاء ولذلك شرع الحجاب ليس فقط كعبادة تتقرب بها المرأة إلى الله وإنما من اجل الحفاظ عليها وحمايتها.

* ركن أساسي

وأوضحت الدكتورة نادية هاشم الاستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية جامعة الأزهر ان الحجاب ركن أساسي في الإسلام لأنه يستر عورة المرأة وقد فسر بعض المفسرين قوله تعالى:

«يا أيها الذين آمنوا خذوا زينتكم... » بأن الزينة هي الستر التام للعورات سواء بالنسبة للرجل أو المرأة مشيرة إلى أن وجود المسلمة في بلد غير إسلامي يضطهد المسلمين لا يدخل في نطاق الضرورة أو الإجبار أو الإكراه لأنها تستطيع ان تترك هذا البلد وتعود إلى بلدها أو تهاجر إلى بلد آخر يكفل حرية ممارسة الشعائر الإسلامية وعلى هذا الأساس فالمسلمة ليست مجبرة على ترك شرع الله.

وأضافت ان المسلمين في تلك البلاد لديهم الأموال التي تضمن لهم حياة كريمة دون ترك دينهم فالجهاد في سبيل الله لم يشرع الا من اجل الدفاع عن الدين وعن النفس والمال والعرض فالدين من المقاصد الشرعية الخمسة كما ان الحجاب ليس رمزاً دينياً كما قيل في فرنسا وإنما فريضة وشعيرة أساسية في الإسلام.

وأشارت الدكتورة نادية هاشم إلى ضرورة ان تصبر المسلمة على ما تتعرض له من ابتلاء والا تبادر إلى خلع الحجاب حتى تجد المخرج يقول تعالى: «ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب» وتتساءل هل يجوز ان يترك المسلم الصلاة بحجة الإكراه أو الإجبار أو الضرورة ؟

وتجيب بالطبع لا والحجاب مثل الصلاة والزكاة والصيام لا يترك للضرورة مشيرة إلى ان الحفاظ على الدين مثل الحفاظ على العرض فاذا كانت المسلمة لا تقبل ان ينتهك عرضها تحت أي ظروف فهل تقبل ان تخلع حجابها أو تترك دينها؟.

وتدعو المسلمات في تلك البلدان التي تشهد تضييقا على المسلمين في بعض الأوقات إلى تجنب الخروج إلى الشوارع قدر الإمكان لأن المسلم لو وضع كل شئ تحت بند الضرورة فسوف يضعف الدين ولن يتبقى منه شيء.

القاهرة ـ ضياء الدين أحمد:

Email