أشعار الآباء والأجداد في الأولاد والأحفاد

أشعار الآباء والأجداد في الأولاد والأحفاد

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الأغاني القديمة لفيروز التي تغنت في أوائل حياتها الفنية قصيدة حسنة للشاعر المشهور بالأخطل الصغير (بشارة الخوري) عنوانها: (وداد في العشرين)، و(وداد) هي الإبنة الكبرى للشاعر، وبدأ القصيدة بعبارة لطيفة، مشهورة في الكلام الفصيح، وفي الكلام الدارج أيضاً، وهي «يا قطعة من كبدي». والعبارة عن الأولاد في العربية بالعين والقلب والروح والكبد وما شابه ذلك مألوفة معروفة.

والقصيدة عالية القيمة الفنية، رقيقة الأسلوب، شفافة العاطفة، يقول فيها:

يا قطعةً من كَبِدي

فداك يومي وغَدي

(وداد) يا أنشود الـ

بكْرَ ويا شعري النَّدِي

يا قامة من قصب السّـ

ـكّر رخصَ العقد

حلاوةٌ مهما يزد

يوم عليها تَزِدِ

توقدّي في خاطري

وصَفّقي وغَرّدي

تستيقظ الأحلام في

نفسي وتسقيها يدي

فهذا من الشعر الزاخر بالحركة والحيوية، العذب الرقيق، الناضج بالعواطف الأدبية إلى خيال جامح، سريع الانتقال، رائع التصوير؛ وذكر الشاعر بعد هذا أن القصيدة جاءت بمناسبة عيد ميلاد (وداد) العشرين وهي مناسبة حلوة للأب الذي رعى ابنته حتى تجاوزت المراحل، ووصلت إلى سن الشباب.

رفّي على الناّدي وقُو

لي «اليومَ عيدُ مَولدي»

عشرونَ، قل للشمس: لا

بَرحْ، وللدّهرِ أجْمَدِ!

عشرون! يا ريحانةً

في أَنملي مبدّد

عشرون! هلل يا ربيعُ

للصِبّا وعيّدِ

وبشّر الزهر بأخت الزّهْـ

ـرِ واطربْ وانشدِ؛

وانقل إِلى الفَرقَدِ ما

نمنمتهُ عن فَرْقَدي!

فهو إذن يحتفل مع ابنته على العادة التي درجت في العصر الحديث بعيد ميلادها. فـ (وداد) استوفت العشرين من عمرها، وهي في عين والدها حشاشة القلب، وقطعة غالية من الكبد! وفي أواخر القصيدة سأل الشاعر الربيع (وهو أخو وداد في الزهر والجمال) أن ينقل إلى نجم السماء البعيد (الفرقد) ما رسمه بقلم الشاعر المبدع عن وداد التي لا تقل تألقاً عن فرقد السماء!

وفي ديوان الأخطل الصغير قصيدة أخرى وقف فيها عند وداد بمناسبة ولادة الطفلة ندى؛ بعد أن عانت الأم وأنقذها طبيب شكره الشاعر وزاد في شكره؛ وأثنى على البشير الذي بشره بسلامة ابنته التي صارت أماً وبسلامة ابنتها أيضاً في عطف أبوي قوي، وقال فيها مخاطباً المبشر متحدثاً عن ابنته!

قرأت عينك حتى

علمتُ ما لست تعلمْ

وداد ريحان روحي

الله صانَ وسلمّْ

ثم خاطب الحفيدة:

(ندى) الحبيبة أهلاً

يا مشتهى العين والفَمْ

أصبحت أعظم مُثْرٍ

عنديِ سوارة ومِعْصَمْ

والشعر رائق جداً، فائق الحسن والجودة، ودقة التعبير والتصوير

وفي الشعر العربي القديمة قطعة وصف الشاعر فيها الأولاد بالأكباد

إعلاء لشأنهم وتعبيراً عن مكانتهم؛ قال حطان بن المعلي:

أنزلني الدهرُ على حُكمه

من شامخ عالٍ إلى خَفْضِ

وغالني الدهر بوفر الغنى

فليس لي مال سوى عرضي

أبكاني الدهر و يا ربّما

أضحكني الدهر بما يَرْضي

لولا بنيّات كزغب القطا

رددن من بعض إلى بعض

لكان لي مضطرب واسع

في الأرض ذات الطول والعرضِ

وإنما أولادنا بيننا

أكبادنا تمشي على الأرضِ

العرب تقول: الولد فلذة من الكبد، أي قطعة

والمعنى:؟؟ أولادنا من أنفسنا (مكانتهم) في ما بيننا وإن كانوا ماشين على الأرض محلّ الأكباد في أجواف الناس.

أ.د محمد رضوان الداية

Email