أشعار الآباء والأجداد في الأولاد والأحفاد

أشعار الآباء والأجداد في الأولاد والأحفاد

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

وجدنا في الشعراء من رأى في الأولاد والأحفاد امتداداً لجيل جديد بعد جيل سبق، وتواصلاً بين الأجيال وفيهم من نظر إليهم باعتبارهم جزءاً من النفس، وقطعة من الكبد، على أن فيهم من رأى في الولد وجهاً آخر يذكر بالأب أو بالأم. وقد قال أحد شعراء الشام: (أنور العطار) في تقديم قصيدة له بعنوان «بنيتي» إنه إذا نظر في وجهها رأى في ملامحها ما يذكره بوالدته، فكأنه رأى أمه مرّة ثانية.

* تواصل الأجيال.. وفي هذا الكلام: نوع من النظرة الشاعرية، والرؤية الذاتية، وفيه: جمع بين محبة الأم على الوجه الذي ينبغي أن يكون ومحبة الأولاد: الذين نجد فيهم صورة منا، وصورة من الدنيا.واختار الشاعر لقصيدته (بنيّتي) وزناً موسيقياً هادئاً ينسجم مع طبيعية المقصد الذي قصد إليه، ويساعد في عَرْض ما في نفسه من الصور والمشاعر، ويتيح له أن يسترسل وراء تلك الرؤية الاجتماعية والشخصية والوجدانية.والقصيدة في ثلاثة مقاطع: في المقطع الأول: صورة البنت كما صوّرها أبوها، في شخصها، وحركاتها، وخصالها، وكما رآها في ظلال جمال الطفولة:

بُنيّتي عصفورة شادية

تلعبُ في عش الصّبا لاهِيَهْ

بنيتي لحن رفيق سرتْ

في مهجتي أفراحُه صافِيَهْ

يهفو إليها القلب من وَجْدِه

فتنثني أحلامهُ الماضِيَهْ

بُنيّتي شِعر تغنت به

روحي في عزلتها الساجيَهْ

بُنيّتي لحن تلقيته

من نفحة عطرية ساريَهْ

من عبق الزهر سقاه الندى

خمرية العُلْوية الشافيه

ومن نشيد النبع في حقله

ومن صلاة الغابة الخاشيه

ومن صفاء الجدول المنتشي

ومن رُؤى الأمسية الحاليه

ومضى الشاعر وهو يطوف في رحاب الطبيعة على عادة الرومانسييّن واجداً الصلة بين جمال الطبيعة وجمال ابنته شكلاً وروحاً.

وفي المقطع الثاني: كلام على موقع ابنته من نفسه وروحه

بُنيتي أمنيّتي في الدُّنَا

وما ملي والبُغية الغالِيَهْ

سريرها يهتزّ في أضلعي

تنامُ في أعطافه هانِيَهْ

أيامها مشرقة بالمنى

ضاحكة بالبشر والعافيه

وفي المقطع الثالث: يبلغ الشاعر ذروة التألق العاطفي والتوهّج النفسي، ويرى في ابنته طيفاً مرّ به منذ صغره، ويربط بين صورة الفتاة ــــ الأمل ـــ الحُلُم ـــ ثم الحقيقة، بصورة والدته التي أحبّها كثيراً. ثم ارتبط حُبّ البنت وبِحُبّ الأم بروابط رُوحيّة، ونفسية وإنسانية، ترقى بالقصيدة إلى مستوى عال، وتفصح عن دفقة الوجدان العارمة في أبيات الشاعر في آخر القصيدة الرقيقة:

بُنيّتي طيفٌ تَعَلّقْتُه

من صغري والفَيْنَة النائية

صورة أُمّي سَرَبَتْ في دمي

وانبثقت من طفلتي بَادية

بُغامُها وشوش في مسمعي

وطاف في مُهجتي الصابية

إذا تطلّعتُ إلى وجهها

رأيت أمّي مرّةً شانية!

وفي الكلام خيال سارح، وتصوّرٌ أسطوري: فصورة الأم كانت منه في مجاري الدمّ (من المحبّة الخالصة) وسَرَبَتْ في دمه (تغلغلت وسارت) وما لبثت أن ظهرت تلك الصورة في وجه تلك الطفولة الصغيرة، كما تظهر الزهرة من الغصن الرطيب، وكما تفوح الرائحة من الوردة العطرة.

ويظهر في قصيدة الشاعر أنور العطار الجانب الرومانسي، وقد سبقت الإشارة إلى ذلك ـــ فالعطار من مرتادي هذا التيار الذي انساق معه عدد كبير من الشعراء فأفاضوا على أشعارهم من المشاعر والوجدان، ومن دْْوب النفس ودقة القلب.

ومن الطريف ونحن ندرس هذه الصلة، بين الأم والولد والبنت (الحفيدة) أن نذكر هنا إهداء الشاعر ديوانه، وفيه: «إلى التي علمتني الطيبة وحبّ الخير وأفاضت عليّ من حنانها ما جعل صحراء أيامي جناتٍ وظلالاً، وإلى أمّي أهدي هذه الظلال».

أ.د محمد رضوان الداية

Email