من قدم الآخر..ياسر العظمة أم « مرايا » ؟

من قدم الآخر..ياسر العظمة أم « مرايا » ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

«رمضان ع البال»... إطلالة نعود بها من وقت إلى آخر مع أعمال تلفزيونية كانت تؤنس الناس في الأمسيات الرمضانية، وشكلت مساراً إبداعياً في الأعمال الدرامية والتي بفضلها تحتل دبي اليوم مكانة متقدمة في مسارها الراهن لتكون عاصمة للإنتاج الدرامي العربي عموماً والخليجي خصوصاً.

عمره الرسمي ستة وعشرون عاما، قدم خلالها مئات اللوحات النقدية الساخرة، ولذا يعتبره البعض الأب الروحي لمسلسلات نقدية عربية كثيرة عملت في نفس التوجه والاختصاص، ولكن يظل لـ«مرايا» شكل خاص ومظهر براق مازال يلقى الإعجاب لدى الناس في كل مكان يعرض العمل فيه.ارتبط اسم «مرايا» باسم الفنان الكبير ياسر العظمة الذي اعتزل التمثيل إلا من إطلالة سنوية على المشاهدين يقدم فيها خلاصة ما كان يقرأ ويسمع ويشاهد مؤلفا وممثلا.

وبسبب هذه الديكتاتورية الفنية التي ربطت اسم العمل بالممثل، ارتبطت السلسلة ببعض الممثلين الذين غالبا ما تربطهم صداقة ما بياسر العظمة مثل عصام عبه جي وهالة حسني وتوفيق العشا وبشار إسماعيل وعارف الطويل وحسن دكاك.. وغيرهم، وربما هم ليسوا من أصحاب الصف الأول في سوريا ولكنهم عرفوا ببراعتهم في تقديم سلسلة «مرايا». تبدلت وجوه ومواقف ورحل آخرون وظل ياسر العظمة وفيا لهذه السلسلة ممسكاً بها بحزم يخاف أن يتركها أو يغير من مسارها.

الأسد أول من دعمه

انتقد ياسر العظمة أوضاعاً محلية سورية وأخرى عربية، وعانت مراياه منذ العام 1982 حينما تقدمت لأول مرة من مقص الرقيب ومن تهديدات منع العرض وإيقاف التجربة، ولكنه لم يكن يأبه لهذا وقد حصل عدة مرات على دعم السلطة في تقديم ما يريد.

ويقال أن الرئيس الراحل حافظ الأسد قال له ذات مرة «قل ما تريد ولا تخف من أحد وإذا كنت بحاجة للأفكار فأنا جاهز لأعطيك أفكارا جديدة»، مما شكل للعظمة دعما رفيعا جعله يحمل عبئا إضافيا ويقدم ما يريد ويوسع من هوامشه وعمليات بحثه المضنية للخروج بأفكار جديدة كل عام.هل هو سارق محترف؟

لم يسلم العظمة من لسان منتقديه الذين اتهموه بالسرقة من الآداب العالمية ومن كتاب عرب بالإضافة إلى أنه كان ينسب أعمال آخرين له، وهذا الأمر كان العظمة يرد عليه عبر أعماله، إذ نادرا ما كان يميل إلى إجراء حوارات صحافية أو كان يرد على منتقديه.

والطريف أنه لم يجر مع التلفزيون السوري في تاريخه إلا مقابلة يتيمة بحيث باءت كل الجهود بالفشل في جعله يقترب من التلفزيون الرسمي إلا عن طريق أعماله، والأمر بطبيعة الحال ينسحب على تلفزيونات عربية أخرى طلبت إجراء لقاءات معه ولم يحصل هذا، والمعروف عنه أيضا إقلاله في الحديث للصحافة وإذا وافق على مضض فإنه يطلب الأسئلة مكتوبة كي يجيب عليها بنفس الآلية وهنا لا ننكر أنه يكتب بخط الرقعة وخطه من أجمل الخطوط التي يمكن أن يصادفها عاشق للخط العربي.

عباءة دريد ومهاجمة إمام

خرج العظمة من عباءة الفنان الكبير دريد لحام عندما شاركه في مسرحيتين هما «غربة» و«ضيعة تشرين»، ولكنه فضل الانسحاب سريعا حتى لا تحل عليه لعنة الأنماط الأخرى التي عانت من عملها مع دريد لحام فلحق بها النسيان والإهمال مثل ياسين بقوش وأبوعنتر وفطوم..

وكانت خطوة ذكية منه أن يتوجه بداية الثمانينات لتقديم سلسلة انتقاديه في صيغة مسلسل تلفزيوني كي تكون الأقدم والأشهر عربيا، وعلى الرغم من عدم وجود خلاف معلن بين النجمين إلا أن العظمة ولحام لا يترددان في انتقاد أحدهما للآخر أمام بعض الأصدقاء، وسبق وأن لامه النجم العربي عادل إمام لأنه ينتقده بحدة وينفي عنه موهبته بالكوميديا ببعض الأعمال التي وصفها العظمة بـ«التهريجية والسطحية».

مراحل المد والجزر

مرت الـ«مرايا» بمراحل مد وجزر مختلفة، وقد خضعت لتغيير في الاسم فسميت «شوفوا الناس» و«حكايا المرايا» لفترة من الزمن، ثم عادت لتكون «مرايا» وكادت أن تفقد هيبتها وحضورها نظرا لتكرار بعض المواضيع واللوحات التي كان يكتبها العظمة شخصيا.

ولكنه أدرك أن هذا الخطأ المتكرر قد يخفف من شعبيته في ذروة نجوميته، ففتح الأبواب لكتاب جدد واستقبل نصوصا من كتاب معروفين وآخرين غير معروفين، وهنا عادت المرايا لتزدهر، وشهدت مرحلة نهاية التسعينات حتى الآن كما لا بأس به من اللوحات الجديدة والمهمة، ولا ننكر ان «مرايا» العام الماضي كانت من أهم الأجزاء التي قدمها العظمة في تاريخه.

يأخذون عليه تفرده في قيادة الحلقات المتميزة في المسلسل، ونادرا ما يغيب إلا عن بعض الحلقات الضعيفة وهو يقول طالما أنا قادر على أن أؤدي الشخصيات بطريقة مقنعة ويحبها الناس فلماذا ينتقدونني بهذه الطريقة القاسية.

العظمة قليل الاحتكاك بالعامة، نادر الظهور في الأماكن المفتوحة، وغالبا ما يستلهم قصصه بذكاء من بعض أصدقائه ومن قراءاته المعمقة، ويقال أنه دودة كتب، وكثيرون يعتقدون أن لديه مؤسسة ضخمة من أجل صياغة مشروعه السنوي هذا، والحقيقة أن لديه مكتبا يقابل فيه بعض الأصدقاء والمقربين منه في منطقة قريبة من مركز المدينة.

ولديه شخص يتابع معاملاته أما كل مراياه فينجزها بنفسه، وكثيرا ما يبدل في المخرجين بين هشام شربتجي وسيف سبيعي وحاتم علي ومأمون البني.. ولكن في النهاية أي مخرج سيقدم «مرايا» لا يستطيع أن يشذ عن القاعدة التي تقول أنها عمل لا يحتاج إلى حرفية إخراجية عالية لأن المادة الأساسية هي للنص وللممثل وكلاهما يحمل توقيع ياسر العظمة.

جمال آدم

Email