العبر في إستيحاء الصور

إلياس فرحات

ت + ت - الحجم الطبيعي

في سنة 1956 صدرت في عمان دراسة عن الشاعر فرحات للأستاذ عيسى الناعوري عنوانها «الياس فرحات شاعر العروبة في المهجر» وبعد صفحة الغلاف صفحة عليها صورة الشاعر وتحتها بيت مفرد كتبه تحت صورته التي أهداها إلى صديقه الناعوري، قال:

بكيت فقال أصحابي أتبكي

فقلت: مضى الشباب، فهل أغني؟!

وحظي كتاب الناعوري بمقدمة من الشاعر المهجري والكاتب جورج صيدح قال فيها عن فرحات إنه الشاعر المهجري الوحيد «مئة بالمئة»، واستحسن وصفه لنفسه:

ربة الحكمة إني شاعر

يعشق الحكمة مذ كان صبيا

لا تخاليني لصيقاً بالثرى

لا تمس الأرض إلا قدميا

إن في الإنسان من فطرته

للثرى شيئاً وشيئاً للثريا

وفي ديوانه (الصيف) وهو الجزء الثاني من مجموع أشعاره (ديوان فرحات) قطعة من بيتين اثنين ربط فيهما بين شعره، وحياته، وجعل ذلك الشعر (صورة) لحياته قال:

إن شعري لصورة لحياتي

لا غموض فيه ولا تعقيد

لا كشعر يذيب قارئه المخ

ليدري من قاله ما يريد!

ولم ترد كلمة الصورة في الشعر عرضا، ولكن قضية الصورة والتصوير ماثلة في ذهنه وهو يوظفها توظيفاً جيداً، ويستفيد من (الخلفية) التي في أذهان الناس من الكلمة.

ومن لطيف الربط بين صورة الشاعر الحقيقية (حقيقة وجوده) وبين شعره، وصورة روحه قوله في شعر توجه به إلى والدته. وتحت عنوان (إهداء) في (الصيف) قال: أهدى الناظم نسخة من ديوانه المطبوع سنة 1932 إلى أمه بعد أن كتب عليها:

أماه هذا الياس عاد وانه

هذا الكتاب بمتنه وشروحه

فبرسمه تلقين صورة جسمه

وبنظمه تلقين صورة روحه!

والربط حسن جداً، وفيه جدة على ما نعرف من حديث الصور والتصوير.

وقريب من هذا قوله في إهداء ديوانه إلى صديقة له:

أزف إليك ديواني وإني

لأرجو العذر منك على قصوري

وما هو بالقليل ففيه شعري

بجملته وفي شعري شعوري!

ولفتت صور السينما إلياس فرحات كما لفتت بعض الشعراء كالعقاد، وفي الديوان قطعة عنوانها «قلبي على ابني» وأشار في الحاشية إلى سبب نظمها، قال: «نظمت هذه الأبيات على إثر عرض مشاهد سورية في السينما» ثم قال:

يا ابن الشآم قضيت العمر مغترباً

عن موطن غمرته لجة الغِيَرِ

هذي بلادك قد صارت حقائقها

مما ألم بها ضرباً من الصور

لما رأتك بحب المال مشتغلاً

عن حبها ضارباً في البيد والكور

جاءت تزورك ولهى وهي قائلة

«قلبي على ابني» وقلب ابني على الحجر!

جعل الصور تأتي من بلاد الشام إلى المهاجر الأميركية نيابة عن البلاد (الوطن) التي افتقدت أبناءها هناك!

وردد إلياس فرحات هذا المعنى على وجوه مختلفة، لقد عاش الوطن بين جوانحه حقيقة وخيالات دائمة الحوم والطواف حوله، وهو القائل:

فإنني قد غبت عن لبنانا

ما زلت أمشي تائهاً حيرانا

عليَّ أن أحالف الخسرانا

أو لا فأن أحتمل الهوانا

والنفس لا تقبل أن تهانا

وفي صدر ديوان فرحات الصادر في سان باولو سنة 1932 صورة للشاعر في شبابه مع بيتين تحتهما بعنوان «إلى قيثارة الإلهام فرحات» من نظم نصر سمعان وهما:

تتجلى في ناظريك معان

ضمنت شعرك الشهي رحيقا

لست أدري أصوّرتك خيالاً

لمحة الشمس أم شعوراً رقيقا

والبيتان تحية عذبة الألفاظ والمعاني، وفيها لمحة ذكية في البيت الثاني في التساؤل الذي يقرر، ويؤكد ذلك التقرير.

Email