كنوز المخطوطات

شرح فصول بقراط في الطب

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

كان لحركة الترجمة التي اهتم بها الخلفاء المسلمون أثرها الكبير في حركة التصنيف في العلوم المتنوعة ولعل من أهم هذه الترجمات العلوم الطبية، حيث استوعب الأطباء المسلمون كل ما ترجمه المترجمون وهضموه، وأسفر فهمهم لها عن صبح أضاء العالم بأنواره الناعمة الهادئة، معطياً ثماراً لا تفنى، وإن امتدت على أكلها أيادي ملايين البشر، بل تتجدد وتخلد.

إن المصنفات الطبية التي أنتجها علماؤنا باقية خالدة، ما دامت الحياة، ولم يقف الأمر عند الترجمة الحرفية لكتب الآخرين ومصنفاتهم، بل تعدى الأمر إلى تكملة التفسير والشروح، ولعل من أهم الكتب التي يشرح فيها المصنفون المسلمون كتب الأمم الأخرى المتعلقة بصناعة الطب، مخطوط كتاب شرح فصول بقراط في الطب، الذي عرف بعنوان أوفر الشروح.

وقبل ان نبدأ بعرض ما جاء في هذا الكتاب لابد من معرفة المؤلف بشكل موجز جداً ثم نعرض للكتاب ونوضح ما تناوله فيه ومنهجه، وتقسيمه إلى أبواب وفصول وتفسيره للفصول، ثم نعرض نموذجاً مما جاء فيه، ثم نحدد وصف النسخة المخطوطة.

* المؤلف

ابن أبي صادق، عبدالرحمن بن علي بن أحمد بن أبي صادق، أبو القاسم النيسابوري، حكيم من الأطباء يلقب بسقراط الثاني، المتوفى نحو 470 ه، من أهل نيسابور، له تصانيف في «شرح مسائل حنين» نسختها في مكتبة خداخش ـ بتنة و«شرح فصول بقراط» ونسخته في مكتبة متحف بغداد، وفي مكتبة الكونغرس، وفي مكتبة تشستربيتي في دبلن، ونسختنا التي نعرضها محفوظة في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت.

بدأ كتابه بالحديث عن علم الطب وأفضليته على العلوم الأخرى، وذكر ان كتاب الفصول لبقراط يعد من أفضل الكتب لأنه أوجز الكتب المصنفة في هذا الباب وأكثرها حصراً لفصول هي دساتير للعالمين، وهو أحد أهم الكتب لمن يريد الإلمام بهذه الصناعة أن يحفظه.

وقد ذكر أن جالينوس فسر هذا الكتاب تفسيراً تاماً في معناه، وأنه سوف يتمم ما قاله ويضيف إليه ما أغفل، وغرض بقراط في هذا الكتاب أن يجمع فيه فقرات أصول الطب وأن يتمم جمعه في كتبه الأخرى، منها كتابه في تقدمة المعرفة، وكتاب الأهوية والبلدان، وكتاب الأمراض الحادة، وكتابه الأمراض الوافدة المعروف بابيديميا. وأخذ فصولاً من كتابه في أوجاع النساء، وغير ذلك من سائر كتبه الأخرى. وقد قسم الشارح شرحه للكتاب على عشرين باباً وقسم الأبواب على فصول مجموعها 261 فصلاً وألحق مباشرة بتفسير لكل فصل وهي كالآتي:

الباب الأول: فيما قال في صدر الكتاب والأحكام الكلية، وهي تسعة فصول.

الباب الثاني: في الأصحاء وتدبير أغذيتهم، وهي تسعة عشر فصلاً.

الباب الثالث: في انواع الاستفراغ، وهي في ثلاثين فصلاً. الباب الرابع: في مرض كل سن من الأسنان وهي في عشرة فصول. الباب الخامس: في أمراض الأزمنة وفي الرياح والأمطار، وهي في ثلاثة وعشرين فصلاً.

الباب السادس: في علل الأعضاء على تواليها، وهذا الباب منوع جعله في واحد وعشرين نوعاً وهي: النوع الأول علل الرأس، والثاني في السكتات، والثالث في الشيخ، والرابع في العين، والخامس في الأذن، والسادس في الأنف، والسابع في اللسان، والثامن في الحلق والفم والذبحة والأسنان، والتاسع في المعدة، والنوع العاشر في قذف الدم، والحادي عشر في الفواق.

والثاني عشر في أمراض الصدر، والثالث عشر في الغشي، والرابع عشر في الكبد، والخامس عشر في الطحال، والسادس عشر في الكلى، والسابع عشر في الظهر، والثامن عشر في الحلق والأمعاء والتاسع عشر في البواسير، والعشرون في القولنج، والحادي والعشرون في النقرس وعرق النسا ووجع الورك.

أما الباب السابع فهو في أمراض النساء، وهو في ثلاثة وثلاثين فصلاً، والباب الثامن في القروح والأورام والخرق والقطع والكسر: وهو في أربعة عشر فصلاً، والباب التاسع: في الخراج، وهو في ستة فصول، والباب العاشر في الحميات وهو عشرون فصلاً، والباب الحادي عشر في العرق وهو تسعة فصول، والباب الثاني عشر في البول وهو ستة عشر فصلاً ما ذكره في سائر الأبواب، والثالث عشر في النوم وهو ستة فصول، والباب الرابع عشر في الحران وآلامه، والاستفراغات التي تحدث فيه والأعراض، وهو ستة عشر فصلاً.

والخامس عشر: في تدبير المرضى وأغذيتهم وهو اثنا عشر فصلاً، والسادس عشر في الناقه وهو خمسة فصول، والسابع عشر: في الألباب وهو فصل واحد، والثامن عشر: في الشراب، وهو ثلاثة فصول، والتاسع عشر: وهو في المياه والثلج والجليد، وهو تسعة فصول، والعشرون في الأمراض التي تحدث وتنقضي بحدوث أمراض أخرى وهو سبعة عشر فصلاً.

* أنموذج من الكتاب

الباب الثاني: فيما قال في الأصحاء وتدبير أغذيتهم وهو تسعة عشر فصلاً: فصل البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر إذا كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى وذلك لا يمكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقروا ولما كانوا لا يستقرون لم يمكن أن يزدادوا إصلاحاً فبقي أن يميلوا إلى حال أردأ ولذلك ينبغي أن ينقص خصب البدن بالتأخر كما يعود البدن فيبتدئ في قول الغذاء ولا يبلغ من استفراغه الغامة القصوى فإن ذلك خطر لكن بمقدار احتمال طبيعة البدن الذي تقصد لاستفراغه وكذلك أيضاً كل استفراغ يبلغ فيه الغامة القصوى فهو خطر وكل أغذية هي في غاية القصوى فهي خطر.

غرض بقراط بهذا الفصل أن ينبهنا إلى قانون عام وهو أن كل كثير عدو للطبيعة مفسد للبدن ويصحح هذا القانون الكلي ببعض جزئياته وهو الامتلاء المفرط والاستفراغ المفرط وعني بخصب البدن في غامة القصوى ألا يبقى في الأعضاء تأت للامتداد وإذا صادف الأعضاء من الخصب إلى جدب لا يتحدد معه أصلاً لم يكن في العروق متسع لنوال الغذاء أو للروح متحرك فيها ولا للحرارة الغريزية ممزوج.

ولذلك فإن البدن لا يمكن أن يبقى على حاله تلك لكنه يصير إلى حال أردأ من قبل الطبيعة ترسل الدم في كل يوم إلى العروق لأنها لا تمسك عن فعلها من توليد الدم وتوزيعه على الأعضاء فيحدث أحد أمرين إما انشقاق عرق كبير لا يمكن معه أن يلتحم فيستفرغ منه الدم الذي في البدن كل ذلك إذا كانت أجراح العروق أصلب جوهراً أو أشد تلذذاً وربما ينصب شيء من الامتلاء إلى تجويف القلب فيقتل مثلاً وحياً لأنه ليس في البدن تجويف يفضي إليه العروق التي يسبح فيها الدم إلا تجويف القلب ويتقدم هذه الحالة اختلاج في القلب.

وبهذا يبقى أن يستفرغ هذا الامتلاء إلا أنه لا يبالغ في الاستفراغ إلى الغامة القصوى وهو الحد الذي لا تحتمله القوة لأن القانون في كيفية الاستفراغ ليس هو مقدار الامتلاء فقط ولكن مقدار القوة أيضاً وكذلك إذا لم يكن في القوة محتمل لمقدار ما يجب أن يستفرغ من البدن.

لم يستفرغ في دفعه وكما أن الاستفراغ في الغامة القصوى فهي خطر والإبلاغ في التعدمة بعد الاستفراغ قرب من الخطر لأن القوة لابد من أن تخور مع ضعفها بالاستفراغ إذا حمل عليها أكثر مما تحتمله قالوا إن بقراط عناه بقوله وكل تغذي إنما خصص الخطر في فرط الامتلاء والاستفراغ بأصحاب الرياضة وهم الذين يستعملون ضروب الرياضات كالمصارعين دون أصحاب الكد والتعب لأن أولئك أوفر الناس قوة وأصحهم أبداناً وإذا كان الامتلاء أو الاستفراغ والتغذية في الغامة القصوى في هؤلاء خطر فكم ما يجري أن يكون الخطر منها أكثر ممن هو دونهم في القوة.

* النسخة المخطوطة

نسخة مصورة على قرص مدمج عن النسخة الأصلية المحفوظة في مكتبة الجامعة الأميركية في بيروت تحت رقم 610 وهي من القطع المتوسط الحجم، عدد أوراقها 172 ورقة، ورقمها في المركز 4069/ أقراص، وقد تم نسخها في شهر صفر من سنة 653 هجري، على يد علي بن عمر بن محمد من بلدة سمرقند. وتكمن قيمة هذه النسخة في أنها غير منشورة وأنها تعطينا فكرة عن تطور صناعة الطب، منذ بداياتها إلى الآن، فهل تمد يد باحث لإحياء ما فيها من علم.

هلال أبو شملة

مركز جمعة الماجد للثقافة والتراث

Email