البدو في عيون غربية

مهام تنصيرية تحت غطاء طبي إنساني.. ومبشر يمارس دعواه من مسجد

ت + ت - الحجم الطبيعي

زار العديد من المستشرقين الأكاديميين والرحالة والمبشرين أجزاء من جزيرة العرب واختلفت بهم السبل كما اختلفت المرامي والأسباب فدوّن كل منهم وجهة نظره وترك بعده وثيقة مدونة توثق لتلك الرحلة.

إن أحداً من الأوروبيين الذين زاروا مكة لا يمكن أن يرى مثل ما رأى المستشرق الهولندي كرستيان سنوك هورخرونية (Snouck- Hurgronje 1936-1957) - على حد تعبير روبن بيدول- فقد أقام فيها أكثر من ستة أشهر في عام 1885، بعد أن عاش خمسة أشهر قبلها في جدة.

ولد هورخرونية في استرهوت، وتعلم في لايدن على دي خويه Coeje,M.J.de، وفي ستراسبورج على نولدكه، ثم رحل الى جاوة وأقام سبع عشرة سنة في خدمة حكومتها، وزار مكة مُتسمياً بعبد الغفار 1884، واستقر في سوق الليل (بمكة) خمسة أشهر، غادرها قبل موسم الحج ثم عين أستاذاً للعربية في باتافيا وقد عُد عميد العربية بعد جولدتسيهر، وفي طليعة رواد دراسات الفقه الإسلامي والأصول والحديث والتفسير في أوربا.

كان قد حصل على الدكتوراه برسالة عن نشأة فريضة الحج، ثم أصبح محاضراً في المؤسسات الإسلامية بالجامعة الهولندية حيث كانت الحكومة تدرب المسؤولين والموظفين المعتزم إرسالهم إلى جزر الهند الشرقية.

وما يهمنا هنا من مؤلفاته كتابه (الحج إلى مكة) لاهاي1886، و(أمثال أهل مكة) و(مكة وجغرافيتها) كما له كتاب بعنوان: (الثورة في جزيرة العرب) New York,1917 وهو مؤلّف يتناول أحداث الثورة العربية في الحجاز ضد الأتراك مبيناً الأوضاع السياسية السائدة وقتذاك وموضحاً الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة خلال القرن التاسع عشر.

وقد وصفها وصفاً دقيقاً شاملاً مع خرائط عديدة، وقع في جزأين بالألمانية، ليدن، 1889 وهناك مؤلفات للرحالة جيرالد دي جوري Gerald De Gaury منها: (رحلة إلى جزيرة العرب ورحلات صحراوية أخرى) ،De Gaury, Gerald Arabian Journey and other desert travels, London,Harrap,1950

وكذلك مؤلفه (الجزيرة العربية، قصة رحلة ابن سعود):

De Gaury, Gerald Arabia Phoenix, an account of avisit to Ibn Saud, London, 1946.

وله مقال بعنوان (جزيرة العرب والمستقبل Arabia and the future .Royal Asian Journal .vol.xxx1,1944,PP.40- 47.

ولروبن بيدول مؤلف بعنوان (شؤون الجزيرة العربية من عام 1905- 1906 جزآن Bidwell,Robin. The Affairs of Arabia , 1905-1906,2 vols.London,1971.

وهناك مؤلف لارمسترونغ Armstrong وهو بعنوان (سيد الجزيرة العربية)Harold Courtenary Armstrong,Lord of Arabia ,Khayat`s College Book Coop,1939

وقد وصف المستشرق الهولندي مولين فان در كتاب أرمسترونغ بأنه ـ أي أرمسترونغ- «قد درس سلفاً موضوع كتابه بعمق. وإن كانت تنقصه الروح الخفيفة والظريفة للشرقي أمين الريحاني، وإن كانت صياغة أرمسترونغ تتناسب مع جو الجد والوقار المسيطرين على المجتمع السلفي في إطار جدية وطنهم الصحراوي».

* ديسكون

أما الكولونيل ديسكون H.Dickson صاحب كتاب «عرب الصحراء بالكويت والمملكة العربية السعودية» The Arab of the desert in Kuwait and Saudi Arabia ,1949.

فقد كان المعتمد السياسي البريطاني في منطقة الخليج ومقيماً في الكويت منذ عام 1929، وتجول في الجزيرة العربية وكتب عن حياته في الصحراء، ووصف حياة البداوة ونظام البدو الاجتماعي، ومفهوم الشرف العربي، وتقاليد الزواج، وملابس البدو ، وطعامهم وكل ما يتعلق بحياتهم في الصحراء.

ولد ديسكون في بيروت في 4 فبراير 1881م. وبعد أن تلقى تعليمه في مدرسة سانت إدوارد باكسفورد، وكلية أودهام، وجامعة اكسفورد، انضم لفرقة الكونوت رينجرز في عام 1903 وبعد أداء الخدمة العسكرية في إيرلندا والهند نقل في عام 1908إلى الفرقة 29 في الجيش الهندي.

بعِثَ إلى العراق في نوفمبر 1914 مع اندلاع الحرب العالمية الأولى حيث شارك في العمليات التي أدت الى الاستيلاء على البصرة، القرنة، والناصرية، بما في ذلك معركة الشعيبة، وأشيد بذكره في التقارير العسكرية.

وعمل مدة مع السير برسي كوكس. وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة نقل وكيلاً سياسياً في البحرين، وفي سنة 1929 توجه إلى الكويت ليشغل منصب الوكيل السياسي بها. وبعد تقاعده من الجيش عند بلوغه السن القانونية في عام 1936 تخلى عن منصب الوكيل السياسي، لكنه منذ ذلك الوقت بقي في الكويت ممثلاً لشركة نفط الكويت، وتوفي سنة 1959 ودفن في الأحمدي بالكويت ولايزال قبره موجوداً هناك حسب وصيته.

وهناك مؤلف للرحالة (ولستِدWellsted,J.R.) نُشِر بالألمانية تحت عنوان:

Reisen in Arabien .Deutsche von Dr.E.Rodiger.Halle,Waisenhauses.1842.312

p.map.

وقد تُرجم هذا المؤلف من الألمانية إلى الإنجليزية تحت عنوان: aibarA ni slevar وقد زار ويلستد الجزيرة العربية في النصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي، فسجل في مؤلفه السابق مشاهداته وانطباعاته. وقد حدث على يديه تقدماً معرفياً حقيقياً خاصة بالمناطق الداخلية من عمان. فقد وصل إليها في (1835-1836) وكان ضابطاً في الأسطول وشارك فترة في عملية مسح شواطئ الجزيرة العربية،

وهو من أوائل الذين سجلوا جانباً من النقوش والكتابات الحجرية باللغة الحميرية القديمة. وكان من الذين سجلوا انطباعات جميلة عن الجزيرة «إنني أكاد أقول إننا أخيراً وصلنا إلى الأرض العربية المباركة التي كنت أعتقد من قبل أنها لا توجد إلا في خيال شعرائنا القدامى»، ويمضي في إبداء إعجابه «هل هذه هي الأرض التي قيل لنا إنها صحراء قفراء لا حياة فيها ولا ماء ؟

ها هنا، على مدى البصر حقول شاسعة تمتد أميالاً وأميالاً، وجداول الماء الرقراق تنساب تحت أقدامنا كأنها ينابيع الجنة. وعلامات السعادة والرضا على وجوه الفلاحين تضيف لمسات أخرى جميلة على الصورة الباسمة ». ويتضح من كتاباته أنه استمتع كثيراً بالعيش في مجتمع العرب، و أعجب جداً بصلابتهم وجلدهم واعتزازهم بقيمهم. وكان ويلستد يتمتع بحق بموهبة المستكشف الجيد، ألا وهي القدرة الغريزية على تفهم الأهالي الذين يلتقي بهم، ويتعاطف معهم.

بل كان شديد الإعجاب بالبدو فيقول (حسب بيدول): «لو قارنا بين شخصية البدوي وجيرانه، فلكم تبدو قامة البدوي سامقة عالية فوق الآخرين. إن حسه الوطني واستقلاله الطبيعي يضعانه في مستوى رفيع». ويبقى لما كتبه ويلستد أيضاً عن جزيرة سوقطرة وساحل الحجاز أهمية لا تنكر، مع أن نهايته كانت مأساوية بحق، فعندما عاد إلى مسقط في 1837 أصُيب بنوبة حمى حادة.

وفي لحظة يأس، أو ألم، أو فقدان وعي قرر أن يتخلص من حياته بأن وضع مسدسه في فمه وأطلق طلقتين غير أنه لسوء حظه لم يمت، وإنما ظل حياً، معلقاً بين الحياة والموت بضع سنين، حتى وافاه الأجل وعمره بعد لم يتجاوز السابعة والثلاثين.

* أول عابري الربع الخالي

أما مؤلفات الرحالة( برترام توماس Thomas ,Bertram) فلها أهمية خاصة، كونه أول رحالة يتمكن من عبور صحراء الربع الخالي. تعلّم توماس في مدرسة الفرية ثم تلقى دروساً خاصة والتحق بالجيش عام 1908 وعمل في العراق، في المكتب السياسي برئاسة السير أرنولد ويلسون، ومستشاراً للحكومة العربية في شرقي الأردن عام 1922، ومستشاراً مالياً لسلطنة مسقط عام 1924، وقام برحلته التي عَبرَ فيها صحراء الربع الخالي عام 1930- 1931

وكشف عن أسرارها المجهولة وهو بذلك يعتبر أول رحالة غربي يجتاز هذه الصحراء بعد تركه الخدمة في الحكومة، تفرغ للدارسة والكتابة حتى عين مديراً لمركز الشرق الأوسط للدراسات العربية (شملان) أو وكر الجواسيس كما سمّاه المستشرق ماكلوخلان، عام 1944 بلبنان. وكان توماس كما يصفه بيدول رحالة «محترف من قمة الرأس إلى أخمص القدم».

وكانت أمنيته أن يجتاز الربع الخالي ومن حسن حظه أنه وجد الوقت الكافي لكي يعد نفسه للرحلة بكل لوازمها ساعده على ذلك علاقته بسلطان مسقط حيث عمل مستشاراً مالياً و وزيراً مفوضاً، وقد اصطحبه السلطان معه في العديد من رحلاته بالمناطق الساحلية لشرق عمان. وهو أول من وصف رمال الربع الخالي «ما أشد وقع هذا البحر الهائل من كثبان الرمال عندما تقع عليه أنظار المرء لأول وهلة ..

.فتراه يمتد أمامك أمواجاً بعد أمواج، وفجأة ترى أمامك جبلاً هائلاً منتصباً أمامك يطل عليك من عليائه كئيباً كالشيطان ! ومن ورائه ينبسط الوادي مرة أخرى دون أن يلوح للنظر على مدى أيام نبتة واحدة خضراء ...الكثبان هنا من كل الأحجام ..متناثرة بلا نظام . ولكنها كلها كاملة الاستدارة كأنها نهود عذارى أبكار. وتمتد في حزام بعد حزام كأنها سلاسل جبال. والشمس عمودية تماماً فلا تكاد تجد للكثبان ظلالاً على الرمال».

وفي مناسبة أخرى يقول: «وقد تأتي لحظة يجد المرء نفسه أمام لوحة رائعة الفخامة والجلال كأنما أبدعتها ريشة فنان عظيم شديد الكبرياء بلون أحمر وردي عميق الصفاء، تحت سماء بلا غيوم، وضوء ساطع بهيج...هنا يشعر المرء بنفس الشعور الذي يغلبه مع شتاء سويسرا ...حيث الطبيعة تتحدى أعظم الرسامين».

وعن بداية اهتماماته بمنطقة الربع الخالي، وكيف تبلورت فكرة وضع خطة لاجتيازها يقول: عملت ثلاثة عشر عاماً قضيتها في السلك السياسي بعد الحرب العالمية الأولى في ثلاث جهات من الجزيرة العربية وقد مكنني هذا من إتقان اللهجات القبلية والعادات العربية والتأقلم معها. وقد كرست نفسي سنوات كثيرة لمهمتين، هما كيف أضمن وسيلة للوصول الى أغوار المنطقة، ثم كيف يمكنني أن أكسب صداقة القبائل هناك.

وقد بدأت صلتي بالناس في المنطقة الجنوبية الشرقية من الجزيرة العربية، بعد أن عُينت مستشاراً في مجلس وزراء عُمان وذلك بالنظر الى العلاقات الودية القائمة بيني وبين سلطان البلاد وقد أتاح لي هذا الوضع أن أعقد صلات كثيرة وعلاقات وثيقة مع الشخصيات العربية ذات النفوذ في تلك المنطقة. وقد أسفر هذا عن موقف يتسم بالتسامح والود تجاهي كرجل إنجليزي ومسيحي في الوقت نفسه، ولولا ذلك لكان من المستحيل عليّ أن أضع قدمي على تلك البقاع.

أما أهم آثار توماس فهي ترجمته لست وعشرين مقامة من مقامات الحريري، ومؤلف عن (لهجة قبيلة الشحوح) مع ترجمة لمفرداتها (لندن 1930)، و(الإنذار والغزوات في الجزيرة العربية) 1931، Alarm and Arabia Excusion in Arabia ,Bobbsmerrill company

ومن كتبه (رحلة إلى العربية السعيدة عبر الربع الخالي) The Arabia Felix:Across the Empty Quarter of Arabia. وهو يعد من أهم كتبه ففيه دوّن وقائع رحلته في مجاهل الربع الخالي وله (العرب، قضية الناس الذين تركوا الأثر) The Arabas, London, 1937

ومن المقالات: (الربع الخالي، المجلة الجغرافية 1929- 1931)، و(قبائل جنوب الجزيرة العربية، صحيفة معهد علم السلالات الملكي 1929-1932) و(من لهجات الجزيرة العربية، مجلة الجمعية الملكية الآسيوية 1930).

* مشكلات البدو الصحية

وهناك مؤلف آخر مهم عن منطقة الربع الخالي كتبه (لو كاميرونLou Cameron ) وهو دراسة عنه من ناحية جيولوجية وجيمورفولوجية مع توقعات عن إمكانيات موارده الطبيعية ..الخ وهو بعنوان (الربع الخاليThe Empty Quarter, Fawcett,1962) .كما هناك مؤلف يفيد في دراسة أوضاع البدو من النواحي الاجتماعية بخاصة الناحية الصحية والمشكلات المتعلقة بها والتي يعاني منها البدو،

والمؤلف هو ( رحلة طبيب في الجزيرة العربية) لمؤلفه الطبيب (بول هاريسون) وكان قد أرُسل من قبل بعثة تنصيرية وهي الإرسالية الأميركية في البحرين للعمل في مسقط. وقد زار أبوظبي وكتب انطباعاته عنها عام 1919. كما تحدث في كتابه عن جغرافية المنطقة حيث يصف مسقط بقوله: «شهرة مسقط العالمية تعتمد على حرارتها، فهناك العديد من الأماكن الواقعة ناحية الجنوب، عاش فيها الرجل الأبيض المتجول.

وفي حقيقة الأمر فإن مسقط تكاد تقع في داخل المنطقة الاستوائية، وتقوم الجبال الصخرية العارية الموجودة هناك بوظيفتين، صد النسيم وإبعاده والاحتفاظ بالحرارة. ولذلك تعرف مسقط بأنها واحدة من أكثر ثلاث مناطق حرارة في العالم، عاش فيها البيض، وكان أول لقاء لي مع تلك الحرارة ذات ليلة جديرة بالذكر،

وذلك حينما سلكت طريقي باتجاه الشمال في طريقي إلى الهند، وكنا قد أبحرنا بين لسانين من الأرض يحصران الميناء، وكانت الشمس قد اختفت منذ ساعتين، والأرض على مسافة مئات الأقدام، ولكن تلك الصخور الكبيرة كانت مثل الأفران، وقد أتى الهواء بحرارتها، وعند منتصف الليل تراجعت الباخرة، واستنشقنا الهواء الحقيقي مرة أخرى، وقد علمت فيما بعد أن هذه الحرارة الفائقة أثناء الليل هي إحدى السمات المميزة لعمان، وهناك دائماً قليل من الهواء،

وتنطلق الحرارة التي تسلطها الشمس القاسية على الصخور طوال النهار، و بين الحين والحين يهب على المدينة إعصار عنيف من ناحية الجبال يستمر حوالي نصف الساعة، يشبه أنفاس الفرن الساخنة. وقد أخبرني القنصل البريطاني، أنه رأى مقياس درجات الحرارة تسجل 120فهرنهيت عند منتصف الليل ...». وعن طبيعة عمله التنصيري يقول: «الناس بالطبع يريدون العناية الطبية،

ويرغبون في المزيد منها،و لكنهم يريدونها مجاناً ..فقد عرفوا أن عملنا هو تأدية صلاة، و لم يسمع أحد عن طبيب يطالب بأتعاب صلواته، وبالطبع فهذه فكرة دينية جميلة أن يبذل الطبيب قصارى جهده بصورة زاهدة من أجل صالح المرضى الشاكرين، ولكنهم فقراء ...وهذا هو المثل الأعلى من الدرجة الأولى. وعلى أية حال فالموقف في المستشفى التنصيري أقرب منه إلى كنيسة، يشرح فيها القس لجماعة المصلين أنه بينما يكون الخلاص مجاناً،

فهناك عبء كبير يقع عليه. والطبيب الذي يتخذ من مهنته طريقاً إلى التنصير يعد هبة للمجتمع، فهو لا يكلف الناس شيئاً مقابل وقته وخدماته...».والكثير من الأطباء الغربيين الرحالة جاؤوا إلى المنطقة من أجل «التنصير» مع أنهم رغم توافدهم وجهودهم الحثيثة إلا انهم فشلوا كما أسلفنا في الحديث في موقع سابق باعتراف رائدهم في ذلك الوقت زويمر Zewemer.s 1952 ـ 1867 ولكن على أية حال فإن أغلب البعثات الطبية هي في الحقيقة واجهة تنصيرية. وفي هذا الاتجاه ينبغي أن نتعامل مع هذا النوع من المؤلفات.

وقد كتب القس صمويل زويمر Zewemer كتاباً بعنوان ( جزيرة العرب مهد الإسلام Arabia the Cradle of Islam ) وفي هذا المؤلف دراسة لجزيرة العرب وسكانها. وكان زويمر من أكبر المبشرين المسيحيين في الشرق، وقد شغل مركز رئيس مجلس الكنائس في الشرق.

يتحدث عن تجربته في واحة الهفوف التي زارها عام 1904 فيقول: لم أستطع كبت فرحي العظيم بحصولي على ترخيص بزيارة عاصمة الاحساء في الجزيرة العربية ـ الهفوف ـ ولم استطع في الوقت نفسه منع ذاكرتي من تذكر الساعات الحزينة التي قضيتها في ميناء العقير بعد رفض السلطات التركية السماح لي بدخول الاحساء قبل عشر سنوات مضت.

وبالطبع لم أتأخر لحظة واحدة في تجهيز بعض الأدوات والكتب وبإخبار بائع الكتب في الإرسالية الأميركية بالبحرين (سلوم عنتوت) بالاستعداد وانتظار أقرب مركب مسافر إلى العقير على أحَرّ من الجمر. وفي صباح يوم 28 نوفمبر 1904 كان كل شيء جاهزاً ، وتم كل شيء بسرعة وأبحرت السفينة المحلية من ميناء المنامة نحو الاتجاه الجنوبي لجزر البحرين.

وبسبب الرياح المعاكسة لاتجاه السفينة والعاصفة الممطرة لم نستطع الوصول إلى الميناء الذي كنا نود التوجه إليه وهو العقير إلا في اليوم الثاني من الرحلة. ومضت الرحلة بلا مشاكل تذكر حتى وصلنا الى الجزيرة العربية. وفي الواقع فإن ميناء العقير لم يتغير كثيراً بالنسبة لي منذ أن رأيته لأول مرة قبل عشر سنوات، فالقلعة المسقفة بالطين مع حامية الجنود المهملة، ومبنى الجمارك المهدم، والعلم ذو الهلال والنجمة في السارية المنحنية إلى الأعلى، وحتى تجمعات العرب وكلاب الطريق كل هذه الأشياء بدت مألوفة جداً بالنسبة لي.

وقد كتب زويمر الكثير من الكتب، كما تولى تحرير مجلة العالم الإسلامي التي أنشأها مع ماكدونالد. وله مصنفات في العلاقات بين المسيحية وبين الإسلام أفقدها بتعصبه وتضليله قيمتها العلمية (حسب العقيقي) منها: (الإسلام في الصحراء العربية ،1943م)، (بلاد العرب منذ الإسلام)،

و(داخل عالم الإسلام، 1919) إضافة إلى العديد من الدراسات التي نشرها في مجلة العالم الإسلامي، وما ذكرنا هنا من مؤلفاته هو ما نراه مناسباً لموضوع الجزيرة العربية والخليج. إضافة إلى ذلك فقد قام زويمر بعدة رحلات دونها بنفسه منها رحلاته إلى (الهفوف، 1904) وإلى ( جدة، 1917)، كما زار عُمان مسقط و وصل إلى البريمي. وأقام فترة في البحرين رئيساً لبعثة الإرسالية الأميركية فيها.

وفي رحلاته نجد فيها الكثير من الادعاءات والمبالغات التي لا يمكن أن تصدّق خاصة من قبل الذين عاشوا هنا في منطقة الجزيرة والخليج، عدا بالطبع أبناء المنطقة ذاتها كقوله مثلاً إن البدو في البريمي التي زارها تمتعوا بتسامح كبير لدرجة أنهم تركوه يرتاد المسجد ويجلس فيه بل ويقدم مواعظه ( التنصيرية ) أيضاً ولهم!وقد مارس زويمر و أعضاء إرساليته من الأطباء مهامهم التنصيرية تحت غطاء طبي إنساني يتمثل في تقديم العلاج المجاني للبدو والفقراء، تماماً مثلما يحدث اليوم في أفريقيا!.

ومن القساوسة والرهبان الذين اهتموا بالكتابة عن البدو هناك الأب لامنس ( 1862-1937) Lammens, P . H.، وهو مستشرق بلجيكي المولد، فرنسي الجنسية انضم إلى الرهبانية، عام 1878 وكان من أوائل خريجي جامعة القديس يوسف في بيروت حيث دَرَس اللغة العربية، ثم أصبح أستاذ البيان فيها، شهد له علماء عصره بسعة الإطلاع ودقة الملاحظة وقوة الاجتهاد.

درّس اللاهوت في انجلترا، وتولى إدارة التبشير في بيروت، وَعلّم في لوفان، وفيينا وروما، حتى استقر في جامعة القديس يوسف ببيروت وُعهدت إليه الدراسات الشرقية فعكف عليها، حتى يقال إنه قرأ الأغاني سبع عشرة مرة والقلم بيده، وصنف فيها مصنفات كثيرة وعَدّهُ بعض العلماء بها حجة زمانه، وأنكر بعضها عليه آخرون، ورموه بالتزمت والتحيز، وقد توفي في بيروت.

تأليف: عمار السنجري

Email