«لغة الطفل» في خطر والأسباب كثيرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في إحدى الندوات ذكر أحد المحاضرين قصة واقعية عن تأثير وسائل الإعلام في الأطفال. وهي قصة لطفلة صغيرة طلبت من والدها كتاباً معيناً وأوصته بشرائه، فمر اليوم الأول والثاني والثالث، وهي تكرر عليه الطلب ولم يحضر الكتاب المطلوب، فانزعجت من ذلك وضاق صدرها، فما كان منها إلا أن قالت لوالدها: طلّقني!!

 أصبحت اللغة العربية ووظيفتها من الموضوعات بالغة الأهمية في تشكل هوية الطفل، فمن المسلم به أن للغة دوراً هاماً في تحديد شخصية الطفل، فبها يعبر عن أفكاره ورغباته وميوله، ومن خلالها يستوعب البيئة المحيطة به، للاستمتاع بها، وعن طريقها يتواصل اجتماعيا مع الآخرين.

وفي ظل ظاهرة العولمة التي تجتاح المجتمعات، لم تعد الأسرة والمدرسة والمجتمع وحدها مصادر لتربية وتعليم وتثقيف الطفل؛ بل أصبحت هناك وسائل أكثر جاذبية وتأثيراً، يتعامل معها الطفل يومياً، كالتلفاز والحاسوب والشبكة العالمية (الإنترنت) والألعاب الإلكترونية التي تؤثر في الطفل بطريقة مباشرة وغير مباشرة، لتكوّن تفكيره واتجاهاته وقيمه.ويوجه الباحثون والمختصون أصابع الاتهام إلى وسائل الإعلام في ضعف مستوى التحصيل اللغوي لأبنائنا. فقد ساعدت على نشر كثير من الألفاظ والأساليب العامية.

وأصبح بعض المشتغلين بالعربية يتوارون من القوم، بسبب تلك النظرة المصحوبة بالسخرية والازدراء، ذلك لأن بعض وسائل الإعلام أبرزت رجل اللغة بصورة مهزوزة، وهيئة رثة، له عالم خاص، ومزاج منفرد، كل غرضه البحث عن شواذ اللغة وشواردها. ولتأكيد هذا المنحنى يشير أحد الباحثين في دراسة متخصصة له إلى غياب الإستراتيجية اللغوية عن برامج الأطفال.

حيث تهيمن عليها حالة من الفوضى. فثمة خليط عجيب من البرامج التي تعرض في وسائل الإعلام، لا خيط ناظمًا لها، ولا إطار يجمعها سوى الرغبة في ملء فراغ فترة الأطفال.فثمة برامج باللغة العامية وأخرى بالفصيحة، وثمة برامج عربية وأخرى معربة.

وبرامج منتجة محليًا وأخرى مستوردة من الغرب. وكل هذا إنما يؤثر سلبًا على الطفل، ويجعله يعيش متاهة اللغة. فكلما سار في اتجاه ما انعطف انعطافة حادة في اتجاه مغاير، وكلما كاد يقبض على خيط ما أحسّ بانقطاعه من فوره، وكلما كاد يكتسب قيمة لغوية، إذا هي تتلاشى باصطدامها بما يناقضها.

البرامج المستوردة

جاء في دراسة ميدانية قام بها الدكتور عاطف عدلي العبد وعبد التواب يوسف للمجلس العربي للطفولة والتنمية، شملت ثلاث عشرة دولة عربية: أن معظم البرامج الموجهة إلى الطفل العربي في التلفزيونات هي أجنبية، وبشكل خاص الرسوم المتحركة التي عدتها معظم الدراسات الأكثر جذبا للأطفال، مع تسجيل غياب كبير لتبادل البرامج التي تتعلق بالطفل من البلاد العربية.

كما أن غياب استراتيجيات عربية واضحة للنهوض بالإنتاج السمعي البصري الموجه للطفل العربي أتاح لمعظم المحطات العربية، وللأسف، سد هذا الفراغ الكبير، باستيراد برامج الأطفال المدبلجة للغة العربية، وأن غالبية هذه البرامج لا تعكس مشاكلنا ولا قيمنا، بل على العكس، فهي تحمل في طياتها الكثير من الصور المزيفة والمشوهة للواقع ورموزه.

 مقترحات وحلول

في أحد المؤتمرات التي نظمتها جامعة الدول العربية تحت عنوان" لغة الطفل العربي في عصر العولمة" توصل المشاركون إلى مجموعة من التوصيات المهمة التي تهدف إلى تعزيز لغة الأطفال في وسائل الإعلام. ومن أهم ما جاء في هذه التوصيات:

اعتماد اللغة العربية لغة لبرامج الأطفال الإذاعية والتلفزيونية في البلدان العربية.

تشجيع الإنتاج التعليمي والترفيهي الموجَّه للأطفال، عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة على الأداء باللغة العربية الميسرة، مع الحرص على عرض تلك المواد بطريقة جذابة وشائقة.

التوصية للجهات المعنية بفرض نوع من الرقابة اللغوية على المنتجات الثقافية المصورة والمذاعة والمطبوعة للطفل العربي، دعماً للغة العربية.

إنشاء قنوات مخصصة كلياً للأطفال على أن يكون التداول فيها بالعربية.

إلزام الإعلاميين بالعربية الفصحى على الأقل في برامج الأطفال.

توجيه برامج إذاعية وتلفزيونية لتعليم اللغة العربية، بهدف تفعيل الحوار مع أولادنا في المهجر، ولتعليمهم أصول اللغة ومناقشة القضايا الثقافية والتراثية بصفة مستمرة.

مطالبة الدول العربية سن تشريع يمنع استخدام غير اللغة العربية في الإعلانات بجميع أشكالها، وإعادة النظر في كل الإعلانات التي تقدمها التلفزيونات العربية، وخاصة الموجهة للطفل، ليتم تقديمها بلغة عربية صحيحة، ومبسطة وسلسة في الوقت نفسه.

إنشاء مسابقات للقراءة والكتابة باللغة الفصحى، من خلال وسائل الإعلام، على مستوى الدول الأعضاء لتشجيع الأطفال على النطق والكتابة بها، والاستماع إليها.

 غرامة وسائل الإعلام

 

قدم مجموعة من نواب مجلس الدوما الروسي مشروع قانون، يفرض غرامة على وسائل الإعلام الروسية، في حال استخدامها كلمات أجنبية لا تتفق ومعايير اللغة الروسية، ولها مرادفات شائعة الاستخدام. وتشير مذكرة مرافقة لمشروع القانون إلى شيوع استخدام كلمات أجنبية في اللغة الروسية، لها مرادف أو عدة مرادفات دقيقة في هذه اللغة، ما تسبب في إزاحة هذه المفردات نتيجة قلة الاستخدام.

ويستند النواب الروس في مشروعهم هذا إلى تجربة البلدان الأجنبية في هذا السياق، ومن بينها فرنسا التي أصدرت في العام 1994 ما يعرف بقانون حماية اللغة الفرنسية، يفرض غرامة مالية قدرها 20 ألف يورو على وسائل الإعلام التي تستخدم كلمات أجنبية، لها مرادف شائع في اللغة الفرنسية.

 قنوات متخصصة

بعد الاحتلال الياباني لبلادهم، عمد الكوريون إلى بذل كل ما باستطاعتهم للحفاظ على لغتهم، ومن ضمن الأشياء التي قاموا بها، تخصيص خمس قنوات رئيسة للأطفال، كما خصصوا في القنوات الأخرى وقتاً محدّداً لبرامج الأطفال. وكلّها تبث باللغة الكورية الفصحى. وأولى الكوريون كذلك اهتماماً بالتأليف والترجمة للطفل، حتى أن ما يؤلّف ويترجم في جميع فروع المعرفة، يخصّ 37% منه الطفل.

Email