الكذب عند الأطفال.. قصص خيالية تتحول إلى مرض اجتماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمتاز أطفالنا بطرقهم الخاصة في معالجة مشاكلهم وردود أفعالهم، فهم يلجأون ويجربون كل الطرق المكشوفة وغير المكشوفة للحصول على مآربهم، وللهروب من مواجهة المآزق التي تواجههم. أولى هذه الوسائل والطرق الكذب، وهو الذي ينشأ صدفة ويتدرج الأطفال في استعماله، ليصبح عادة بغيضة لنا جميعاً، لا نحب لأبنائنا أن يتعاملوا بها. لذلك علينا أن نتولاّها بالعناية الشديدة والتربية والمتابعة.

 

منذ أن يعي الطفل ما حوله ويبدأ في الكلام، وحتى سن السادسة تقريباً، لا يُفرق بين الحقيقة والخيال، ويكون عقله خصباً بالأحداث والقصص الخيالية، وربما الأصدقاء الخياليين أيضاً. وعندما يقوم الأطفال بخلق قصص خيالية أو بالمبالغة في تفاصيل شيء ما، فإنهم على الأغلب يعبرون عما يتمنون حدوثه.

لذلك سيكون من الخطأ الفادح أن يؤنبوا على ذلك، وأن يعاقبوا على أنهم كاذبون، لذا فإن سن السادسة وما بعدها هو الوقت المثالي لتدخل الآباء التأديبي. تقليد الكبار: غالباً ما يكون كذب الأطفال انعكاساً لكذب الكبار من حولهم، سواء أكان ذلك في المنزل أو المدرسة. فهو تقليد لهم، فعندما يرد الطفل على الهاتف.

ويطلب منه والده أو أخوه أن يقول لمن يتصل إنه غير موجود، والأم التي تعد طفلتها بالخروج في نزهة ثم لا تفي بوعدها، وغيرها من النماذج الأخرى، تعطي للطفل القدوة للكذب. الخوف من العقاب: كثيراً ما يلجأ الأطفال إلى الكذب للهرب من التعرض للعقاب، وخاصة في الأسر التي يسود فيها النظام الصارم والقسوة الشديدة. فالطفل الذي يحطم شيئاً ما وهو يعرف أنه سيتعرض للعقاب لا محالة، يتخذ من الكذب ملجأ لحماية نفسه، وخاصة عندما يتحقق من أن الأمانة لن تجدي في تخفيف العقاب عنه. تمييز الآخرين:

يلجأ الطفل أحياناً إلى الكذب نتيجة لأسلوب التفرقة الذي يتعامل به أحد الوالدين أو كلاهما معه، وذلك من خلال تمييز أخوته عنه، فيحاول الانتقام من ذلك الأخ، باختلاق الأكاذيب عنه والوشاية للوالدين بالكذب عما فعله ليعاقباه. وكذلك الحال بالنسبة للمعلم الذي يحابي دائماً أحد التلاميذ، لهوى في نفسه، على حساب التلاميذ الآخرين.

فنجد منهم من يدفعه الحقد على هذا التلميذ إلى تلفيق الأكاذيب التي تجعله عرضة لعقاب المعلم. الشعور بالنقص والدونية: أحياناً يلجأ الطفل إلى الكذب عندما يشعر أنه أقل ممن حوله، سواء من أخوته أو زملائه، إذ يجدهم متفوقين ومحل إعجاب الآخرين، فيدفعه الإحباط إلى اختلاق نجاحات قام بها في المدرسة، حتى يحصل على ثناء وسرور والديه.

 

الكذب أنواع

 

 

الدراسات والبحوث التي ناقشت موضوع الكذب عند الأطفال والمراهقين، توصلت إلى أن للكذب أنواعاً مختلفة، منها:

 

1. الكذب الخيالي: إذ يلجأ الأطفال الصغار (من سن 4 إلى 5 سنوات) إلى اختلاق القصص وسرد حكايات كاذبة. وهذا سلوك طبيعي لأنهم يستمتعون بالحكايات واختلاق القصص من أجل المتعة، لأن هؤلاء الأطفال يجهلون الفرق بين الحقيقة والخيال.

2. كذب الدفاع عن النفس: قد يلجأ الطفل الكبير أو المراهق إلى اختلاق بعض الأكاذيب لحماية نفسه، من أجل تجنب فعل شيء معين أو إنكار مسؤوليته عن حدوث أمر ما.

3. الكذب الاجتماعي: قد يكتشف بعض المراهقين أن الكذب من الممكن أن يكون مقبولاً في بعض المواقف، مثل عدم الإفصاح للزملاء عن الأسباب الحقيقية لقطع العلاقة بينهم، لأنهم لا يريدون أن يجرحوا شعورهم. وقد يلجأ بعض المراهقين إلى الكذب لحماية أمورهم الخاصة أو لإشعار أنفسهم بأنهم مستقلون عن والديهم (مثل كتمان أمر هروبهم من المدرسة مع أصدقائهم في أوقات الدراسة).

4. كذب المبالغة: من الممكن أن يلجأ بعض الأطفال، ممن يدركون الفرق بين الصراحة والكذب، إلى سرد قصص طويلة قد تبدو صادقة. وعادة ما يقول الأطفال أو المراهقون هذه القصص بحماس، لأنهم يتلقون قدراً كبيراً من الانتباه أثناء سردهم تلك الحكايات.

5. الكذب المرضي: كما أن هناك أيضاً بعض الأطفال والمراهقين الذين لا يكترثون بالكذب أو استغلال الآخرين. وقد يلجأ بعضهم إلى الكذب، للتعتيم على مشكلة أخرى أكثر خطورة، على سبيل المثال، يحاول المراهق الذي يدخن إخفاء أسماء الأشخاص الذين دخن معهم.

6. الكذب الانتقامي: قد يكذب الطفل لإسقاط اللوم على شخص ما يكرهه أو يغار منه، وهو من أكثر أنواع الكذب خطراً على الصحة النفسية وعلى كيان المجتمع ومثله وقيمه ومبادئه، ذلك لأن الكذب الناتج عن الكراهية والحقد هو كذب مع سبق الإصرار، ويحتاج من الطفل إلى تفكير وتدبير مسبق، بقصد إلحاق الضرر والأذى بمن يكرهه. ويكون هذا السلوك عادة مصحوباً بالتوتر النفسي والألم.

السبب والحل

 

 

عليك أيها الوالد أن تنتبه إلى كذب طفلك، وأن تحدّد سبب كذبه، وتعرف بالتالي نوع كذبه. إن معرفة سبب الكذب أهمّ من الكذب في حد ذاته. إنك عند بحثك عن محرّك الكذب وسببه، ستكتشف خلفيات الموضوع وستدرك تفاصيل مهمة تتحكم في سلوك ابنك.

وعندها ستستطيع حل مشكلة الكذب ومعالجتها. إن كنت متأكداً من قيام طفلك بتصرف خاطئ، لا تذهب إليه وتسأله: هل قمت بعمل هذا الشيء أم لا؟ ذلك إن نسبة كبيرة من الأطفال ـ وعند محاصرتها بمثل هذا السؤال ـ ستكذب لحماية نفسها.

وأن عليك معالجة هذا الخطأ عن طريق المواجهة المباشرة، فعندما تكون متأكداً من قيامه بعمل ما، تحدّث معه بنبرة حاسمة وأخبره مباشرةً عن أن ما فعله شيء خاطئ، وفسّر له السبب، ثم ضع عقاباً مناسباً لهذا الخطأ، وبذلك تكون قد جنّبته الكذب.

 

الكذب والذكاء

 

 

أظهرت الدراسة التي أجراها فريق من العلماء في كندا على عينة من 1200 طفل، تتراوح أعمارهم بين 2 و17 عاماً أن القادرين على اختلاق الكذب، بلغوا مراحل متقدمة في نموهم.

وذكر د. كانغ لي مدير معهد دراسات الطفل بجامعة «تورننو» أن الدراسة بينت أن عدد الأطفال البالغين من العمر عامين، قادرون على الكذب، وفى سن الرابعة فإن 90% من الأطفال قادرون على الكذب. ويبلغ هذا المعدل أقصاه في سن الثانية عشرة. وأكد العالم الكندي أنه ينبغي على الوالدين ألا ينتابهم القلق، إذا كان طفلهم يفتري الكذب، فهذا لا يعني حتماً أنهم سيتحولون إلى مرضى بالكذب، ولكن هذه علامة على أنهم بلغوا مرحلة فارقة في نموهم النفسي.

Email