التفكك الأسري. صراع بين زوجين والطفــــل ضحية.

ت + ت - الحجم الطبيعي

العلاقات الأسرية تعد أسمى وأقدس العلاقات على وجه الأرض.. ولأهمية الأسرة البالغة، وضع الإسلام المبادئ والقواعد التي تؤسس عليها هذه الأسرة، والتي تكفل لأفرادها حياة فاضلة تقوم على معاني المودة والرحمة والسكن والوئام والسلام.

 

في زمن العولمة وهبوب رياح التغيير، تأثرت الأسرة، فتضعضعت بعد أن كانت متماسكة، وتفككت بعد أن كانت نواة قوية، فظهرت مشكلة التفكك الأسري، التي تعد من أخطر المشكلات التي تواجه المجتمع، الذي أدى إلى قائمة طويلة من الآثار الضارة، بدءاً بتزايد انحراف الأبناء مروراً بمشكلة تعاطي الخمور والمخدرات.

وشيوع سلوك السرقة لدى صغار السن، وتكاثر الأمراض النفسية الناتجة عن تهدم الأسرة لدى الآباء والأمهات والأولاد والبنات، وغير ذلك كثير من المشكلات التي يصعب حصرها. تشير الباحثة بيك، في دراسة متخصصة لها، إلى أن التفكك الأسري يمر في العادة بمراحل عدة، يمكن تلخيصها على النحو التالي:

 

مرحلة الكمون

وهي فترة محددة وربما تكون قصيرة جداً، بشكل يجعلها غير ملحوظة، والخلافات فيها سواء كانت صغيرة أو كبيرة لا يتم مناقشتها أو التعامل معها بواقعية.

 

مرحلة الاستثارة

وفيها يشعر أحد الزوجين أو كلاهما بنوع من الارتباك، وبأنه مهدد وغير قانع بالإشباع الذي يحصل عليه.

مرحلة الاصطدام

وفيها يحدث الاصطدام أو الانفجار، نتيجة الانفعالات المترسبة، وظهور الانفعالات المكبوتة لمدة طويلة.

 

مرحلة انتشار النزاع

إذا زاد التحدي والصراع والرغبة في الانتقام فإن الأمور تزداد حدة، ويؤدي ذلك إلى زيادة العداء والخصومة بين الزوجين، والنقد المتبادل بينهما، ويكون هدف كل طرف الانتصار على الطرف الآخر، دون محاولة للوصول إلى التسوية، إذ ينظر كل منهما إلى نفسه على أنه الإنسان المتكامل على حساب الطرف الآخر. ويزداد السلوك السلبي، فإن كان النزاع في البداية يتعلق بناحية معينة، فإنه سرعان ما ينتشر ليغطي النواحي الأخرى المتعددة.

 

مرحلة البحث عن حلفاء

إن لم يستطع الزوجان حل المشكلة بمفردهما، فإنهما يبحثان عمن يساعدهما في تحقيق ذلك من الأهل والأقارب والأصدقاء. وإذا استمر النزاع لفترة طويلة، فإن القيم والمعايير التي تحكم بناء الأسرة تصبح مهددة. وهنا قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما للحصول على الإشباع من خلال المصادر الأخرى البديلة، مثل التركيز على الاهتمام بالأطفال، أو المشاركة في الأنشطة الاجتماعية، والتركيز على النجاح في العمل على حساب الإشباع الذي يتحقق داخل الأسرة.

 

مرحلة إنهاء الزواج

وعندما يكون لدى الزوجين على الأقل الدافعية والرغبة في تحمل مسؤولية القرار المتعلق بالانفصال، تبدأ إجراءات الانفصال، والتي تعني عدم التفكير في العودة مرة أخرى إلى الحياة الزوجية، وهنا قد يوكل أحد الطرفين أو كليهما محامياً لذلك ويلجأ للقضاء.

ربط بعض الباحثين أمثال شلدون واليانور جلو بك، جنح الأحداث بعدد من أنماط عدم الاستقرار الأسري، فتبين أن الأطفال الذين نشأوا في أسر تفككت أو عانت من مشكلات أسرية أكثر ارتكاباً للجنح والمخالفات، كما أن الأطفال الذين نشأوا في أسر مات عائلها تزداد معدلات الجنوح لديهم بنسبة 50%.

وفي دراسة أخرى اتضح أن المراهقين الذين يعانون من مشكلة سوء التكيف الشخصي، ينحدرون أساساً من أسر تتعرض إلى صراعات زوجية. فالفشل الذي يصيب أداء أحد الأبوين للدور المنوط به يمثل عاملاً مدمراً على الأطفال، أكثر مما يمثله انسحاب أحد الأبوين من العلاقة الزوجية. تثبت الدراسات الواحدة بعد الأخرى أن النمو السليم للطفل يعني وجود الأبوين أو من يحل محلهما بحيث يشعر الطفل بأنه محل رعاية واهتمام من قبل أبويه أو من يخلفهما.

 وقد تناولت بعض الدراسات الحالات التي تعيش في المؤسسات أو تلك التي انفصلت عن الأم. وتبين أن للحرمان من الأم أو الأب أو منهما معاً، آثاراً مريعة جداً على شخصية الطفل، تتضمن مجالات أساسية هي: الجوع الوجداني، والشخصية عديمة المودة ذات الميول العدوانية، والانطوائية والاكتئاب.

 

الأسرة المتكاملة

يرى علماء النفس أن الأسرة المتكاملة ليست تلك التي تكفل لأبنائها الرعاية الاقتصادية والاجتماعية والصحية فحسب، بل هي الأسرة التي تهيئ لهم الجو النفسي الملائم أيضاً. ومن هنا فإن مجرد وجود الطفل في بيت واحد مع والديه لا يعني دائماً أنه يحيا في أسرة متكاملة أو يلقى العناية الأبوية الكافية.

 

 

مظاهر تأثر الطفل بالتفكك

 

باعتباره جزءاً رئيساً من الوحدة الأسرية، يتأثر الطفل بما تتعرض له هذه الوحدة من مشكلات وتمزقات تأثيراً سلبياً، يعود بالضرر عليه، ومن ثم على المجتمع بصورة عامة. ومن مظاهر هذا التأثير:

1. تنشأ لدى الطفل صراعات داخلية نتيجة لانهيار الحياة الأسرية، فيحمل هذا الطفل دوافع عدوانية تجاه الأبوين وباقي أفراد المجتمع.

2. في كثير من الحالات ينتقل الطفل من مقر الأسرة المتفككة ليعيش غريباً مع أبيه أو أمه فيواجه بذلك صعوبات كبيرة في التكيف مع زوجة الأب أو زوج الأم. وقد يعقد الطفل مقارنات عدة بين والديه وبين الوالدين الجدد، مما يجعله في حالة اضطراب نفسي مستمر.

3. يتحتم على الطفل وفقاً لهذا الوضع الجديد أن يتكيف مع بيئات منزلية مختلفة في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والمستوى الثقافي، ما يؤثر على شخصية الطفل بدرجة كبيرة، فيخلق منها شخصية مهزوزة غير مستقرة ومتأرجحة.

4. يتحمل الطفل كالآباء تماماً عبء التفكير الدائم في مشكلة الانفصال.

5. يعقد الطفل مقارنات مستمرة بين أسرته المتفككة والحياة الأسرية التي يعيشها باقي الأطفال، ما يولد لديه الشعور بالإحباط، وربما أكسبه اتجاهاً عدوانياً تجاه الجميع وبالأخص أطفال الأسر السليمة.

6. يتعرض الطفل للاضطراب والقلق، نتيجة لعدم إدراكه الأهداف الكامنة وراء الصراع بين الوالدين أو أسباب محاولة استخدامه ـ من قبل والديه ـ في شن الهجوم على بعضهما البعض، واستخدامه كأداة لتحقيق النصر على الطرف الآخر.

7. يؤدي هذا الاضطراب في مرحلة الطفولة إلى اضطراب النمو الانفعالي والعقلي للطفل فيبرز للمجتمع فرداً بشخصية مهزوزة أو معتلة يعود بالضرر على المجتمع بأكمله.

Email