الزي المدرسي الموحد.. في مواجهة الطبقية الاجتماعية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تحظى القضايا المتعلقة بالعملية التعليمية، باهتمام بالغ من جميع المهتمين، خاصة التربويين وأولياء الأمور والطلبة، وتتعدد القضايا وتتفاوت في قيمتها وأهميتها بحسب الدور الذي تلعبه والآثار التي تتركها سلباً أو إيجاباً على سير وأداء العملية التعليمية. وتعد قضية الزي المدرسي من القضايا الساخنة التي يتجدد الحديث حولها من عام إلى آخر.

حيث يعتقد الكثير من خبراء التربية وعلم الاجتماع أن الطلبة الذين يرتدون زياً مدرسياً يظهرون أداءً تعليمياً أفضل في المدرسة. كثير من الطلبة يعيرون الملابس التي يرتدونها في غدوهم ورواحهم اهتماماً زائداً إلى الدرجة التي تشتت ذهنهم وتصرف انتباههم عن التركيز في التعليم. ويرون أيضاً أن الزي المدرسي يضفي نوعاً من الجدية داخل البيئة المدرسية.

وهو أمر مفيد للعملية التعليمية ومن شأنه أن يحسن أداء الطلبة، بل ويحسّن انتظامهم في المدرسة. وقد ذكر كثير من أولياء الأمور أن أبناءهم يقضون وقتاً طويلاً يومياً في انتقاء واختيار الملابس التي يرتدونها، وأن الزي المدرسي الإلزامي يوفر كثيراً من الوقت الذي يمكن أن يستغلوه في النوم أو الدراسة.

 

تاريخ الزي

ذاكرة التاريخ تشير إلى أن الزي المدرسي يعود في تاريخه إلى القرن الخامس عشر، حيث فرض أولاً على طلبة المدارس الخيرية في بريطانيا وذلك لأسباب اقتصادية بحتة حتى يتم تمييز الطلبة عن غيرهم، وبالتالي لم يظهر هذا الزي على الطلبة في بريطانيا إلا في القرن التاسع عشر إذ بدأت المدارس الخاصة تفرضه على طلبتها.

وهكذا انتقل الزي المدرسي من اهتمام الدائرة الخاصة إلى المدارس الحكومية في بريطانيا، ولاحقاً نقلت بريطانيا هذا الزي المدرسي حسب الوثائق إلى مستعمراتها في كافة أرجاء الكرة الأرضية. وبالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، فإن اللباس المدرسي الموحد قد خضع لمزاج ورؤية مراحل زمنية عدة، تفاوتت بين الاتزان والفوضى.

فبعض المعطيات تؤكد أن لحوادث العنف التي انتشرت في مدارس أميركا أكبر الأثر في العودة إلى الزي المدرسي الذي هجرته مدارسها لفترة غير قصيرة، فإلى ما قبل نهاية الستينات الميلادية، كان اللباس المحتشم يخضع لقوانين صارمة ولكن في نهاية الستينات وبداية السبعينيات ألغي الزي المدرسي في مدارس الحكومة، وألغيت معه القوانين التي تحدد ما يلبسه الطلبة إلى المدرسة.

وهو ما فتح المجال لهؤلاء بإطالة الشعر وارتداء كل أنواع اللباس بما فيها البنطال والبيجاما وما يرتديه أفراد العصابات، وهذا الواقع اللا مترابط أفضى إلى انتشار العنف في مدارس أميركا بدرجة كبيرة، حتى أن طالباً من بين كل عشرة طلاب يغادرون مقاعد الدراسة بسبب العنف، ووجد الكثير أيضاً من المربين، أن هناك ارتباطاً كبيراً بين العنف والملابس، معتقدين أن الزي المدرسي قد يكون أحد الحلول التي تساعد على الحد من العنف.

 

آثار اجتماعية

يعتقد بعض الخبراء أن للزي المدرسي آثاراً اجتماعية طيبة في البيئة المدرسية، أكثر من أي مكان آخر، فالملابس والأزياء و«الموضة» تعتبر غالباً أساس الصراع الاجتماعي أو الطبقي. فالأطفال يتعرضون للسخرية من قبل نظرائهم من الطلبة بسبب الملابس التي يرتدونها، حيث يتخذ كثير من الأطفال الملابس وسيلة للتعبير عن مكانتهم وتعريف الآخرين بوضعهم الاجتماعي.

ومن شأن هذا الأمر أن يؤدي غالباً إلى تولد الطبقية داخل البيئة المدرسية. ويشعر كثير من الطلبة أن تقييم زملائهم لهم داخل المدرسة والحكم عليهم يتم على أساس الملابس التي يرتدونها، والأمر نفسه يمكن أن يحدث من قبل المعلمين والإداريين تجاه الطلبة.

وفي هذا الشأن، ينجح الزي المدرسي في إزالة هذه العوامل من البيئة الاجتماعية داخل المدرسة، ومن ثم يريح الطلبة من التعرض لهذه الضغوط. ويعتقد الخبراء أن تحسين البيئة الاجتماعية المدرسية من خلال الالتزام بالزي المدرسي الموحد يؤدي إلى تحسن النتائج العلمية والسلوكية.

يعتقد الخبراء أن استخدام الزي المدرسي أمر في متناول الأسر ويمكن أن يطيقوا تكلفته المادية، حيث لا يعانون ضغوط الحاجة إلى شراء ملابس أنيقة باهظة الثمن ومتوافقة مع أحدث خطوط «الموضة»، على عكس الزي المدرسي، الذي صمم ليدوم ويتحمل ويسهل غسله مراراً وتكراراً.

وبعد شرائه في بداية الدراسة لا يتوجب على أولياء الأمور إنفاق مزيد من الأموال على الملبس. علاوة على ذلك، يعتقد بعض الناس أن شراء زي مدرسي يكلف المرء مبالغ أقل كثيراً من شراء ملابس للأطفال تتوافق مع أحدث خطوط «الموضة».

Email