أحمد أبو يوسف: من قلق «الرياضيات» نفسي

  • الصورة :
  • الصورة :
صورة
ت + ت - الحجم الطبيعي

لطالما رسخت لدى الكثير من الطلبة فكرة صعوبة فهم مادة الرياضيات، إلا أن التطور التكنولوجي أدى إلى جعلها أكثر سهولة، نظراً إلى لجوء معلمي الرياضيات إلى استخدام الأساليب التقنية الحديثة خلال الموقف الصفي، ما حبب الطلبة في المادة، وأبعد عنهم شبح الخوف والقلق منها.

في حوار «العلم اليوم» مع أحمد علي أبو يوسف، الموجه الأول لمادة الرياضيات في وزارة التربية والتعليم، تحدث الضيف عن الدور الإيجابي للتكنولوجيا في تبسيط مفاهيم المادة، وأمور أخرى كثيرة نتعرف عليها من الحوار التالي:

 ما الدور الذي يؤديه التطور التكنولوجي في جانب استيعاب الطلبة لمادة الرياضيات؟

أدى التطور التكنولوجي إلى ظهور ما يسمى بالتعلم الإلكتروني، الذي يعتمد على التوظيف الصحيح للحواسيب والشبكة العنكبوتية، لتقديم الدعم لعملية التعليم والتعلم وإكساب المهارات.

وأثبت كثير من الدراسات الميدانية وجود اتجاهات إيجابية لدى الطلبة، نحو استخدام التعلم الإلكتروني في تعلم مقررات الرياضيات. ومما لاشك فيه أن أنماط التعلم الإلكتروني تحتاج دائماً إلى الدراسة والتحديث والابتكار والتطوير، كونها وسيلة تعليمية توفر بيئة تفاعلية للطالب، تمكنه من عرض أفكاره، وتحفزه على التفكير الابتكاري والوصول إلى نتائج خلاقة، والتواصل مع زملائه ومعلميه..

وتبادل وجهات النظر عامة، ذلك أن استخدام تكنولوجيا المعلومات في تعليم الرياضيات يساعد الطلبة على فهم المادة واستيعابها، وتعلم المفاهيم بدلاً من حفظها بشكل عام، إذ إن للتطور التكنولوجي أثراً إيجابياً في استيعاب الطلبة لمادة الرياضيات، وتوفير بيئة عمل مريحة ومرنة، دون التقيد بالزمان والمكان وبُعد المسافة، ما يجعل تعلم الرياضيات محسوساً وشائقاً.

لماذا يخشى الطلبة مادة الرياضيات؟

إن مشكلة تعليم وتعلم الرياضيات هي مشكلة نفسية، إذ تقول لدراسات إن الرياضيات مثل اللعبة 90% منها «نفسي» مرتبط بثقة الطالب بنفسه و10% «عملي» مرتبط بكفاءة الفرد في أداء المهمات المتعلقة بمادة الرياضيات. وقد أدى ذلك إلى وجود نوع من القلق، يسمى قلق الرياضيات. كما أن لبعض المعلمين أدوا دوراً أساسياً في انتشار قلق الرياضيات والخوف من المادة، بسبب نزعتهم لاستخدام طرق تدريس تقليدية..

وعدم التركيز على المفاهيم، ما يؤدي إلى معاناة الطلبة، وضعفهم في التحصيل، وزيادة نسبة الرسوب في الرياضيات، ليصبح سبباً رئيساً في عملية التسرب والشعور بالتوتر والقلق، عند تعامل الطالب مع الأرقام أو حل مسائل ومشكلات رياضية لها علاقة بالحياة اليومية والأكاديمية. وهذا ما أسفرت عنه دراسات كثيرة في بعض الدول حول عزوف الطلبة عن دراسة الرياضيات في مرحلة ما قبل التعليم الجامعي.

وفي جانب موازٍ، تحرص الوزارة وكافة المسؤولين على توفير العناصر ذوي الكفاءة العالية من المعلمين المؤهلين أكاديمياً وتربوياً، بقصد جعل مادة الرياضيات لدى الطلبة مادة شائقة ومحببة.

يشكو الكثير من صعوبة الرياضيات، فكيف يجعلها المعلم مادة جاذبة؟

الطرق التقليدية في التدريس وغير المحببة لدى الطلبة، تؤدي إلى إحباط وكراهية للمادة، وإلى الشعور بأن الرياضيات منفصلة عن الواقع.

وليس لها قيمة علمية أو جمالية، لذا على المعلم أن يعتمد على عنصر التشويق والتعزيز أثناء الشرح، ومراعاة الفروق الفردية والمتابعة المستمرة لأعمال الطلبة وتهيئة الطلبة ذهنياً ونفسياً لمادة الرياضيات، وتوفير البيئة الصفية الملائمة، والتواصل مع أولياء الأمور، وإرشادهم إلى كيفية متابعة أبنائهم، وتعميق ثقة الطلبة بأنفسهم، وتقوية العلاقة بين المعلم والطالب والمدرسة والمجتمع.

 الأعباء والتلقين

 أشار أحمد أبو يوسف إلى عوامل كثيرة تتسبب في ترسيخ فكرة صعوبة مادة الرياضيات لدى الطالب، ترجع إلى المعلم أو المتعلم أو المادة نفسها، لافتاً إلى أن الدراسات التي أجريت عن صعوبة مادة الرياضيات لدى بعض الطلبة في بعض الدول، بينت اعتماد بعض المعلمين على التلقين في عملية الشرح، والنصاب المرتفع لمعلم الرياضيات..

والأعباء الكثيرة التي يقوم بها المعلم، إضافة إلى عملية التدريس. وثمة من المعلمين من لا تساعده كفاءته على اتباع طرق تدريس متطورة ومشوقة للطالب، أو ربط المادة ببيئة الطالب، وعدم استخدام تكنولوجيا التعليم من قبل معلمين آخرين.

الرياضيات «لغة العلم» ومفتاح المتعة لدى الطالب

 كيف تُكسب مادة الرياضيات الطالب مهارة التفكير، وما حجم الحفظ فيها؟

تعتبر الرياضيات وسيطاً مهماً لتنمية مهارات التفكير لدى الطالب، نظراً لطبيعة المادة، حيث تتميز بدقة التعبير والوضوح والإيجاز وتعتمد على المنطق والمقدمات، وتراكمية البناء والتصور والتخيل والعمليات الذهنية، ما يساعد على تحقيق المتعة لدى الطالب. وقد أطلق على الرياضيات، لغة العلم، لارتباطها بكافة العلوم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

ومن خلال البراهين الرياضية يعتاد الطالب، التفكير السليم الذي ينعكس على أدائه في كافة مناحي الحياة العلمية. ومن الاتجاهات الحديثة في تعليم الرياضيات في القرن الحادي والعشرين «تعليم الرياضيات من أجل تنمية مهارات التفكير وأسلوب حل المشكلات».

هل هناك شروط ومعايير يجب أن تنطبق على معلم الرياضيات؟

نعم؛ ففي خضم هذا التقدم الهائل في الثورة المعرفية، تظهر أهمية الدور الذي يجب أن يلعبه معلم الرياضيات في تكوين أجيال قادرة على التفكير والإبداع واستخدام أسلوب حل المشكلات، لمواجهة متطلبات الحياة اليومية المتجددة.

ودور المعلم هنا لا يقتصر على عملية التعليم، ولكن يتعداه إلى تكوين شخصية المتعلم، وجعله قابلاً للتعلم بصفة مستمرة، وليس متعلماً فقط. لذلك فإن معلم الرياضيات يجب أن يكون: قادراً على إكساب طلابه المهارات الأساسية في الرياضيات، وتوضيح المفاهيم، إلى جانب تصميمه للخبرات التي تثير دافعية الطلبة لتعلم الرياضيات.

وتمكنه من معالجة نواحي الضعف لدى الطلبة، وتوفير جميع الفرص الملائمة لمستوياتهم، لامتلاك المعارف والمهارات، وأن تكون لديه القدرة على تطوير أدائه وإحداث تغيير في طريقة تدريسه، لتحقيق أهداف التدريس، بالإضافة إلى مشاركته في برامج النمو المهني والتدريب على معايير مهنية حديثة تتماشى مع التقدم العلمي.

وقد أظهر كثير من الدراسات وجود علاقة قوية بين جودة أداء التدريس لمعلمي الرياضيات، ومعيار أداء الطلبة في اختبارات أعدت خصيصاً لذلك.

بعض الطلبة يلجأ إلى الدروس الخصوصية، فهل يعد هذا تقصيراً من معلم المادة أم أن المادة صعبة؟

هذه الدروس هي مجرد جهد تعليمي مكرر يحصل عليه الطالب منفرداً أو في مجموعة، ويتم خارج نطاق المدرسة نظير مقابل مادي يدفعه الطالب للشخص القائم به.

ومما لاشك فيه أن الدروس الخصوصية تعد ظاهرة، وتشكل خطورة كبيرة حيث أنها تؤثر سلباً على سلوك الطلبة وتبعدهم عن الجو الصفي والمشاركة الجماعية في الحصص، فضلاً عن أنها تقلل من تفاعلهم مع معلم الصف، وتجعل اهتمام الطالب مجرد النجاح والاعتماد على التلقين والحفظ. ومهما كانت نظرة الطلبة لموضوع الدروس الخصوصية، ومحاولة إيجاد المبررات للتعامل معها، فإن سلبياتها تفوق مزاياها، وذلك من خلال أغلب الدراسات التي تناولت هذا الموضوع.

إضافة إلى ذلك؛ فإن اعتماد الطالب على الدروس الخصوصية يفقده القدرة على الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية، ما يجعله في حاجة دائمة إلى الاعتماد على الآخرين. وتعمل الوزارة بكل جهد لتوفير المعلم المتخصص والمؤهل أكاديمياً وتربوياً، من خلال التدريب المستمر للمعلمين في الميدان «التدريب أثناء الخدمة» على المستجدات، من طرائق التدريس التي من شأنها جعل الطالب لا يحتاج إلى هذه الدروس الخصوصية في الرياضيات.

هل الايحاء النفسي الذي يتعرض له الطالب من أقرانه، يؤثر فيه سلبياً ويجعله لا يتقبل المادة؟

الثقة بالنفس من ضرورات بناء شخصية الطالب في بداية مرحلة الطفولة، فالطالب الواثق من نفسه تكون نسبة تأثره بما يتعرض له من أقرانه ضعيفة، عكس الطالب الفاقد للثقة بنفسه، إذ تكون نسبة التأثير عليه عالية، وتكون انفعالاته غير مستقرة، وتصرفاته غير منتظمة..

فهو يشعر بعدم القدرة على اتخاذ القرار ما يؤدي أحياناً إلى إصابته ببعض الصفات، مثل العصبية والعدوانية والأرق، وأحياناً الاكتئاب. كما أن للأقران تأثيراً كبيراً في تغيير المسار العلمي لحياة بعضهم. فعلى المعلم أن يشجع طلابه على طرح آرائهم وأفكارهم دون خوف أو قلق، وتنمية قدراتهم على اتخاذ القرار.

وقد دلت الدراسات النفسية على أن الطلبة الذين يتمتعون بالثقة والتفاؤل والاطمئنان، هم أكثر نجاحاً وثباتاً وقدرة على اتخاذ القرار، وهؤلاء تعلموا على أيدي معلمين يتمتعون بشخصية سوية. وهذا ما تتبناه وزارة التربية والتعليم عند استقطاب المعلمين الجدد.

 الطالب والمنهج

أكد أبو يوسف أن قناعة الطالب بصعوبة الرياضيات، مردها القصور في متابعة المادة مع المعلم في المدرسة أو البيت، إضافة إلى شعور بعض الطلبة السلبي المسبق نحو المادة، فضلاً عن نقص الدافعية لدى الطالب، ووجود مشكلة في القراءة لدى البعض، ما يسبب ضعفاً في تحليل مسائل الرياضيات لغوياً، ومعاناة البعض منهم من مشكلات محددة في الرياضيات، مثل العمليات الحسابية والمفاهيم في الهندسة والقياس.

أما الأسباب المتعلقة بالمنهاج، فتتمثل في عد المنهج المصدر الأساسي لمادة التدريس، إذ يوفر المعلومة التي تناسب قدرات الطالب تبعاً للمراحل السنية، ويعتمد بنسبة كبيرة على المجال التطبيقي في الرياضيات، وهذا ما يعمل المسؤولون على توفيره بصفة مستمرة.

Email